«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
مزارات القاهرة والذاكرة

في بيت السحيمي جري الاحتفال بعيد ميلادي السبعين، حفل تم بمبادرة من الاستاذ ياسر رزق والمهندس محمد ابوسعدة مديرصندوق التنمية الثقافية الذي يدير النشاط الثقافي في البيت، رعي الحفل وزير الثقافة، وانتظم فيه عدد من أقرب الأحباب، الاستاذ الجامعي البارز محمد بدوي تطوع بالتقديم، الحقيقة أن ما قاله بين الفقرات كان تقييما دقيقا لما قدمت، بل إنني فوجئت أن بعض ما أعددته في كلمتي سبقني هو اليه، لذلك قررت تغيير الخطة، بدلا من أن أتكلم عن أعمالي وما قدمته، قررت أن أنتهز فرصة وجود المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء، وأن أطرح المشروع الذي أدعو اليه منذ سنوات، وحتي أكون أمينا فإن المشروع بدأ مع الاستاذ كامل زهيري الذي أسس مكتبة القاهرة التي كان لي شرف المشاركة في تأسيسها معه بداية التسعينيات، ثم تطوعت لرئاسة مجلس ادارتها استجابة لطلب الوزير المحترم عماد أبوغازي، فكر الاستاذ كامل في حصر اسماء المشاهير وإيضاح اسمائهم من خلال لوحات توضع علي الأماكن التي عاشوا فيها، وطورت الفكرة إلي تنظيم مزارات تخص اشخاصاً بعينهم بعضهم أصبح من مشاهير الانسانية مثل ابن خلدون ونجيب محفوظ، هكذا قررت طرح المشروع وقد انتبه إلي أهميته الزميل احمد النجمي في مجلة المصور التي صدرت الاسبوع الماضي، وانتبه إلي اهتمام المهندس محلب به، وإيماءاته المتعاقبة وحديثه إلي وزيري الآثار والثقافة، المشروع بسيط ولكنه عميق وهام ويدر دخلا اضافيا للسياحة، اتحدث اليوم عن مزارين، الاول لابن خلدون والآخر لنجيب محفوظ.
ابن خلدون
في شارع الجمالية آثار جليلة، ذات قيمة عالية، معماريا وجماليا، لكنها ليست مجرد حجارة مرصوصة أو نقوش وزخارف، إنما مراكز للذاكرة المصرية والانسانية.
في شارع الجمالية خانقاه الامير بيبرس الجاشنكير، أحد أهم الامراء في الدولة المملوكية البحرية، والجاشنكير لفظ يشير إلي وظيفته، إنه الامير المسئول عن تذوق الطعام قبل السلطان حتي لايكون مسموما، فإذا دس أحدهم السم فيه سرعان ماتظهر أعراضه عليه، أي أنها وظيفة هامة جدا، وتقتضي إخلاصا عاليا أساسه التضحية، الامير بيبرس أوتي همة عالية خاصة في التشييد والبناء، أقام هذه الخانفاه التي ماتزال موجودة بحالة جيدة في مواجهة مخرج الدرب الأصفر الذي يربط مباشرة بين شارعين مهمين هما عماد القاهرة، الشارع الاعظم الذي يبدأ من ميدان القلعة وينتهي خارج باب الفتوح ثم اتصل بعد امتداد شارع الحسينية، حتي ميدان الجيش الآن - من قبل ميدان فاروق، وقبل القتل كان اسمه الريدانية وبذلك تبدأ الصحراء المؤدية إلي العباسية، العباسية اسم حديث لضاحية بدأ تشييدها السلطان عباس حلمي، الذي وزع اسمه علي منطقتين امر بإنشائهما، العباسية في الشمال والحلمية في الجنوب، كانتا في البداية علي الأطراف، والآن هما في قلب المدينة.
