أحد الناجين من كارثة هيروشيما يروى ما عاشه من مأسى في السادس من اغسطس عام 1945 القت طائرة امريكية القنبلة الذرية الأولي التي عرفها العالم باسم «الولد الصغير» علي هيروشيما والتي قتلت واحرقت 140 الف شخص حيث بلغت حرارة الانفجار 4000 درجة مئوية وهي كافية لصهر الحديد. ووقف الرئيس الامريكي هاري ترومان بكل برود في 7 اغسطس يخبر العالم « أنه منذ 16 ساعة القت طائرة امريكية قنبلة علي هيروشيما مضيفا « انها قنبلة نووية».وبعد الحادث بيومين وفي 9 اغسطس قررت أمريكا ان تكرر المأساة فألقت قنبلتها النووية الثانية علي نجازاكي وكانت تحمل اسم « الرجل السمين « وقتلت 70 ألف شخص. هذه الجريمة الانسانية الأكبر في تاريخ البشرية التي ارتكبتها امريكا في ثلاثة ايام فقط دون ان تعتذر او يحاكم أي من طياريها حتي اليوم اصبحت ذكري تحتفي بها اليابان اليوم وهي تؤكد علي عمق علاقاتها الاستراتيجية والعسكرية مع القاتلة أمريكا حيث تجمع عشرات الآلالف من اليابانيين في هيروشيما لاحياء الذكري السبعين لالقاء أمريكا اول قنبلة ذرية في العالم بمشاركة 100 دولة. وقد مضت اليابان بوصفها الضحية في الانضمام لجميع الفعاليات الدولية للحديث عن الدمار الذي تسببه الاسلحة النووية وأعلنت مؤخرا انها ستتقدم هذا العام بطلب جديد للجمعية العامة للامم المتحدة لحظر الأسلحة النووية. في الوقت نفسه تسير اليابان بقوة في اتجاه امتلاك سلاحها النووي حيث تسعي الحكومة لاعادة فتح مفاعلاتها النووية المغلقة بعد ان اعادت اليابان العمل في مفاعل نووي بالجنوب كان مغلقا منذ كارثة تسونامي عام 2011. وذلك رغم المعارضة الشعبية. كما يواجه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي انتقادات واسعة بعد تغيير سياساته فيما يخص مهام قوات الدفاع الخاصة حيث اقر البرلمان قانونا جديدا يتيح لها الاشتباك خارج الحدود وهو ما يحدث لاول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد اعترف وزير الدفاع ان القوانين الامنية الجديدة التي ناقشها البرلمان يمكن نظريا ان تجعل اليابان تبيع من اسلحتها النووية لحلفائها ولكن سرعان ما تراجع عن هذا التصريح. ورغم ما قاسته اليابان جراء السلاح النووي الا انها طورت من برنامجها النووي لاغراض سلمية كما هو معلن ويخشي البعض ان تتحول اليابان من دولة عضوة في جميع المحافل الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية إلي دولة تتاجر في هذا السلاح مما يهدد امن منطقة شرق آسيا. وتسعي اليابان لامتلاك الاسلحة النووية منذ الستينيات بعد اعلان الصين انها تجري اختبارات نووية. ووعدت امريكا بناء علي اتفاقيتي الحماية الموقعتين مع اليابان عامي 1952 و1960 ان تحميها في حالة وجود مخاطر دولية بل اعلنت انها ستسمح لها باستخدام ترسانتها النووية اذا استدعي الامر. وفي عام 2006 اكدت اليابان علي عدم امتلاكها لاسلحة نووية بعد ان اجرت كوريا الشمالية تجربتها الأولي ولكن بعد ان اعلنت الاخيرة عن تجربة صواريخ باليستية متوسطة المدي وتطوير الصين لقدراتها العسكرية والنووية واستعراض القوة الذي اجرته اثناء مشكلة جزر سينكاكو دعا حاكم طوكيو ان تمتلك بلاده سلاحا نوويا. وتحقيقا للعبة توازن القوي التي تضمن لأمريكا الهيمنة والزعامة العالمية تبقي أمريكا علاقاتها القوية مع اليابان كي تحد من النفوذ الصيني في المنطقة وبناء عليه فهي تضمن لليابان امكانية استخدام السلاح النووي اذا ما دعت الضرورة لذلك. من ناحية أخري وفي الوقت الذي تحيي فيه اليابان الذكري كل عام اشار استاذ تاريخ في جامعة هيروشيما انه وفقا لاحدث دراسة اجريت عن الحدث لم يتمكن 30% من سكان هيروشيما من تحديد يوم سقوط القنبلة الذرية مقابل 70% لا يعرفون اليوم في جميع انحاء اليابان. مما يعني ان الحدث المأساوي والدموي يتراجع بمرور الوقت في ذاكرة اليابانيين وهنا تطرح النيويورك تايمز الأمريكية سؤالا يقول لماذا لا يمكن لهذا الحدث ان يتكرر؟ شهادات الناجين يوجد في اليابان 200 ألف من الناجين من كارثتي هيروشيما ونجازاكي علي قيد الحياة. وهم من يقودون منذ سنوات الحملات الشعبية لوقف التسليح النووي في العالم وفي اليابان خصوصا باعتباره البلد الوحيد في العالم الذي ذاق مرارة الدمار النووي ولازال يعاني من آثارها حتي اليوم. حيث ظل سكان هيروشيما يعانون من الإصابة بأنواع مختلفة من أمراض السرطان وأصيبت اجيال متتابعة بمرض تشوه الاجنة والولادات المبكرة نتيجة التلوث الاشعاعي للقنبلة. بينما لازالت مستشفيات الهلال الاحمر تعالج الناجين من القنبلتين حتي اليوم. ولم يقتصر التأثير علي اصابة الناجين بالامراض العضوية الصعبة والمميتة بل امتد ليشمل الامراض النفسية المستعصية. فجميعهم فقدوا كل عائلاتهم او بعض افرادها وكانت لديهم مخاوف من الاصابة بتلوث اشعاعي يؤثر علي اطفالهم اذا تزوجوا وانجبوا والعديد منهم الذين كانوا اطفالا في ذلك الوقت كبروا بدون عائلة. ويعيش الآن نحو 600 من الناجين من هيروشيما في 4 نزل انشئت خصيصا لهم حيث يتلقون الرعاية الصحية والنفسية. من بين الناجين اياكو اشيل ( 78 عاما ) كانت في التاسعة من عمرها عندما سقطت القنبلة علي بعد 2 كم من منزلها وتقول انه من شدتها طارت لمسافة ثلاثة منازل وعندما اصبحت في ال 19 لم تتزوج من حبيبها بعد ان عرفت عائلته انها من هيروشيما وادركت في الثلاثينيات انها لن تتمكن من الزواج والانجاب مثل بقية الفتيات. واميكو اوكادا (78 عاما ) التي كانت في الثامنة من عمرها تصف اليوم بانه كان حارا بلا سحاب وانها سمعت صوت طائرة تلاه اضاءة شديدة ثم اصواتا تنادي طلبا للمياه والاطفال تحولوا لاشباح وجلودهم تتساقط ..اناس يصرخون واحشاؤهم بين ايديهم. بعد ان كتبت لها النجاة عملت اوكادا مدرسة واخذت علي عاتقها مهمة تعليم اجيال تلو الاخري حقيقة ما حدث في الحرب العالمية الثانية وخطر الاسلحة النووية. أما سوميتيرو تانيجوتشي فكان ساعي بريد شاب في 16 من العمر كانت مهمته ان يوصل البريد في نجازاكي مستقلا دراجته. سقطت القنبلة علي نجازاكي فوجد نفسه ملقي علي بعد مسافة 15 ميلا واحترق ظهره ويده اليمني. استيقظ في الصباح التالي ليجد نفسه ملقي في الشارع بجانب الآلاف من الجثث المشوهة وبعد ثلاثة ايام اكتشف المنقذون انه مازال علي قيد الحياة. اليوم يبلغ سوميتيرو 86 من العمر ويعاني من الاصابة بأورام في الظهر. وسافر إلي نيويورك ليحكي قصته في مؤتمر حظر انتشار الأسلحة النووية. وثيقة السلام هذه الدعوات التي يتبناها معظم من عاشوا هذه التجربة المريرة تبناها ايضا عمدة هيروشيما ماتسوي كازومي اثناء احياء الذكري السبعين لتلك الكارثة وطالب الدول العظمي بان تمنع وقوع أي كارثة نووية جديدة في المستقبل. وقدم ماتسوي ما اسماه « وثيقة اعلان السلام» التي تدعو زعماء العالم بمن فيهم اليابان بالتوقف عن اتخاذ افعال تؤدي لغياب الثقة بينهم والتي يمكن ان تؤدي في النهاية لحرب نووية. ودعا ماتسوي الشعوب ان تصر علي السلام في النهاية ووقف برامج التسليح النووي حول العالم. وان هيروشيما ترسل رسالة للعالم انها لا تريد لأحد ان يمر بالمعاناة التي عاشتها من قبل. وذكر عمدة هيروشيما انه ارسل دعوة للرئيس الامريكي للحضور هذا العام ولكنه اعتذر في حين حضرت السفيرة الامريكية كاثرين كينيدي. كان البيت الابيض قد اعلن ان اوباما سوف يزور هيروشيما قبل نهاية فترة رئاسته وسيعتذر للشعب الياباني. وانه كان ينوي ان يقدم هذا الاعتذار التاريخي عندما زار اليابان عام 2009 ولكن لم يحدث.