قرابة نصف قرن مرت علي رحيل عبدالناصر.. غاب فيها ولم يغب مات ومازال حيا ويقف الشريط في وضع ثابت ويبدو المنظر كأوضح ما يكون.. عبدالناصر لايزال هنا. وقف الشريط في وضع الثبات، ارتد كل شيء إلي نقطة السكون، كل العيون حائرة تبكي لكن تعز عليها الدموع، كل المصريين في الشوارع والميادين يبكون رحيل القائد والزعيم وإذا طاوعتهم الدموع فهي حارقة.. لم تبك أمة ابنا مثلما بكت جمال، هتافات واحدة صاخبة صادرة من أعماق احبته وآمنت به التقت آمالهم مع ما يدعو إليه.. جاء اليهم من رحم الغيب معبرا عن آمالهم واحلامهم وآلامهم التي آمن بها وناضل من أجلها ودفع حياته ثمنا لتحقيقها، طاف الشوارع في سيارة مكشوفة.. سار وسط امواج البشر المتلاطمة لانه آمن أن قلوبهم ترعاه وعيونهم تحرسه بحب ووفاء.. ارواحهم فداء له من اجل وطن ناضل الجميع لبنائه «الوداع يا جمال- يا حبيب الملايين» «يا نميري يا قذافي عبدالناصر صابح ماشي».. هتافات مبللة بالدموع توحدت فيها الحناجر.! كان سبتمبر الحزين الذي شهد الحدث الذي لم يخطر علي بال وفاجأهم الخبر الذي كان ابعد من خيالهم.. واخذ السواد يلف الكون وما فيه.. حالة من اليتم الجماعي يشعر بها الجميع «سايبنا ورايح فين» المصاب جلل بفقد رجل من اغلي الرجال.. واشجع الرجال، واخلص الرجال.. النعش يخترق الشوارع تحمله كل القلوب يريدونه هكذا ويرفضون ان يغادرهم او يختفي عن اعينهم نادي بالقومية العربية.. ومات شهيدا من أجلها وهو يقوم بمهمة مقدسة خالدة اعطي لها اغلي انفاسه وضحي بحياته حتي لا تسيل الدماء العربية ويتقاتل الاخوة. قرابة نصف قرن مرت علي رحيل عبدالناصر.. غاب فيها ولم يغب مات ومازال حيا ويقف الشريط في وضع ثابت ويبدو المنظر كأوضح ما يكون.. عبدالناصر لايزال هنا. أطل علينا وغاب.. ولم تغب طلته، تزورنا روحه لتطمئن علينا وتعود في انتظار اللقاء. وفي 28 سبتمبر الحزين ومع حياة ناصر الممتلئة بعشرات المواقف السياسية الكبيرة، والتفاصيل الانسانية التي انزوت بعيدا عن الاضواء التي احاطت بالمواقف والقرارات والاحداث التي شهدتها فترة حكمه اشارت إليها السيدة الفاضلة زوجته في مذكراتها عن دار الشروق بعنوان «ذكريات معه» بأسلوبها الخاص من خلال ستة وعشرين عاما قضتها زوجة للقائد الذي غير شكل العالم.. تتحدث عن قصة مصحف عبدالناصر، كان عبدالناصر سيلقي خطابا بميدان المنشية بالاسكندرية وكان دائما يحمل مصحفا صغيرا في غلاف من المعدن الابيض وبحث عنه فلم يجده وكان علي عجل لانه سيسافر بالقطار مع أذان المغرب وبحثت عن المصحف بسرعة ولم اجده فأحضرت آخر بغلاف كرتون ووضعه ناصر في جيبه وبعد خروجه وجدت المصحف فأسرعت خلفه واعطيته له فوضعه ايضا في جيبه.. وكان حادث المنشية ونجاته من الرصاصات الثماني التي اطلقت عليه وظل جمال يخرج بالمصحفين حتي 28 سبتمبر 1970 وكان عند عودته يضعهما في مكان محدد بغرفته. وبمناسبة حادث المنشية ولأن التاريخ شاهد حي لا يموت علي الأحداث الجلل فقد تعرض عبدالناصر لمؤامرات ضخمة ضخامة ما انجزته ثورته استهدفت مسارها بقدر ما ازعجت أعدادها والغريب ان تلك المؤامرات علي ضخامتها صمت عن ذكرها كثير من المؤرخين الذين عاصروه لاسباب مازالت مجهولة لنا لكنها معلومة لهم.. وتتمثل تلك المؤامرة في نسف طائرة عبدالناصر في الجو بعد عودته من دمشق اوائل عام 1958 بعد الاحتفال بالوحدة مع سوريا.. وكان المكلف بتنفيذها هو عبدالحميد السراج رئيس المكتب الثاني «المخابرات» في دمشق مقابل مائة مليون استرليني يتسلم عشرين مليونا مقدما والباقي بعد نجاح الخطة وافشال وحدة البلدين.. لكن تلك الثروة الهائلة والملايين الكثيرة لم تغير من حب السراج لعبدالناصر وهو مثل حب الملايين لا لغرض ولا لهوي ولا لمنصب لكنه حب إلهي زرعه المولي في قلوب هؤلاء المخلصين لاوطانهم والذين تيقنوا بعد تجارب عديدة ان هذا الزعيم هو مخلصهم ومحقق آمالهم في وطن حر متحد ينعم بالخير والرخاء.. ونتحدث عن تفصيلات هذه المؤامرة التي اشتركت فيها شخصيات بارزة ورجال ونساء مؤثرون.. في مقالة قادمة لو كان في العمر بقية.