نلاحظ أن الشارعين الاقدم، الاعظم والجمالية يمضيان بحذاء بعضهما، موازيين للنيل، ومن يعرف محافظات الصعيد سيجد أن الشوارع الرئيسية تمضي محاذية للنيل ولا تتعامد عليه، ربما ينبع ذلك من تقديس المصريين للنيل وهذا متوارث من قديم، واستمر ذلك حتي تمت السيطرة عليه بعد اكتمال السد العالي وأمنوا عنفه وفيضاناته العالية أو المنخفضة، لم يبدأ شق شوارع متعامدة علي النيل مباشرة الا مع الحملة الفرنسية، وأول شارع تم تمهيده إلي النهر في خط مستقيم المعروف الآن بشارع 26 يوليو، »‬فؤاد سابقا». درست لمدة سنة بمدرسة الجمالية الابتدائية، وأقمت لمدة عامين بعمارة عليش التي تقع علي ناصيتي الدرب الأصفر وشارع الجمالية، في مواجهتها، لايفصلنا الا عرض الشارع تقع خانقاه بيبرس، الخانقاه مؤسسة دينية لإقامة شيوخ الصوفية والاذكار والحلقات وبالطبع الصلاة، تشكل قبة الخانقاه قوية الحضور والمئذنة الفريدة جزءا اساسيا من ذاكرتي البصرية، تأملتها من الجنوب، من الشمال، من داخل حواري العطوف والكفر، وعندما عملت كمراسل حربي رأيتها من الطائرة الهيلوكبتر عندما كنت أرافق القوات الخاصة المتجهة للتدريب في منطقة دهشور، دائما منذ طفولتي وحتي الآن في حالة حوار مع المبني، اتأمله، اقرأ عنه في جميع المصادر، أتجول، امكث فيه، ومما لفت نظري اوعية موزعة فوق السطح وفي صحن المسجد، فيها حبوب، علمت من تفاصيل الوقف أن جزءا منه مخصص لإطعام الطيورالهائمة المحومة، والحيوانات الضالة، غير أن ما وقفت عليه في سبعينيات القرن الماضي أدهشني، عندما بدأت أهتم بآثار المفكر العظيم ابن خلدون،وقبل أن ألج كتابه الضخم »‬تاريخ ابن خلدون» قرأت مقدمته التي اصبحت اشهر من الكتاب والتي أسس فيها لأول مرة لعلم الاجتماع الذي أتمه دور كايم، قرأت المقدمة في تحقيق علمي رصين ودراسة عميقة قام بها الدكتور عبدالواحد وافي ونال بها دكتوراة الدولة من السوربون، وطبعت في اربعة مجلدات عن دار البيان العربي في الخمسينيات، ولحسن الحظ أعادت مكتبة الأسرة منذ سنوات.
كانت مفاجأة لي أن ابن خلدون دفين مصر، في مقبرة باب النصر، وأنه عاش في مصر ثلاثة وعشرين عاما، تولي فيها القضاء، اما المدة الأطول فتولي خلالها مشيخة خانقاه الصوفية التي كنت أراها وأعايش تفاصيلها سنوات عمري حتي الآن وتعتبر من مراصدي الاثيرة.
اذن.. عاش ابن خلدون ودرس هنا، وخرج منه في مهمة شاقة، اذ كلفه السلطان برقوق بالسفر إلي حلب واجراء مفاوضه مع الغازي الاوزبكي تيمور لنك الذي سار علي تقاليد السفاح التتري جنكيزخان، وكانت غزواتهما تقوم علي التوسع في القتل وإثارة اكبر قدر ممكن من الرعب، انهما أسلاف داعش بامتياز، هذه السفارة كتب عنها مستعرب غربي هو والترفيشيل، ترجم الكتاب في الستينيات محمد توفيق وقدم له الباحث العراقي مصطفي جواد وهو علامة كبير وطبع في بيروت، صدر عن مكتبة الحياة، لقد روي ابن خلدون تفاصيل حياته المضطربة منذ أن ولد في تونس سنة 732ه، امضي في تونس عقدين من الزمن، قضي منها خمسة عشر عاما في حفظ القرآن والتلمذة علي الشيوخ وتحصيل العلوم، ثم بدأ يتولي بعض الوظائف الديوانية تنقل خلال هذه المرحلة بين تونس والمغرب والاندلس، وفي تقديري أن مرحلة الاندلس كانت لب تكوينه، اذ كان الاندلس يعيش حالة ثقافية خاصة تفاعل فيها العرب مع المسيحيين واليهود، اما المرحلة الرابعة فتفرغ فيها للتأليف وامتدت حوالي ثماني سنوات امضاها في تونس وضع خلالها كتابه الضخم »‬كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام البربر والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر، ويطلق علي القسم الأول منه المقدمة، وقد استغرق تأليفها خمسة شهور فقط، وذاع صيت المقدمة اكثر من الكتاب نفسه، اماالمؤخرة، اي الجزء الاخير من الكتاب فتحوي سيرة حياته بقلمه، وهذا نوع نادر من التأليف في الادب العربي، ان يكون الكاتب موضوعا لكتابه، ولانجده بوفرة الا في كتب المناقب للصوفية، ومن أشهر كتب السيرة »‬الاعتبار»للأمير اسامة بن منقذ وسوف اقدمه في هذه الصفحة من اخبار اليوم، المرحلة الرابعة من حياته والاخيرة تمتد إلي اربع وعشرين سنة تولي خلالها القضاء والتدريس في مصر حتي توفي ودفن بها.
