«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
مزارات محفوظ بين الواقع والخيال

الجزء الثاني من مشروع المزارات القاهرية يخص نجيب محفوظ وله اكثر من مستوي، مما يتعلق بشخصه وما يتصل بعالمه الروائي..»
لكي يظهر مشروع المزارات الادبية الخاص بنجيب محفوظ لابد من الإلمام بتفاصيل عالمه في الواقع وهذا قدر لي أن ألم به من خلال صحبة طويلة متعددة وتدوين منتظم بحيث انني ألم بعلاقته الحميمة بالقاهرة وهذا لم يتوافر لغيري لأنني ابن المكان أيضا، ولابد من قراءة دقيقة لعالمه الروائي والمقارنة بالواقع .
ان المنطقة التي تعلق بها نجيب محفوظ هي القاهرة القديمة، التي تعتبر اساس المدينة قبل أن تتسع وتتشعب في القرون التالية علي انشائها «969م»، ولد نجيب محفوظ في ميدان بيت القاضي، في نفس منطقة بين القصرين التي اصبحت مسرحا لاعظم اعماله الادبية الثلاثية، وعاش حتي سن الثانية عشرة، ثم انتقل إلي السكني في حي العباسية القريب، ولم تنقطع صلته بالقاهرة القديمة حتي وفاته، أعطي اسماء الشوارع والحواري لخمس من اهم رواياته، خان الخليلي، وروايته زقاق المدق، ثم الثلاثية التي تتكون من ثلاثة اجزاء: بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية، وتلك اسماء باقية حتي يومنا هذا، فيها دارت احداث هذه الروايات، فإلي أي حد استطاع تجسيد القاهرة القديمة في اعماله؟ وهل تتطابق القاهرة الحقيقية في الواقع مع القاهرة كما تبدو في الروايات؟ سأركز علي الثلاثية أكبر أعمال نجيب محفوظ واهمها، وسوف استند إلي خبرتي بالمكان، حيث انني عشت في القاهرة القديمة لمدة تتجاوز الثلاثين عاما، وعرفت نفس الشوارع والحواري التي عاشها نجيب محفوظ.
بين القصرين
.. تطالعنا القاهرة القديمة في «بين القصرين» الجزء الاول من الثلاثية، في الصفحات الاولي، ومن خلال عيني أمينة زوجة أحمد عبدالجواد، اثناء وقوفها خلف النافذة تتطلع إلي الطريق في انتظار زوجها.
.. كانت المشربية تقع أمام سبيل بين القصرين، ويلتقي تحتها شارعا النحاسين الذي ينحدر إلي الجنوب وبين القصرين الذي يصعد إلي الشمال، فبدا الطريق إلي يسارها ضيقا ملتويا متلفعا بظلمة تكثف في اعاليه حيث تطل نوافذ البيوت الدائمة وتحف في اسافله بما يلقي اليه من اضواء مصابيح عربات اليد وكلوبات المقاهي وبعض الحوانيت التي تواصل السهر حتي مطلع الفجر، والي يمينها التف الطريق بالظلام حيث يخلو من المقاهي، وحيث توجد المتاجر الكبيرة التي تغلق ابوابها مبكرا، فلا يلفت النظر به الا مآذن قلاوون وبرقوق لاحت كأطياف من المردة ساهرة تحت ضوء النجوم الزاهرة.
تلك صورة الطريق كما تبدو في أول مقطوعة وصفية للطريق، كيف يبدو المكان في الواقع؟ يمكن تحديد الموقع بسهولة من خلال وصف نجيب محفوظ، انه هذا الجزء من شارع بين القصرين «واسمه حاليا شارع المعز لدين الله نسبة إلي مؤسس القاهرة» حيث توجد مجموعة من الآثار الهامة. واذا نظرنا إلي الطريق اثناء مشينا فيه من الشمال إلي الجنوب، فسوف نجد مجموعة الآثار الاسلامية التالية، والترتيب طبقا لموقع كل منها..
