تشققت الأرض تماما بفعل نضوب المياه الجوفية. تعد مشكلة نقص المياه من اخطر التحديات التي تهدد مستقبل الحياة علي سطح الكرة الارضية، وقد أكد الخبراء في تقارير مختلفة، أن النمو السكاني وتغير المناخ بصورة متزايدة يؤديان إلي إحداث تغييرات في مدي توافر المياه التي ازداد الطلب عليها بشكل كبير، إذ أخذت مصادر المياه العذبة في التقلص، هذا بالإضافة إلي ان عددا كبيرا من مصادر المياه أصبح مهددا بسبب الصرف الخاطئ للنفايات والملوثات الصناعية والمياه الملوثة، وهو ما قد يسهم في اندلاع صراعات ونزاعات وحروب عسكرية في سبيل الحصول علي مصادر المياه وتحويل مجاري الانهار. وفي هذا السياق نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية نقلاً عن بيانات نشرتها وكالة الفضاء الامريكية "ناسا " تحذيرا من ان مخزون المياه الجوفية ينفد من كوكب الأرض، فقد بدأت أكبر طبقات المياه الجوفية في العالم الموجودة تحت الأرض -والتي تعتبر مصدرا للمياه العذبة لمئات الملايين من الاشخاص- تستنفد لتصل إلي مستويات تنذر بالخطر. أظهرت دراستان جديدتان بقيادة باحثين من جامعة كاليفورنيا أن موارد المياه الجوفية العالمية في طريقها للنفاد، وذلك بسبب الآثار الخطيرة لظاهرة الاحتباس الحراري والطلب البشري المتزايد نتيجة تزايد السكان والعمران، وهو ما ادي إلي انخفاض إمدادات المياه في العالم لمستويات خطيرة. الدراسة الاولي تعتمد علي مقارنة التحليل الإحصائي لمعدلات سحب المياه المستقاة من الاقمار الصناعية التي تعمل في اطار برنامج مهمة جريس التابع لوكالة ناسا لتحليل وقياس التغيرات في الجاذبية علي سطح الأرض، في الفترة بين يناير 2003 وديسمبر 2013. وتقارن الدراسة الفرق بين استخدام ووفرة الموارد المائية لتحديد كم الإجهاد والاستنفاد لثروة المياه الجوفية ومدي تجددها عموما. ووفقا لهذه النتائج، وجُد ان 21 من أكبر 37 طبقة حاوية للمياه الجوفية في الهند والصين وحتي الولاياتالمتحدة وفرنسا، يُجري استنزاف المياه فيها بمعدل أكبر من معدل تجدد المياه بها بشكل طبيعي خلال فترة الدراسة (عشر سنوات)، وقال الباحثون إن هذا يشير إلي مشكلة طويلة الامد ومن المحتمل ان تزداد سوءا مع زيادة الاعتماد علي المياه الجوفية، كما ان هناك 13 منطقة انزلقت إلي الفئة الأكثر اضطرابا والذي يمكن ان يهددها مستقبلا، كما في حالة طبقة المياه الجوفية التي تقع في الوادي المركزي بكاليفورنيا وهي منطقة معروفة بالزراعة الثقيلة والتي اصبح لديها سجل دائم لحالات الجفاف. يري"جاي فاميجليتي" كبير علماء المياه في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، وهو ممن شاركوا في الدراسة الاولي، إن منسوب المياه الجوفية ينخفض بشكل مطرد في جميع أنحاء العالم، وان المياه الجوفية لم تعد مصدرا لإمدادات المياه الذي لا ينضب. يقول البروفيسور فاميجليتي "ان وضع المياه في العالم اصبح حرجا جداً، إذ ان طبقات المياه الجوفية الموجودة تحت الارض تزود سكان الارض ب 35٪ من المياه. والطلب علي المياه يزداد في اوقات الجفاف. فعلي سبيل المثال فان ولاية كاليفورنيا التي تعاني من الجفاف تستفيد حاليا من طبقات المياه الجوفية بنسبة 60٪ بعدما جفت مياه الانهار والخزانات فوق الأرض، وهذه تعتبر زيادة حادة في استخدام المياه الجوفية ب40٪ من الحد الطبيعي". وذكر التقرير أنه في بعض الدول التي تعتبر بدائل المياه الجوفية فيها شحيحة، وفي نفس الوقت تمتاز بكثافة سكانية عالية، مثل شمال غربي الهند وباكستان وشمال أفريقيا، قد يؤدي نقص المياه فيها إلي زعزعة الاستقرار. وأشار التقرير إلي أن طبقات المياه الجوفية تحتاج إلي آلاف السنين لإعادة التعبئة من جديد، اي بشكل بطيء، من خلال ذوبان الثلوج ومياه الأمطار. اما الدراسة الثانية فقد اختصت بفحص وقياس إجمالي السعة التخزينية للمياه الجوفية الان في العالم، حيث وجدت أن العديد من التقديرات التي كانت تنشر في الدوريات والابحاث السابقة قد عفا عليها الزمن، وربما تكون كمية المياة الجوفية المتوافرة الان اقل بكثير مما كان يعتقد في الماضي. وتقول الدراسة ان التغيرات المناخية وموجات الجفاف الشديد والزيادة السكنية والتطور الحضاري عوامل كلها ادت إلي انخفاض مخزون المياه الجوفية علي الارض وعدم تجددها بشكل طبيعي متناسب. وخلصت الدراستان إلي ضرورة اطلاق تحذير من نقص الموارد المائية التي لن تكون كافية لتلبية الطلب في المستقبل بسبب النمو السكاني وتغير المناخ، وأشاروا انه مع معدلات الاستهلاك الجارية اصبح من المرجح تزايد عدد سكان العالم الذين لن يتمكنوا من الحصول علي مياه صالحة للشرب، لذا يجب ان يتم التوحد معا لبحث وايجاد برنامج عالمي لكيفية إدارة المياه الجوفية والا فان مصيرها النفاد.