هنا أصل إلي لب الموضوع، اقترح مزارا لابن خلدون، يبدأ من الازهر الشريف، وتعلق لوحة من الحجر عليها تاريخ وصوله إلي مصر، ثم يمضي الزائرون إلي ميدان الحسين، ويقومون بزيارة سيدنا، ثم يسلكون شارع المشهد الحسيني، ثم حارة الوطاويط، ثم وصولا إلي خانقاه سعيد السعداء امام حيرة الميضة ووكالة بازرعة، هذه الخانقا أقام بها كبار الصوفية الذين وفدوا إلي مصر، وذاع صيتهم، ويكفي أن نضع امامها لوحة تحمل اسماء الذين درسوا فيها، لقد ذاع صيتها شرقا وغربا، ولي حديث مفصل عنها، نصل إلي خانقاه بيبرس الجاشنكير، انها مقصد المزار، يتوقف الزائرون امامها ليستمعوا إلي ملخص لحياة ابن خلدون، وفترة اقامته في مصر، ويمكن الاستعانة بما كتبه المؤرخ محمد عبدالله عنان والذي أورده بتصرف في هذه الصفحة، ثم تختم الزيارة بمقبرة باب النصر، وتلك من الآثار الهامة في القاهرة، وتتميز بشواهد فريدة من الخشب، لايوجد لها مثيل في العالم، وقامت الباحثة المصرية الاستاذة جليلة القاضي بدراستها، وتعمل حاليا باحثة في مركز الأبحاث الفرنسي في باريس، وقد اكتشفت كتابها بالفرنسية قبل أن اتعرف عليها شخصيا، وترجم جزء منه في جريدة اخبار الادب وارشح الدكتورة جليلة لتكون مسئولة عن مزار ابن خلدون، لأنها تعلم مقابر باب النصر شبرا شبرا، ولتختار المكان الذي يوضع فيه نصب يكتب عليه: هنا يرقد ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، اقول ذلك لأن المحافظة قامت بإجراء مشين في التسعينيات عندما اقدمت علي شق طريق يصل شارع الدراسة بشارع الجيش، وقام البولدوزر بإزالة عدد من المقابر من بينها مقبرة الصوفية التابعة لخانقاه سعيد السعداء ومن بين الراقدين فيها ابن خلدون ومؤرخ القاهرة العبقري المقريزي وغيرهما.
هذا المشروع لن يكلف إلا عددا من اللافتات التي تصمم من الحجر وتوضع بحيث يصعب انتزاعها، ويكتب عليها بثلاث لغات، العربية والانجليزية والفرنسية معلومات محددة عن ابن خلدون، وأمام الخانقاه يقام نصب فيه تفاصيل اكثر، وفي الموضع الذي تحدده الدكتورة جليلة القاضي.
هذا المشروع يمكن أن تشارك فيه المؤسسات التالية:
محافظ القاهرة ووزارة الآثار ووزارة السياحة ووزارة الثقافة
رجال الاعمال في قطاع السياحة.. وإنني علي استعداد لتقديم ما يكتب علي اللافتات الإرشادية وتدريب عدد من المرشدين علي طريق المزار متطوعا، لوجه الله ومن أجل ذاكرة القاهرة. اما المزار الثاني فيخص الاستاذ نجيب محفوظ.