مسجد برقوق.
مسجد الناصر قلاوون.
قبة المنصور قلاوون.
حمام السلطان قلاوون.
مستشفي قلاوون.
الي الناحية اليسري، وفي المواجهة تماما.. سنجد:
قصر الأمير بشتاك.
سبيل بين القصرين العثماني الطراز.
بداية الشارع المؤدي إلي ميدان بيت القاضي.
قبر الصالح نجم الدين أيوب.
شارع النحاسين.
والملاحظة الأولي التي تستوقفنا هنا أن المكان يخلو تماما من البيوت السكنية، وأقرب المباني السكنية تقع في الخرنفش إلي الشمال، وفي حارة الصالحية إلي الجنوب، لقد حدد نجيب محفوظ مكان البيت الذي ستدور فيه معظم أحداث الثلاثية، حدد مكانه في مواجهة سبيل بين القصرين، والسبيل موجود بالفعل، لكن في مواجهته يقوم مسجد برقوق الضخم، أي أن المنزل في الرواية يحتل مكان المسجد، ويقوم في مكان لا توجد به أي بيوت مسكونة، كما أنه يصف مآذن برقوق وقلاوون من خلال عيني أمينة، وحتي يمكن لها أن تري المئذنتين فلابد ان يكون موقع البيت علي الناحية الأخري، واذا صح موقع البيت علي الناحية الأخري فإن النافذة لن تواجه ابدا سبيل بين القصرين، في نفس الوقت نجد أن وصف المؤلف للطريق يطابق الواقع بالنسبة لازدحامه إلي جهة اليسار، وخلوه من الحركة في الجزء الجنوبي، ولكن يعود الوصف ليصبح بعيدا عن واقع المكان، عندما تنظرأمينة إلي سبيل بين القصرين، ثم إلي منعطف حارة الخرنفش، والي بوابة حمام السلطان، ثم إلي المآذن، ان من ينظر إلي هذه الأشياء لابد أن يكون موقعه في منتصف الطريق تماما، وليس خلف نافذة تقع في مواجهة سبيل بين القصرين.
في الفصل السابع، يقول المؤلف:
عندما بلغ السيد احمد عبدالجواد دكانه الذي يقع امام جامع برقوق بالنحاسين.
وفي الواقع نجد سبيل بين القصرين امام مسجد برقوق، وبجواره قصر الامير بشتاك ولاتوجد متاجر في هذا الجزء، بل ان الدكاكين تقع إلي الجنوب، علي مسافة حوالي ثلاثمائة متر في النحاسين، في الفصل الثاني عشر يصف نجيب محفوظ حركة ياسين عبدالجواد:
ثم اتجه صوب الصاغة، ومنها إلي الغورية، ومال إلي قهوة سي علي علي ناحية الصناديقية، وكانت شبه دكان متوسط الحجم يفتح بابها علي الصناديقية وتطل بكوة ذات قضبان علي الغورية وقد اصطفت باركانها الارائك.
في الواقع نجد ان ترتيب الشوارع التي تحرك فيها كالاتي:
«الصاغة- الغورية- الصناديقية».
أما مقهي سي علي فلايوجد علي ناحية الصناديقية أي مقهي يحمل هذا الاسم حاليا أو خلال المائة سنة الاخيرة، واذا اخذنا بالمقهي في الرواية فإن الجالس فيه لايمكن ان يري الغورية من حارة الصناديقية، اذ انها بعيدة عن الغورية ويفصلها عنها شارع الازهر الذي كان ممرا ضيقا في وقت احداث الرواية 1918، ثم اتسع منذ عام 1930.
وفي الفصل الحادي والعشرين يصف نجيب محفوظ منزل أم مريم..
.. النافذة التي تطل علي حمام السلطان مباشرة.. وفي الواقع، نجد ان حمام السلطان لا يقوم أمامه أي بيت، بل ما نجده هو قبر الصالح نجم الدين ايوب، ان حمام السلطان يواجهنا مرة أخري عندما تنظر اليه عائشة.
