أعلن توني بلير - رئيس وزراء بريطانيا السابق - اعتذاره عن حرب العراق سنة 2003، وإن شئنا الدقة حرب تدمير العراق، وليس واضحاً لمن توجه بلير بالاعتذار، هل للشعب العراقي الذي أصيب أم للشعب البريطاني الذي أخذه بلير في طريق تلك الحرب؟؟ وليس واضحاً كذلك هل الاعتذار عن اقتناع بأن ما تم كان خطأ أو محاولة لتجنب المسئولية الأدبية عن النتائج المأساوية لما حدث، بلير لم ير في المشهد سوي ظهور داعش وجرائمها، لكن لم ينتبه أمام بروز النزاع الظائفي في العراق، وتدمير ثرواته، حتي المتحف العراقي تم نهبه بالكامل. كنت أود لو أن بلير كتب الاعتذار وبعثه إلي هيئة الأممالمتحدة أو إلي مجلس العموم البريطاني، ناهيك عن أن يكون للشعب العراقي، ممثل في البرلمان أو رئيس الحكومة. الاعتذار التليفزيوني الذي أبداه بلير يثير العديد من التساؤلات، من بينها معني وحدود الاعتذار ذاته، الإنسان يعتذر عن تصرف عابر أو زلة لسان في لحظة ما، لكن هل تدمير دولة بأكملها يعد خطأ بسيطاً، يمكن الاعتذار عنه، أم أنه جريمة كبري تستحق، المساءلة والتحقيق السياسي، حتي لو لم نشأ أن يكون جنائياً. الأهم من ذلك، هل جرائم التاريخ يتم الاعتذار عنها، مثلاً هل من الممكن أن يعتذر هولاكو عن تدمير بغداد، لو كان بيننا، وأن يعتذر نيرون عن حرق روما، ناهيك عن هتلر وستالين، وهل وارد أن تعتذر الولاياتالمتحدة عن إطلاق قنبلتين نوويتين علي هيروشيما وناجازاكي لمجرد تجريبهما، كانت اليابان هزمت وبصدد إعلان الاستسلام. المسألة تحتاج تفكيرا وبحثا، خاصة أن الجرائم التاريخية، لا يمكن بسهولة ازالة آثارها بعد حدوثها، روما بنيت من جديد، وبغداد استعادت عافيتها بعد اجتياح المغول لها، وسوف تستعيد دورها بعد ما جري لها في 2003، وقد يتسامح التاريخ، لكنه لا يغفر ولا ينسي أبداً. اعتذار بلير ينطوي علي شجاعة أدبية أو ربما محاولة لتبرئة نفسه والقرار الذي اتخذه من كارثة داعش، لكن يحسب له، علي المستوي الإنساني، الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ أو سوء التقدير. الاعتراف بهذا الخطأ يثير الشك في طريقة صنع القرار داخل بلد عريق ديمقراطياً، ولديه مؤسسات راسخة، ولنا أن نتساءل عن دور أجهزة المعلومات في بريطانيا وكذلك الخارجية وتقديراتها التي دفعت رئيس الوزراء إلي اتخاذ قرار المشاركة في الحرب وبحماس فاق حماس الرئيس بوش (الابن)، هل أخطأت تلك المؤسسات والأجهزة في جمع المعلومات ومن ثم التقدير ؟ أم أن رئيس الوزراء قُدمت إليه معلومات مدققة وتقديرات واقعية، لكنه أهملها واتخذ القرار من عندياته، ومن انطباعاته وأهوائه، هو، لحظتها، ومن ثم تكون الديمقراطية مجرد «ديكور» في النهاية. حرب تدمير العراق سنة 2003، وما تسرب لنا من معلومات حولها يثير الريبة في ديمقراطية اتخاذ القرار بهذه البلدان، تكرر كثيراً القول إن مدير المخابرات الأمريكية أخبر بوش (الابن) بأن صدام يأوي متطرفين ولا شأن له بنتظيم القاعدة وأنه ليس لديه أسلحة نووية، فيكون رد بوش (الابن) « تذكر أن هذا الرجل حاول قتل والدي «، وبالفعل كان صداما قد دبر محاولة لاغتيال بوش (الأب) في الكويت؛ بعد أن ترك الأب البيت الأبيض النزوع الفردي، والرغبة في الانتقام والثأر الشخصي، هي الدافع الأساسي، وهكذا تتخذ قرارات من هذا النوع. بوش ليس استثناء، أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا اتخذ قرار العدوان الثلاثي علي مصر، بدافع من كراهية شخصية ومشاعر سلبية كان يحملها تجاه الرئيس جمال عبد الناصر ؛ رغم أن القرار كان ضد مصلحة بريطانيا وضد التاريخ والواقع. كثير من القرارات الكبري في البلدان الديمقراطية، خاصة الديمقراطية، اتخذت بدوافع وانطباعات شخصية لدي مسئوليها الكبار. بلير يعتذر لكن أسلافه لم يعتذروا من قبل، لم نسمع اعتذاراً عن تدمير الأسطول البريطاني للإسكندرية في 11 يونيو 1882، ولا عن تدمير بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، ولا عن احتلال مصر ونهب ثرواتها لمدة 74 عاماً، هذا ما حدث بالنسبة لمصر، فماذا لو تذكرنا ما جري بالنسبة لفلسطين والهند وغيرها من بلدان آسيا وأفريقيا، يحسب لرئيس الوزراء البريطاني السابق اعتذاره، لكن الأحداث أو الأخطاء والجرائم التاريخية لا يتم التعامل معها بهذه الخفة.