مزارات محفوظية
القاهرة ومحفوظ صنوان، لم يرتبط اديب بمكان في الادب العالمي كما ارتبط بها، اعماله وشخصه تلخيص للحضور القاهري بكافة مستوياته، التاريخية والحضارية والموروثة، ما يدرك منها وما لا يدرك شاء القدر أن ارتبط بنفس المكان منذ طفولتي، ولدت في الصعيد، لكن اول صورة في ذاكرتي تنتمي إلي السماء والافق القاهريين، تأملت معالم المكان طويلا، ورحلت فيه افقيا ورأسيا أي عبر تاريخه، وادركت أن للقاهرة ذاكرة هي الأغني علي الاطلاق في سائر مدن العالم، بذلت جهدا للتعريف بمعالمها، ومنذ سنوات بدأت مشروعا لإعداد مزارات متعددة تحافظ علي ذاكرة المدينة وتعرف بعمائرها القائمة والمندثرة،ومن عاشوا فيها، وذلك من خلال وضع لوحات توضح من عاش هنا، من مر من هنا، الهدف ليس تعريف السائح فقط ولكن قبل الأجانب ابناء الوطن، كثيرون علي سبيل المثال يمرون بشارع الجمالية، يجهلون أن عبدالرحمن بن خلدون جاء إلي مصر، تولي مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير القاتمة حتي الآن في مواجهة الدرب الاصفر، وأن ابن خلدون توفي ودفن في مقابر باب النصر في حوش الصوفية والذي ازالته بلد وزرات المحافظة في بداية التسعينيات، هنا اشير إلي احتفاظ المغرب وتونس بمنزلين، اصبحا من اهم المعالم التي يزورها السائحون من مختلف الأجناس، فما البال بالبلد الذي يوجد فيه مثواه الأخير، واذا كان هذا المثوي أزيل بقرار اداري غبي وجاهل عند فتح الطريق الشمالي لمرور السيارات، فيمكن الاستعانة بالدكتورة جليلة القاضي التي تعرف كل شبر في جبانة باب النصر، ويمكن وضع لوحة تذكارية تشير إلي مرقد ابن خلدون، وايضاالمقريزي الذي كان إلي جواره، ابن خلدون أحد ابرز اسماء انجبتها الثقافة العربية، كل منهم معروف علي المستوي الانساني، منهم ابن عربي، وابن رشد، وابن سينا، وعمر الخيام، وذو النون المصري، و.. نجيب محفوظ، بالنسبة لمحفوظ فقد عايشته واقتربت من عالمه منذ ان التقيت به لاول مرة عام تسعة وخمسين من القرن الماضي، وقد ضمنت كتابي عنه »‬نجيب محفوظ يتذكر» سيرته كما املاها عليّ عام ثمانية وسبعين، وبعض ملامح جولاتي معه، ودراسة اعددتها عن القاهرة في اعماله وفي الواقع أوردها اليوم في المنمنمات القاهرية، كان محفوظ ذاكرة أمينة للقاهرة في الظاهر والباطن، بعد عام واحد، سبعين أي بعد أن احيل إلي التقاعد، كان مبتهجا بتحرره من الالتزام الوظيفي الذي احترمه للغاية لأكثر من اربعين عاما، خصص يوم الاربعاء من كل اسبوع لجولة نقوم بها في عالمه المحفوظي، تبدأ من الفيشاوي في الصباح الباكر بعد أن نقضي في المقهي الذي احبه بعض الوقت، كنت احترم صمته، لا انطق الا اذا ابدي ملاحظة ونبهني إلي معالم ارتبط بها، هذه الجولة سجلت بعض تفاصيلها هيئة البي بي سي بعد حصوله علي نوبل في فيلم نادر يعتبر الوثيقة المرئية الوحيدة التي يتحدث فيها نجيب محفوظ عن تفاصيل عالمه، ويحدد البيت الذي ولد فيه، والكتاب الذي تعلم فيه الحرف، وكثيرا من اماكنه الحميمة.
