مراقبتك لها وهي تصبّن الشيش ستجعلك تدرك أننا لا نشم هواء نقياً، وأن كلمتنا الشهيرة «نكح تراب» ليست علي سبيل المبالغة هذا هو وقت فرض الطوارئ في البيوت المصرية. تقرر الست المصرية فجأة (سواء كانت أماً أو زوجة) أن تقلب الشقة عاليها واطيها (عشان العيد). هذا هو الوقت الذي تقرر فيه الست المصرية غسل السجاجيد بضمير لو توافر في موظفي مصر لأصبحنا ضمن أفضل دول العالم في الإنجاز، ويا ويلك لو طلبت منها أن تذهب بالسجاجيد عند «الدراي كلين»؛ لأنها ستعتبرك مبذراً (دول بيحاسبوا بالمتر)، كما أن مستوي غسيل سيادته للسجاجيد لن يرضيها حتي لو اشتري لها سجادة جديدة. في هذه اللحظات ستبدأ حتماً في القلق من زوجتك أو أمك -علي حسب صلة القرابة- التي ستحمل السجادة لنشرها في الشمس، وحين ستطلب منك مساعدتها لن تستطيع حمل السجادة المبلولة وحدك، بينما هي ستبتسم ساخرة وتلعب دور الشحات مبروك حاملة السجادة علي كتف واحدة!! فك الستائر، ومعاونتك المفروضة عليك لاعتبارات تتعلق بالاستقرار والسلام الأسري، سيعلمك التفرقة بين أنواع حلقات الستائر، ويدربك علي الصبر وتقوية عضلات الأصابع ويعلمك أن "اللي ما رباهوش أبوه وأمه تربيه الحكومة".. التي هي زوجته. مراقبتك لها وهي تصبّن الشيش ستجعلك تدرك أننا لا نشم هواء نقياً، وأن كلمتنا الشهيرة «نكح تراب» ليست علي سبيل المبالغة، وستتحول حينها إلي الرجل الذي يجب أن يخلع ضلف الشيش بمهارة وكأنك وُلدت نجاراً أو حرامي غسيل، ووقت فشلك لا تتعجب حين تسمع المقولة الشهيرة التي صكتها النساء من غزال في فيلم حماتي ملاك: «يوووووووووه.. ده انت نيلة أوي». لا بد من خسائر في المنزل آنذاك، كأن تقع بفعل الأرض الزلقة المليئة دائماً برغاوي مسحوق الغسيل وشامبوهات السجاجيد، وتظل تتألم بينما هي تضرب كفاً بكف علي الرجالة (الخيخة) الذين لا يستطيعون الحفاظ علي توازنهم علي الأرض بفعل الصابون، وكأنها مهارة ينبغي تعلمها قبل الزواج، وحين ستتألم ستكون هذه إشارة بأن تبدأ في سماع أسطوانة تتكرر بنفس الحذافير.. بنفس الجمل.. بنفس التشبيهات.. بنفس الأداء المسرحي.. بنفس «النيرف» عن الستات اللواتي يتحملن البيت والعيال وطلبات الزوج وعملهن إذا كنّ يعملن دون أن يشتكين لأحد (حمالين أسية والله). ستتعامل معك علي اعتبار أنك تلقيت دورات في السباكة والنجارة والكهرباء ولذلك لا تندهش إذا طلبت منك «تسليك» الحوض، أو تنظيف «البيبة»؛ لأنها ستبدأ في «عمايل الفطار»، وحين ستفشل في أي من هذه المهام ستواصل استماع باقي الأسطوانة، وتحديداً الجزء الذي يبدأ ب«هو أنا عمري ما أطلب حاجة للبيت منك وتعملها»، وللأسف، ستتحمل كل هذا الابتزاز العاطفي من أجل العيال وارتفاع أسعار الفلبينيات (ما أنا الفلبينية اللي انت جايبها يا باشا)!! زوجتك الجميلة، أو أمك الأجمل، ستكتشف مدي قوتها في مثل هذه الأيام تحديداً وهي تعيد خلق النظافة في الشقة التي تعيش فيها سعادتك، ولن ينتهي الأمر بهذه السهولة إذا كنت من سكان المناطق الشعبية؛ حيث ستصر الحاجة علي «عمايل» الكحك بنفسها لتكون «اللمة» الكبيرة والكل يعجن أو «يقرّص» أو «ينقش»، وماكينة البيتيفور التي تستلفها إحداهن حتماً من جارتها بعقلية «وأنا أشتريها ليه؟ دي هي مرة واحدة في السنة اللي بنستخدمها» قبل أن تتخانق مع «أم فلانة» صاحبة ماكينة البيتيفور فتشتري واحدة لها بمبدأ «كله علي شبشبي»!! في وسط كل ذلك أنت مبسوط.. تشعر بتقدير غير محدود ومحبة لا تنتهي لأمك وأختك وزوجتك وابنتك؛ ليس لأنهن يقمن بما تندهش لكونهن يقمن به، لكن لأن الحياة دونهن لا تساوي شيئاً. في وسط كل هذا أنت تحاول أن «تفصل» عن كل ما يضايقك، تحاول ألا تتابع «القرف» الذي يأتينا عبر التليفزيون والصحف، محاولاً أن تستريح قليلاً في هدنة تعرف أنها لن تطول، وفي محاولة حقيقية لنسيان العالم برؤيتك لابتسامة طفل، أو فرحة أم، أو تذكر أن مصر حلوة بجد، بس إحنا اللي وحشين مع بعض.