وهكذا وقفت ذاك الصباح فظل طرفها حائرا ما بين حمام السلطان وسبيل بين القصرين وفؤادها الفتي يواصل خفقاته حتي تراءي عن بعد «المنتظر» وهو ينعطف قادما من الخرنفش.
واذا اعتبرنا -كما في الرواية وليس كما في الواقع- المنزل في مواجهة سبيل بين القصرين، فمن الصعب للواقع فيه، الناظر من خلف النافذة أن يري حمام السلطان والسبيل معا، ان دائرة الرؤية لاتتسع لهما معا.
نلاحظ من خلال رصد حركة الشخصيات في واقع الرواية المتخيلة، ان المؤلف لا يلتزم الدقة عند وصف التفاصيل، ولا يتقيد بمعالم المكان الواقعي، علي العكس من ذلك، فإنه عندما يرسم الملامح العامة يصبح اكثر دقة في الفصل الثامن عشر، يمضي ياسين عبر شارع الجمالية، ثم يري عطفة قصر الشوق، إن الوصف عام ودقيق إلي حد ما، لأن قصر الشوق اسم يطلق علي شارع يتفرع من طريق الجمالية وهو الذي اعتبره المؤلف عطفه «أي منحني» اما عطفة قصر الشوق في المكان الواقعي، فتقع نهاية شارع قصر الشوق، وتبدأ من مدرسة عبدالرحمن كتخدا الابتدائية، وعندما تذهب أمينة لتزور مسجد سيدنا الحسين مع كمال، فإن الوصف العام للمكان يبدو صحيحا اذا قورن بالمكان الواقعي، انهما يغادران البيت إلي درب قرمز، ثم ميدان بيت القاضي يتصدره مبني قسم الجمالية ثم مدرسة خان جعفر الابتدائية، ثم طريق خان جعفر حيث يلوح جانب من مسجد الحسين، ان الوصف هنا دقيق والمكان المتخيل يطابق المكان الواقعي تماما، والمعالم التي ذكرها نجيب محفوظ موجودة حتي يومنا هذا، قسم البوليس ومدرسة خان جعفر، وميدان بيت القاضي، كذلك نجد ان الوصف العام يطابق الواقع في الفصل الاربعين عندما تنتقل الاسرة من بين القصرين إلي السكرية المجاورة لبوابة المتولي ونلاحظ أن نجيب محفوظ يستخدم الاسم الشعبي لهذه البوابة الضخمة التي لاتزال متبقية إلي يومنا هذا، وتعتبر واحدة من اربع بوابات قديمة وصلت إلي عصرنا من بوابات القاهرة القديمة التي كان عددها ثماني بوابات، وعندما يذهب احمد عبدالجواد مع اولاده لصلاة الجمعة في مسجد الحسين يسلكون نفس الطريق الذي مشت فيه أمينة وكمال من قبل، لايذكر نجيب محفوظ التفاصيل، انما يعبرون ميدان بيت القاضي ثم نراهم داخل المسجد، وفي نهاية «بين القصرين» تتحرك المظاهرة التي اشترك فيها فهمي من ميدان المحطة حيث محطة السكك الحديدية الرئيسية وتتجه إلي مدخل شارع نوبار، ثم تقترب من حديقة الازبكية، ويلوح ميدان الاوبرا، وهنا ينطلق الرصاص، ويقتل فهمي، ان القارئ الذي لم يعاصر القاهرة خلال العشرينيات يدهش، اذ كيف تتحرك المظاهرة من ميدان المحطة إلي شارع نوبار؟ وهو شارع يقع حاليا في منطقة السيدة زينب إلي الجنوب، بينما يقع ميدان الاوبرا في وسط المدينة، سيتساءل القارئ، كيف تمر المظاهرة بشارع نوبار قبل أن تعبر ميدان الاوبرا؟ ويبدو نجيب محفوظ هنا كأنه لا يعرف ترتيب الشوارع في القاهرة، ولكن الحقيقة عكس ذلك، اذ ان اسم نوبار كان يطلق علي شارع ابراهيم باشا، «ثم شارع الجمهورية فيما بعد» وفي بداية عهد الملك فاروق اطلق اسم جده ابراهيم باشا علي شارع نوبار، وأطلق اسم نوبار باشا علي شارع آخر صغير يبدأ من ميدان لاظوغلي وينتهي في شارع المبتديان، وكان اسمه شارع الدواوين.