وفيما يلي تفاصيل المشروع كما قدمته إلي محافظ القاهرة الاسبق الدكتور عبدالعظيم وزير، اقتنع الرجل وبدأ سلسلة من الاجتماعات بحضور ادباء عرفوا الرجل منهم يوسف القعيد وسعيد الكفراوي وممثل لوزارة الثقافة التي كانت تتبعها الآثار في ذلك الوقت، وأيضا الاوقاف، للأسف توقف المشروع ولم يتم، انني انشر نصه لأحفظ ذكر الاماكن الخاصة بمحفوظ، فلايعرفها احد غيري لأنني تلقيت عنه في لحظات شعورية ثرية، اما وقد آذن العمر بمغيب فإنني اضع المشروع امام كل من يهمه الأمر.
المزار الأول
الهدف هو الحفاظ علي الذاكرة الثقافية للقاهرة القديمة من خلال التركيز علي معالم محددة لها علاقة بشخصيات خرجت من دروب القاهرة واصبح لها وجود علي مستوي مصر والعالم العربي، والعالم بمجمله شرقا وغربا، وأن تبدأبنجيب محفوظ فهذا مدخل ثري ومحفز، اذ تتوقف في شخصه واعماله جميع الاسباب التي تجعله اروع مدخل إلي روح ومكان القاهرة.
يتم ذلك من خلال ترتيب مزارين.
الاول، يتصل بنجيب محفوظ نفسه، مولده وحياته، مع ابراز العناصر التي اثرت في تكوينه وعالمه الأدبي، يبدأ المزار الاول من البيت رقم 8، ميدان بيت القاضي وهو يقوم علي نفس المساحة وفي نفس المكان، البيت يقع علي ناصية درب قرمز حيث الحارة التي اسهمت في تكوين نجيب محفوظ، وماتزال محتفظة بمعالمها الاساسية، خاصة، قبو قرمز ويقع تحت مسجد وخانقاه الأمير متقال، والقبو من العناصر الاساسية في عالم نجيب محفوظ.
في مواجهة البيت يقع قسم شرطة الجمالية، وهذا المبني اول ما رآه الطفل نجيب محفوظ خلال اطلاله علي العالم من نافذة البيت، ورأي منه الفتوات، ومظاهرات الثورة، يلي ذلك سبيل حارة الكبابجي، المعروفة الآن بحارة بيت القاضي، ورقم المبني 6 وهو أثر مهمل الآن، ويمكن ترميمه وإعداده للزيارة، وفي الكتاب الذي كان ملحقا بالسبيل »‬الطابق العلوي» تعلم الطفل نجيب محفوظ القراءة والكتابة، يليه سبيل ومدرسة بين القصرين، حيث درس المرحلة الابتدائية، والسبيل موجود الآن بحالته، ويقع في شارع المشهد الحسيني.. يلي ذلك قاعة عرض اول فيلم سينمائي عرض في القاهرة عام 1910، وكانت تقع في فناء فندق الكلوب المصري »‬معروف الآن بفندق الصفا والمروة»، القاعة ماتزال موجودة وتستخدم كمخزن كتب لمطبعة عيسي الحلبي، كذلك التراس الصيفي الذي كانت تعرض فيه الافلام صيفا، وقد لعبت هذه السينما دورا هاما في تربية خيال الصبي نجيب محفوظ.
علي ناصية الداخل إلي خان الخليلي من ميدان الحسين، كان يوجد مقهي احمد عبده وكله كان تحت الارض، ومكانه الآن مقهي فوق السطح، وإلي جواره مقهي الفيشاوي، وفي زقاق المدق مقهي الزقاق، وفي سوق الحمزاوي الصغير يوجد مقهي صغير جدا، ودكان للعطور، هذه مقاهي نجيب محفوظ الشاب والرجل المكتمل في الجمالية، وفي منطقة الظاهر، مقهي عرابي وقد ازيل الآن ومكانه مجموعة دكاكين ومنه استلهم رواية »‬السراب» و»‬الكرنك» والعديد من شخصياته، أما مقهي قشتمر فمازال كما هو، وكتب عنه رواية تحمل اسم المكان، اما أشهر مقهي في وسط المدينة فهو مقهي ريش، وقد ارتبط به نجيب محفوظ حتي عام 1977، وأيضا مقهي صفية حلمي الذي أزيل من موقعه في ميدان الاوبرا، ومكانه الآن مبني حديث.
