عندما سئل عباس محمود العقاد، لماذا نقرأ ؟ وكان ذلك في أحد الكتب المهمة التي دون رأيهم فيه مجموعة من كبار الأدباء والمفكرين، قال العقاد : نقرأ لكي نعيش حيوات متعددة، فيجب ألا نكتفي بحياة واحدة، فالقراءة تضاعف حيواتك التي تعيشها. ومن رأيي أننا عندما نكتب فإننا نخلد أنفسنا فالأديب لا يموت وتظل أعماله وأفكاره وكلماته معنا إلي الأبد حسب جودة ما قدمه من أدب. واليوم نتحدث عن الأديب جمال الغيطاني الذي عرفته وجاورته في مكتبه وفي مجلس إدارة أخبار اليوم وفي المهنة بشكل عام، لفت الغيطاني الأنظار إليه بعد أن صدرت له مجموعته الأدبية الأولي ∩ أوراق شاب عاش ألف عام ∩.. جاءت كتابته جديدة وعبر بأسلوب غير مألوف في الرواية العربية إذ اعتمد علي محاكاة السرد العربي القديم. بهذه المجموعة سطر الغيطاني اسمه كأديب من جيل أدباء الستينات المتميزين، ذلك الجيل الذي عاصر الهزيمة في 1967 فتمرد علي الواقع ورفض ما هو قائم وانحاز للعروبة والقومية العربية التي كانت في أوجها في ذاك الوقت. استطاع الغيطاني بموهبته وسعة إطلاعه أن يوجد لنفسه مكانا في الصفوف الأولي من جيل الستينات وقد شهد له نجيب محفوظ وكبار الأدباء الذين عاصرهم بعد أن خط الغيطاني لنفسه أسلوبا تميز به عن الآخرين معبرا عن فكره الذي اعتنقه وهو الفكر الاشتراكي. وكان من المؤثرات التي ساهمت في تكوين جمال الغيطاني الأديب دخوله السجن في الستينات والتحاقه بمؤسسة أخبار اليوم كمراسل حربي، وهاتان التجربتان شكلتا وجدان الغيطاني وأدبه وأثرتا في توجهاته السياسية بعد ذلك حيث انحاز بكل قواه للمؤسسة العسكرية ورجالها وصار أحد كبار المؤرخين الصحفيين لبطولات رجالها وسطر بعضا من هذه البطولات في أعمال أدبية تحول بعضها إلي أعمال درامية تم تصويرها للتليفزيون أو السينما وتبدو معرفته بالشئون العسكرية واضحة سواء في أدبه أو في أحاديثه للصحف أو للتليفزيون. كان لنشأة الغيطاني الأولي في الصعيد في جهينة بسوهاج ثم إقامة العائلة بعد ذلك في حي الجمالية الذي تصادف أن كان محور أعمال نجيب محفوظ الأدبية، كان لوجوده في هذه المنطقة تأثير كبير علي كتاباته فقد استقر في وجدانه الثقافة الشعبية والتراث الشعبي وانعكس ذلك علي أعماله التي كانت نسبة كبيرة منها تستلهم القاهرة المملوكية بمساجدها وتراثها وتاريخها الذي ترجم بعضه إلي أعمال أدبية. لم يلتحق الغيطاني بالجامعة، ربما لظروف مالية عانت منها الأسرة لكنه استطاع بقراءاته التعويض وتثقيف نفسه ولأنها كانت قراءات لأعمال تمتلئ بها مكتبات تلك المنطقة الشعبية القديمة فقد تأثر الغيطاني كثيرا بحقبة المماليك كما تأثر بالقص التراثي فاتجه أكثر إلي كتب التراث القديم يلتهمها قراءة بنهم. وبجانب ثقافة القراءة ساهمت رحلاته إلي بلاد إسلامية في تكوين ثقافة عن المعمار الإسلامي الذي عشقه وكثيرا ما كتب عنه خاصة جامع السلطان حسن وجامع الرفاعي وغيرهما من التحف الإسلامية. لقد عاني الغيطاني مؤخرا من المرض وظل لفترة طويلة تحت الملاحظة بعد غيابه عن الوعي وقد مات تاركا لنا أدبا سيعيش بعده كثيرا كما ترك لنا من عصرناه في العمل أو في الحياة شخصية تحترمها. وبأدبه الذي كتبه وأدبه الخلقي يمكن أن نقول إن الغيطاني سيعيش ألف عام وربما أكثر.