تشرفت مساء الاثنين الماضي الموافق 10 أغسطس بلقاء حافل، وأمسية مهمة، تحت قبة جامعة القاهرة، مع سبعمائة شاب من شباب المحافظات الحدودية في مصر، من أبناء قبائل محافظة مرسي مطروح، ومحافظة الوادي الجديد، ومحافظة البحر الأحمر، ومحافظة شمال سيناء، ومحافظة جنوبسيناء، ومحافظة أسوان، فإذا بي أري شبابا مصريا طامحا، مفعما بالطاقة والأمل والقوة والحياة، كانوا نحو ستمائة شاب، ونحو مائة فتاة، من فتيات مصر الكريمات، كنت أتأملهم، فأري فيهم شبابا مصريا أصيلا، صاعدا ونابضا، طامحا إلي حياة كريمة، له هموم وآمال وأحزان وأفراح وطموحات، عنده عزيمة وتصميم وهمة، يحب الوطن، ويهتف باسمه، ويتحمل لأجله، وينزل من أطرافه إلي قلبه ووجدانه، ليري كيف يصغي إليه ويهتم به وطنه المصري العريق الكبير، وفي مفهومي أنه ليس في مصر أطراف، بل كل أطرافها وأراضيها نواحيها قلوب، تسري الحياة فيها فتضم بين دفتيها كل ابن كريم أصيل من أبناء هذا الوطن، رأيت أمامي شبابا جاء من حلايب، وشلاتين، والنوبة، والشيخ زويد، وسائر نواحي سيناء، وسائر أبناء القبائل والعواقل المصرية العريقة والأصيلة، من تلك المحافظات الكريمة، تكلمنا عن الوطن، وقيمة الإنسان المصري العبقري، وانتمائه لوطنه العظيم، وسمات شخصية هذا الإنسان المصري، وأنه تتجدد عنده الحياة، ويتجدد عنده الأمل، ولا تنال منه الأحداث والنوازل، وتكلمنا عن هموم الوطن، ومعاناة بعض أبنائه من الفقر، أو الأمية، أو المرض، أو افتقاد الحياة الكريمة، وتكلمنا عن التطرف الديني وخطورة أطروحاته من الإخوان إلي داعش، ومحاولات تلك التيارات اختطاف العقول وتدمير الوفاء للوطن والانتماء إليه، تكلمنا عن التحدي الأكبر أمام الإنسان المصري، وهو كيفية تحمل الأمانة، وتسليم هذا الوطن إلي الأجيال التالية بعدنا، كاملا غير منقوص، كما تسلمناه كاملا من الأجيال التي قبلنا، وأنه ينبغي ألا نكون شر الأجيال، وينبغي ألا تضيع عندنا الأمانة، بعد أن ظلت محفوظة عبر تلك القرون والأجيال، تكلمنا عن أن التحدي الكبير أمام الإنسان المصري هو تشغيل هذا الوطن، وتدوير ثرواته، وتوليد الأمل فيه من جديد، واختراق كل صور الترهل أو الإحباط أو الفساد، وتشغيل كل ميناء علي أرضه، وزراعة كل فدان أرض فيه، وتقويم أي اعوجاج يقع هنا أو هناك، تحدثت معهم عن أن هذا الوطن العظيم: مصر، لابد أن يصغي إلي كل لحظة ألم، أو أنين مريض، أو معاناة إنسان، تحدث لأي شخص علي أرضه الطاهرة، وأننا نحن من سيحمل الأمانة، ونحن من سيقاوم الفساد، ونحن من سيخفف المعاناة ونرفعها عن كل إنسان علي أرض مصر، رجل أو امرأة أو طفل، يتفق معنا في الرؤية والفكر أو يختلف، نحبه أو لا نحبه، لأن الإنسان لذاته كريم، له عند الله تعالي منزلة، وأبواب رحمة الله تعالي به واسعة، وقد أخبرنا اله تعالي أنه جعل نبيه صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، ولم يجعل هديه الشريف مقصورا ولا مخصوصا بالمسلمين، ولا أهل الكتاب، ولا البشر فقط، ولا الكائنات الحية فقط، بل هديه رحمة للعالمين، وللوجود كله، وأن هذه هي القيمة الكبري في هذا الدين، وهي الشعار الأكبر لهذا الدين، وهي المعيار الأكبر الذي يتم في نطاقه وعلي ضوئه تنفيذ كل أحكام هذا الدين، في عقائده، وأحكامه وتشريعاته وفقهه، وفي آدابه وأخلاقه وقيمه، وفي فكره وثقافته، وفيما يجب أن يصنعه من حضارة وتمدن، نتوصل به إلي حفظ الأوطان، وإكرام الإنسان، ونشر العمران، ونهوض المؤسسات، مع كثرة ذكر الله وتسبيحه وشكره، واستنارة العقل والباطن بنور الإيمان والنبل والسمو، جلست إليهم، وسمعت منهم، وأصغيت إليهم، وتحدثت معهم، وفكرنا معا، وهتفنا معا، والتقطنا الصور معا، وتصافحنا، ثم افترقنا، ومضيت منصرفا ووجداني مشغول بهم، متفكر فيهم، مهموم بشأنهم، وبمن وراءهم من أسر وعائلات وآباء وأمهات وأرحام وأشقاء، وصرت أقول في خاطري: روحي فداء لك أيها الإنسان المصري علي امتداد بقاع مصر الطاهرة، عبر سهولها، ووديانها، وجبالها، وصحاريها، ونجوعها، وأطرافها، ومدنها، وقراها، ونجوعها، وكفورها، حتي نصل إلي كل تجمع بشري ناءٍ بعيد في أعماق الصحاري، أو في أعلي الجبال، علي اختلاف التوجهات والأديان والأفكار والقناعات، كم أرجو من الله تعالي أن يلقي في قلبك الهمة، والنهوض، والنشاط، والأمل، والحياة، والقوة، وأن تنفض عن خاطرك الهم، واليأس، والضيق، والحزن، والإحباط، كم أرجو لك أيها الإنسان، ولكل إنسان علي ظهر الأرض أن ينعم الله عليك بالحياة، والصحة، والعلم، والإكرام، والسعة، والراحة، والانطلاق، والعمران، كم أرجو لمصر أن تستقبل عهدا جديدا، وفصلا جديدا من فصول تاريخها الممتد، تجتاز فيه أزماتها، وتقف علي قدميها، وتنهض من عثراتها، وتولد فيها الحضارة من جديد، كم أتمني وأرجو وأسعي وأعمل وأدعو أن يحفظك الله من ثلة وفئة انعكست وانتكست الفطرة عندهم، فصاروا يتصورون أن غاية حياتهم هي الثأر منك، وإسقاطك، وتكفيرك، وتدميرك، بنفوس صارت مرتعا للضيق والحقد والكراهية، وأغلقت علي أنفسها منافذ النور والفهم، وسوف يتجدد اللقاء بإذن الله ببقية شباب محافظات مصر، من أقصاها إلي أقصاها، ليتجدد الأمل، وليتعمق الوفاء والانتماء والمروءة، ولينصرف كل إنسان مصري كريم وهو مجبور الخاطر، قد انبعث الأمل عنده من جديد، وأوقدت في آفاقه منافذ النور، ورجع إلي مكانه وبيته وقد انزاح عن خاطره هم ثقيل، واشتعلت عنده العزيمة علي تشغيل هذا الوطن، واختراق كل مواضع الممانعة التي تعوقه وتكبله، وتريد له التخلف. اللهم احفظ مصر، وشعب مصر، وجيش مصر، وشباب مصر، ورجالها، ونساءها، وأطفالها، وأنزل عليها السكينة، وابسط فيها الرزق الكثير، وسلام علي الصادقين.