ونلاحظ في الجزء الأول من الثلاثية أن حركة الشخصيات تتم داخل منطقة القاهرة القديمة، تمتد الحركة مرة واحدة عندما يذهب ياسين مع زوجته إلي المسرح في الأزبكية، لانري أي وصف للمسرح، انما نري ياسين في البيت بعد عودته، ثم تمتد الحركة إلي ميدان بيت المحطة حيث تبدأ المظاهرة ويبلغ عدد فصول الرواية واحدا وسبعين فصلا، تدور الاحداث فيها كالاتي:
«40» فصلا في منزل احمد عبدالجواد.
«12» فصلا في دكان احمد عبدالجواد الذي يبعد نصف كيلو متر عن البيت.
«8» فصول في الطرق بمنطقة الجمالية، وأبعد نقطة تبعد عن المنزل وصلها احد شخصيات الرواية 3 كيلو مترات. «فهمي في ميدان المحطة».
«3» فصول في بيت زبيدة العالمة، يبعد كيلو واحد عن بيت احمد عبدالجواد.
«3» فصول في بيت ام امينة بالخرنفش، يبعد نصف كيلو عن بيت احمد عبدالجواد.
«3» فصول في بيت السكرية ويبعد حوالي اثنين كيلو.
«1» فصل في بيت محمد رضوان المجاور لبيت احمد عبدالجواد.
«1» فصل في مسجد الحسين الذي يبعد حوالي كيلو متر واحد فقط.
وفي الجزء الأول يسافر احمد عبدالجواد إلي مدينة بورسعيد، وهي المرة الوحيدة التي سيسافر فيها خلال احداث الثلاثية كلها.
لكننا لا نري الطريق إلي بورسعيد، ولا يذكر المؤلف أي تفاصيل فيما عدا خروج احمد عبدالجواد من البيت ثم عودته.
قصر الشوق
تنتهي احداث الجزء الأول في ابريل 1919. وتبدأ أحداث الجزء الثاني «قصر الشوق» في يوليو 1924، أي تمر ست سنوات، اصبح للشخصيات حركة مختلفة داخل مدينة القاهرة، تقدم بهم العمر، واصبح لكل منهم علاقاته، لهذا ستشمل حركتهم مناطق من المدينة لم تذكر في الجزء الاول، في بداية الفصل السادس يمشي كمال الذي اصبح في سن المراهقة مع صديقه فؤاد،يمران بقبو قرمز، وهذا القبو يتردد ذكره في الثلاثية عدة مرات والقبو حقيقي.
ويمتد تحت احد المساجد المملوكية القديمة، وتحيط به الاساطير، ولكن نجيب محفوظ يخلط بينه وبين قبو آخر يقع تحت قصر الامير بشتاك، وهذا القبو يتكون من عدة منحنيات بعكس القبو الأول، واذا اخذنا موقع بيت احمد عبدالجواد في الاعتبار، فإن نجيب محفوظ يقصد القبو الثاني، لكنه يطلق عليه اسم القبو الأول البعيد عن مكان البيت.
يصل كمال وصديقه إلي مقهي احمد عبده الذي يقع تحت الارض، هذا المقهي كان موجودا حتي الثلاثينيات، ويبدو من وصف نجيب محفوظ له، ومن ذكريات الرجال المعمرين في المنطقة انه وصف دقيق، ازيل هذا المقهي ومكانه الآن مجموعة مباني الأميرة شويكار القائمة حتي الآن.
