شعرت بالحزن الشديد وأنا اتابع سباق الفضائيات حول الشاب المصري الذي احتجز بالسعودية خلال رحلته مع زوجته لأداء العمرة والذي نتضامن معه قلباً وقالباً. كان مبعث حزني هو الاسلوب والطريقة التي تم التعامل بها مع الحادث، والذي انصب للأسف الشديد علي الهجوم غير المبرر علي السعودية، والذي يأخذ منحني تصاعدياً، منذ ثورة يناير ويقوده حفنة قليلة تسعي لضرب علاقة البلدين، وهي علي علاقة ببعض الأطراف العربية والأجنبية. جاءت المظاهرة التي قام بها قلة من الغوغائية أمام سفارة السعودية - بطريقة مرتبة سابقاً - لتؤكد ان هناك بالفعل مشكلة لا تتعلق بالشاب المصري او احتجازه، ولكنها تعود الي صميم العلاقة التي تجمع البلدين والتي كانت لسنوات طويلة ماضية مثالا يحتذي به في العالم العربي كله، ولا أشك لحظة واحدة أنها تتعرض اليوم لمؤامرة هدفها الوقيعة بين البلدين. مازلت أذكر بكل الخير والعرفان مقولة المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود.. انه اذا طاحت (سقطت) مصر فقد سقط كل العرب، وهي المقولة التي تعكس مكانة مصر لدي المملكة وقادتها. مقولة تؤكد مكانة مصر، والتي ظلت دائما في صدارة علاقات السعودية مع كل الاشقاء العرب، مرورا بمواقف كثيرة أكدت عمق هذه العلاقة وقوتها ورسوخها. وكلنا نذكر الموقف الذي اتخذه المغفور له الملك فيصل من قطع امدادات البترول عن الغرب خلال حرب 37. والمواقف الداعمة لمصر التي اتخذها كل ملوك الأسرة الحاكمة. مواقف كثيرة مثلت فيها مصر والسعودية جناحي الامة العربية. وتنتابني اليوم مشاعر الخوف من محاولات تقطيع هذه العلاقة وضربها في مقتل.. ومن خلال حوادث فردية كان يمكن التعامل معها بمزيد من التروي والحكمة. نعم لا أحد في مصر كلها يوافق علي امتهان كرامة أي مصري، سواء في الداخل أو الخارج، والتي تمثل جزءا من صميم المبادئ التي طالبت بها ثورة يناير.. وكانت علي مدار التاريخ جزءا من صميم وصلب الوطنية المصرية حتي وإن لم تتحقق. نعم من حقنا ان نثور ونغضب.. ولكن ان تتحول ثورتنا وغضبنا إلي محاولة النيل من علاقة البلدين الشقيقين فإنه أمر يوجب علينا جميعا اليقظة وإعادة الحساب وعدم الافتئات علي الحقيقة. لقد تعاملت السعودية وسفيرها احمد القطان بمنتهي الحكمة والاخلاق مع حالة الانفلات التي قادها حفنة قليلة من شباب أعماهم الغضب والانفعال.. والذين حاولوا الهجوم علي السفارة ورفع شعارات تحمل من البذاءة والوقاحة ما يجعلها غريبة عنا كمصريين كانت أخلاقنا دوما هي جواز مرورنا واقامتنا في العديد من دول العالم. حاول السفير القطان والذي تجمعه بمصر وشعبها علاقة حميمية احتواء الموقف وبأسلوب دبلوماسي وأخلاقي رفيع.. ولكن للأسف الشديد بدا واضحا ان هناك أيادي خفية تحاول العبث في علاقة البلدين والشعبين.. من خلال تأجيج مشاعر الغضب وبث رسائل كاذبة وغير حقيقية تثير شحنات جديدة من الانفلات الذي نرفضه وندينه بكل شدة. لم تكن تلك هي المرة الأولي التي تحاول فيها الايادي الخفية العبث في علاقة الشعبين والبلدين.. ومازلنا نذكر قصة القروض والمبالغ التي اعتمدتها السعودية لدعم مصر.. وكيف انساق بعض المسئولين المصريين إلي التشكيك في حقيقتها.. وحتي خرج علينا السفير السعودي بكل ما يمتلكه من دماثة الخلق والادب الجم.. وبحجج تدحض تماما ما حاولت أجهزة الاعلام الترويج له من غياب لموقف السعودية الداعم لمصر، وهو اتهام ينافي الحقيقة جملة وتفصيلاً. للأسف الشديد.. يحدث ذلك كله وسط غياب كامل وسبات يؤكد النوم العميق لوزارة الخارجية المصرية.. والتي لم نسمع لها صوتا إلا في اللحظات الاخيرة.. ومحاولة احتواء الموقف بعد فوات الأوان. وهنا أنا لا أتحدث عن حقيقة الاتهامات التي وجهت للمحامي المصري لأن هناك قنوات رسمية وقانونية يمكن اخذ حقه من خلالها.. ولكنني اتحدث عن اطار واسع لعلاقة خاصة تربطنا بالسعودية.. ويجب علينا جميعا ان نذود عنها لأن المساس بها هو جزء من مؤامرة كبري تحاك لمصر.. وللأسف احيانا كثيرة بأيدي ابنائها، مؤامرةتهدف لعزلة مصر، وحتي تصبح لقمة سائغة لأعدائها. كرامة المصري داخل وطنه وخارجه يجب ان تصان بالقيم والاخلاق.. وليس بشعارات جوفاء أو محاولة البعض من السياسيين الجدد استخدامها في اشعال الموقف وإثارة المشاعر. الشعارات والكلمات البذيئة التي رأيتها أمام سفارة السعودية لم تكن ابدا صناعة مصرية.. وهي جرس انذار لإيقاظ المسئولين بوزارة الخارجية للتحرك.. وحتي لا نترك المشكلة سجالا رخيصا تتسابق فيه فضائيات هدم مصر. أنصاف الحلول: اعتقد واثقا ان الايام القادمة سوف تحمل مفاجآت كثيرة تتعلق بالانتخابات الرئاسية.. وبالموقف الداخلي والخارجي بصفة عامة. لقد أعلن المجلس العسكري مرارا وتكرارا انه سوف يسلم السلطة كاملة نهاية يونيو.. ولرئيس يتم انتخابه بطريقة حرة وهي التزامات لانشك لحظة واحدة في مدي جديته وصدقه فيها. لكن هذه الالتزامات تتطلب منا جميعا ان نكون اهلا لهذه المسئولية.. وألا يمارس البعض هوايتهم في وضع العراقيل أمامها. نعم الكرة الآن في ملعبنا ويجب ألا نلقي بأي حال من الأحوال العبء كله علي المجلس العسكري.. وكفاه مالاقاه منا من اهانات وتشكيك.. وحتي يتفرغ لدوره في حماية أمن مصر. أمن مصر الذي تساورني المخاوف في أننا جميعا نلهو بعيدا عنه وعن الاخطار التي تهدده. ولك الله يا مصر!!