عادت المجمعات الاستهلاكية لتلعب دورها في خدمة المواطنين محدودي الدخل، ولتكون عاملاً في استقرار الأسواق لا يعرف المرء كيف كان للحكومة ان تواجه موجة الرفع المتعمد لأسعار السلع الاساسية لولا وجود أكثر من ألف مجمع استهلاكي تجري فيها عمليات تجديد، وتمتليء رفوفها بالسلع الجيدة والمدعمة أو مخفضة الأسعار بينما يجري الاعداد لانشاء حوالي ثلاثة آلاف مجمع استهلاكي جديد ينشر الخدمة إلي أقاصي الريف. أتذكر المعركة التي خضناها قبل سنوات عديدة حين قررت الحكومة يومها الخلاص من هذا العبء المسمي ب «المجمعات الاستهلاكية» وفي عملية نموذجية للفساد ونهب أموال الدولة تم «أهداء!!« أهم هذه المجمعات لنماذج من الفاسدين الذين استولوا - بعد ذلك - علي أموال البنوك وفروا الي الخارج ثم بدأت جهود مخلصة لإنقاذ هذه المجمعات واحياء دورها علي يد عدد من المسئولين الذين يملكون رؤية مخالفة ومنحازة لخدمة الغلابة.. بدءاً من المرحوم الدكتور الجويلي وحتي الدكتور جودة عبد الخالق.. وصولاً إلي المرحلة الحالية التي يعطي فيها وزير التموين لهذه المجمعات دوراً هاماً في تنفيذ سياسة تخفف العبء علي المواطنين وتحقيق التوازن في الاسعار. ولا يعني هذا أن كل شيء تمام.. هناك حاجة ماسة لإعادة تدريب العاملين وهناك ضرورة لتحقيق مستوي راق من النظافة مع الاعتراف بالتحسن في هذا الشأن. وهناك الحاجة للرقابة وضرب المفسدين ومنع تهريب السلع المخفضة السعر مثل اللحوم التي تجد طريقها للجزارين في القطاع الخاص. عندما طالبنا بوقف الصفقة المشبوهة لبيع المجمعات قبل سنوات، وكان الرد المعهود والمحفوظ بأننا من كهنة الستينات (وما أدراك ما الستينات!!) حيث كان البهوات محرومين من فرصة الفساد والافساد، وكانت الدولة تعلن بكل وضوح انحيازها للفقراء ومحدودي الدخل، وأن همها توفيررغيف الخبز لمن جاعوا سنوات طويلة قبل ثورة يوليو، وليس توفير طعام كلاب الأثرياء المستورد في بلد يعاني معظم سكانه من العيش تحت حدود الفقر.. أو الفقر المدقع وها نحن ننتهي الي القضية الاساسية التي لابد أن يحسمها الحكم الآن قبل الغد: هل ننحاز للعدالة الاجتماعية الحقيقية أم إلي النمو ( وليس التنمية) علي طريق حكومات رجال الأعمال في أواخر عهد مبارك؟!! وهل ننحاز للصناعة الوطنية فنوفر لها كل مستلزماتها أم نعطي الأولوية لاستيراد السلع الاستفزازية حتي ولو جاع الفقراء؟! وهل ننحاز للتنمية الحقيقية التي تقدم علي الصناعة والزراعة والتقدم العلمي.. أم ننحاز لبناء المنتجعات الفاخرة وتوفير الطعام الفاخر لكلاب السادة الذين يصرفون من ضرائب فرضت علي مضارباتهم في البورصة أو من مطالبة الدولة بحقوقها علي أرض نهبت منها، وشركات تم الاستيلاء عليها بتراب الفلوس؟! المجمعات الاستهلاكية جزء من قرار شامل مازال الناس ينتظرونه. لكن الانتظار لا يمنعهم من تقديم الشكر إذا حصلوا علي «لحوم الجمعية» بالسعر المناسب والجودة المطلوبة، حتي ولو كان الثمن ان «السيمون فيميه» ناقص في السوق!!