كانت امه تروي له القصص العالمية والأمثال الشعبية وهو طفل صغير بأسلوب سهل وبسيط ، فصار يكتب أروع القصائد العامية والرباعيات الخالدة ، وغرست فيه حب القراءة فأصبح يكتب المقال ويتقن فنون الرسم ويعشق الفن بكل اشكاله ، وكانت مكتبة جده أحمد حلمي السياسي المعروف تضم مجموعة كبيرة من الكتب في شتي مجالات المعرفة فصار القارئ الصغير عاشقا للمعرفة والاطلاع ، وكانت أول قصيدة حقيقية كتبها في حياته وهو في السادسة عشرة من عمره يرثي فيها الشهداء الذين سقطوا في مظاهرات الطلبة بالمنصورة عام 1946 عندما قال فيها: كفكفت دمعي ولم يبق سوي الجَلدَ..ليت المراثي تعيد المجد للبلد..صبراً ... فإنا أسود عند غضبنا..من ذا يطيق بقاءً في فم الأسد.. فعرفناه وطنيا بالفطرة ..ثم انطلقت موهبته الفذة في الكتابة والرسم فأصابنا بالحيرة أيهما أروع ؟.. وكان الأروع دائما هي عبقريته رغم الرحيل منذ ستة وعشرين عاما . اغتوي بالمحال فأورثنا جنون المحال ، وعندما حب من غير حنان وصاحب صحبة مالهاش امان مثل ما قال في رائعته : حبيت .. لكن حب من غير حنان ..وصاحبت لكن صحبة مالهاش أمان ..رحت لحكيم وأكتر لقيت بلوتي ..إن اللي جوه القلب مش ع اللسان .أوقعنا في وجع الحب وتألمنا معه لخيانة الأصدقاء بكلمات بسيطة نافذة للقلب بدون تفسير او توضيح وعندما كتب يقول : ليه يا حبيبتي ما بينا دايماً سفر؟ ده البعد ذنب كبير لا يغتفر..ليه يا حبيبتي ما بينا دايماً بحور؟ أعدي بحر ألاقي غيره اتحفر..وقفنا معه علي شواطئ الحب نتأمل فراق الحبيب ونؤمن بحكمة القدر حين نريد شيئا ويريد القدر شيئا آخر ، وعندما قال :علي اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء .. أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء /بحبها وهية مالكة الارض شرق وغرب.. وبحبها وهية مرمية جريحة حرب/ بحبها بعنف وبروة وعلي استحياء/واكرهها والعن أبوها بعشق زي الداء.فأشعل في قلوبنا كل الثورات ، عاشت كلمات شاعرنا الجميل صلاح جاهين وصارت لنا ملجأ في ايام الحنين والفراق والوجد والشعور بالحب وفي ذكري رحيله لا يبقي لنا غير الذكري وأوجاع الافتقاد .