لماذا تواجه الديمقراطية كل هذه الصعوبات في العالم العربي بعد الثورات التي أذهلت العالم خاصة في مصر؟ هذا السؤال الصعب، يحاول البروفيسور اريك شاني الإجابة عليه من خلال دراسة، بدأها بمناقشة مسؤولية الاسلام والثقافة الاسلامية عن هذه الاشكالية. ويقول الاستاذ الجامعي الأمريكي إن دولا إسلامية أخري مثل تركيا وإندونيسيا وألبانيا وماليزيا وحتي بنجلاديش تعيش مناخا ديمقراطيا حقيقيا، وبالتالي فإن الاسلام، وهو الديانة السائدة في جميع الدول العربية، ليس مسؤولا عن الصعوبات التي تواجهها الديمقراطية في العالم العربي. فهل السبب يكمن في الثروات النفطية؟ بالقطع لا، لأن دول النفط تتساوي مع البلدان العربية غير النفطية مثل سوريا في افتقادها للديمقراطية. إذن، ربما يكمن حل اللغز في الثقافة العربية ولكن حتي هذه الفرضية يثبت فشلها في ضوء حقيقة أن بلدانا أخري في المنطقة، مثل إيران وتشاد وأذربيجان وطاجيكستان وأوزباكستان هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية رغم أنها ليست عربية. في النهاية، يلجأ البروفيسور شاني إلي التاريخ والاقتصاد لفهم أسباب محنة الديمقراطية في المنطقة العربية. فقد لاحظ أن هذه المحنة تتركز في أراض قامت الجيوش العربية بفتحها، أو غزوها علي حد تعبيره، وهي نفس الدول التي لم تصل اقتصادياتها حتي الآن إلي مرحلة النضج الأمر الذي لا يعتبره البروفيسور شاني ببساطة مجرد مصادفة. فقد كان الحكم العربي منذ البداية يميل إلي التعبير عن مركزية السلطة السياسية وضعف المجتمع المدني واستقلالية طبقة التجار وقيام الدولة بدور كبير في الاقتصاد. استند البروفيسور شاني إلي إحصائيات مهمة لتأكيد نظريته منها أن متوسط نصيب الحكومات في إجمالي الناتج المحلي في بلدان الفتح العربي يزيد بنسبة 7 في المائة عن الدول التي لم يفتحها العرب. كما لاحظ أن بلدان الفئة الاولي التي فتحها العرب لديها معدلات أقل من نقابات العمال وتعاني من انكماش دور المجتمع المدني. وبالاضافة إلي ذلك، تميل النظم الديكتاتورية في الشرق الاوسط إلي التحالف مع التيارات الدينية لضرب القوي السياسية الاخري في المجتمع وهو ما يؤدي إلي دعم الاحزاب الدينية وعدم وجود منافس أيديولوجي حقيقي لها. فإندونيسيا لديها أحزاب دينية مثل مصر ولكن هناك تيارات مدنية إندونيسية قوية وقادرة علي إحداث توازن مع القوي الدينية علي عكس الوضع في مصر. وحتي عندما يحاول بلد مثل مصر الخروج من دائرة المركزية إلي الاقتصاد الحر فإن هذا التحول يصب، في النهاية، في صالح حفنة من الاقارب والمحاسيب والاصدقاء! لذلك فإن التحدي الرئيسي الذي يواجهه العالم العربي الان، كما يقول فريد زكريا بمجلة تايم الامريكية يكمن في ضرورة خلق مجتمع مدني حيوي وهو ما يعني أحزابا سياسية قوية وأيضا قطاع خاص قادر علي أن يعتمد علي نفسه وليس علي علاقاته بدوائر السلطة. وإذا كان التاريخ الممتد لأكثر من ألف عام، وما نتج عنه من أعراف وعادات، هو أعدي أعداء الديمقراطية في العالم العربي كما يقول البروفيسور شاني، فإن العلاج هو ضرورة تغيير البني السياسية والمؤسسات الاقتصادية لإزالة جميع العقبات التي تعرقل الديمقراطية في بلادنا.. قد يكون هذا العلاج بعيد المدي، ولكنها بكل تأكيد روشتة للأمل بدلا من هذا الاحباط الذي نعيشه ونعاني منه.