في نفس الفصل يرد ذكر الكلوب المصري عندما يقول كمال لصديقه.. «سنذهب يوم الخميس القادم إلي الكلوب المصري لمشاهدة شارلي شابلن، فنلعب الآن عشرة دومينو..»
والكلوب المصري فندق قديم لايزال موجودا حتي الآن بالقرب من مسجد الحسين، ويضم الفندق فناء مكشوفا كانت تعرض به افلام سينمائية في الثلث الاول من هذا القرن، وأول عرض سينمائي قدم في مصر شاهده المتفرجون في هذا الفندق عام 1910.
في الفصل السابع يتجه احمد عبدالجواد الي:
«عوامة في نهاية المثلث الأول من طريق امبابة..»
وتوجد بالفعل عوامات في هذه المنطقة كان بعضها يستخدم للهو وقضاء أوقات المتعة، وسوف يتردد أحمد عبدالجواد علي هذه العوامة عدة مرات، في الفصل الثامن يري أحمد عبدالجواد في حارة الوطاويط زنوبة حبيبته العالمة، والحارة موجودة حتي اليوم بجوار مسجد الحسين وتؤدي إلي شارع الجمالية، وفي القرن الماضي كانت مسقوفة بأغصان الشجر، ولهذا استقر بها بعض الوطاويط، ومن ثم سميت بحارة الوطاويط.
في الفصل الرابع عشر، يذهب كمال إلي العباسية، يصف نجيب محفوظ الطريق بشكل عام، شارع الحسينية، ثم شارع العباسية، ثم الوايلية، ثم شارع السرايات، وهذه الشوارع كلها موجودة بنفس الاسماء حتي الآن، ولكن المعالم التي وصفها المؤلف تغيرت، كانت العباسية في زمن الرواية ضاحية هادئة، مليئة بالحدائق والاشجار، والقصور الكبيرة كانت مقرا لسكن الأثرياء والطبقة الراقية، لقد تغير الوضع الآن، فالعباسية حاليا منطقة شعبية، مزدحمة، اما القصور فقد زالت تماما، وقصرآل شداد الذي يصفه نجيب محفوظ كان قصرا حقيقيا ولكن اسم الاسرة في الواقع يختلف عن الرواية، ازيل القصر ومكانه الآن عمارتان حديثتان، في الفصل السابع عشر يخرج كمال مع حسين شداد وشقيقته عايدة، ويتجهون إلي الهرم للنزهة، تنطلق السيارة من العباسية، إلي السكاكيني، ثم إلي شارع الملكة نازلي «اصبح اسمه الآن شارع رمسيس» إلي الزمالك، ثم طريق الجيزة، إلي سفح الهرم الاكبر، ثم ابوالهول، والطريق من العباسية إلي الهرم مطابق للواقع، ولايصفه نجيب محفوظ بالتفصيل، انما يذكر الملامح العامة فقط. ثم يذهب كمال إلي وجه البركة في الفصل الخامس والثلاثين، والمكان الحقيقي كان اسمه بالعامية «وش البِرْكة»، وكله مخصص للدعارة التي كانت مباحة في العشرينيات، حتي عام 1949، ويرتبط بوجه البركة شارع آخر اسمه درب طيب، والمكانان حقيقيان، ولايظهران في الرواية الا بعد مرور كمال بأزمة عاطفية حادة، تؤدي به إلي الخمر، والتعرف علي المرأة كجسد في هذا المكان الذي يقع بالقرب من حديقة الازبكية في وسط المدينة، المزارات تتكون من مستويين ، الأول ما يخص نجيب محفوظ نفسه وهذا كله مدون عندي ويوجد في فيلم انتجته الاذاعة البريطانية عام 1988 ، والآخر يخص رواياته وهذا ما حاولت شرحه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.