من أهم الأماكن التي أمضي فيها كاتبنا الكبير فترة يعتبرها ذهبية في الوظيفة قبة الغوري، وقد نقل اليها عام 1948 وعمل موظفا في مشروع »‬القرض الحسن».
يوجد مكان آخر يمكن ضمه إلي المزار وهو المنزل رقم »‬10» شارع رضوان شكري بالوايلي، الذي انتقلت اليه الأسرة من الجمالية وعاش فيه حتي اشهار زواجه وانتقاله مع الاسرة إلي شارع النيل، يمكن اضافة هذا المنزل إلي المزار اذا تقرر اضافة مزارات اخري خارج القاهرة الفاطمية.
تستخدم اللافتات والعلامات الارشادية لتحديد الخط الذي يسلكه من يتبع المزار، بالنسبة للأماكن المحددة، توضع علي البيت او المقهي لافتة من الحجر توضح المعلومات الخاصة بالمكان، ويمكن ايراد فقرات من اقوال نجيب محفوظ المتعلقة بالمكان، واللوحات الاخري تكون ارشادية ويمكن الاتفاق علي شكلها والمواد التي ستصنع منها، بحيث تشير إلي المسار المطلوب للمزار، علي سبيل المثال يمكن البدء من ميدان الحسين، بلافتة كبيرة تشير إلي مزار نجيب محفوظ، وتتضمن المعالم الاساسية للمزار، ثم تعلق اسهم في الشوارع المؤدية إلي البيت رقم 8 ميدان بيت القاضي الذي تبدأمنه الجولة، ثم اسهم تشير إلي قسم الجمالية، ثم الكتاب في حارة الكبابجي، وهكذا، بالطبع يمكن طباعة كتيب صغير يشرح أهم معالم المزار، ويتضمن فقرات من أعمال محفوظ، ويطبع بعدة لغات، بالطبع يقتضي ذلك اعداد المكان، خاصة في القاهرة القديمة، فقبو قرمز حالته الآن مزرية نتيجة إلقاء القمامة فيه، كذلك حارة بيت القاضي، ويمكن طلاء واجهات المباني بلون موحد كما جري في منطقة الفسطاط.
هذا عن المزار الأول الخاص بحياة نجيب محفوظ ومراحلها وعناصر المكان التي أثرت في تكوينه، اماالمزار التالي، فيتعلق بعالم نجيب محفوظ الروائي، وذلك من خلال تحديد الاماكن المرتبطة برواياته عن القاهرة القديمة، وهذه الروايات هي:
الثلاثية.. وزقاق المدق .. ووخان الخليلي.. وقشتمر..والكرنك
والدراسة التالية عن القاهرة بين الواقع والخيال في ثلاثية نجيب محفوظ، توضح اساساً للتعامل مع المكان، من خلال التعريف بالاماكن المتصلة بعالم محفوظ الادبي، هذا المشروع بشقيه يعتبر رائدا وجديدا في اطار المشروعات التي تتم علي مستوي العالم لتخليد الادباء العظام، ولتجسيد ذاكرة المكان التاريخية والثقافية.
في بيت السحيمي جري الاحتفال بعيد ميلادي السبعين، حفل تم بمبادرة من الاستاذ ياسر رزق والمهندس محمد ابوسعدة مديرصندوق التنمية الثقافية الذي يدير النشاط الثقافي في البيت، رعي الحفل وزير الثقافة، وانتظم فيه عدد من أقرب الأحباب، الاستاذ الجامعي البارز محمد بدوي تطوع بالتقديم، الحقيقة أن ما قاله بين الفقرات كان تقييما دقيقا لما قدمت، بل إنني فوجئت أن بعض ما أعددته في كلمتي سبقني هو اليه، لذلك قررت تغيير الخطة، بدلا من أن أتكلم عن أعمالي وما قدمته، قررت أن أنتهز فرصة وجود المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء، وأن أطرح المشروع الذي أدعو اليه منذ سنوات، وحتي أكون أمينا فإن المشروع بدأ مع الاستاذ كامل زهيري الذي أسس مكتبة القاهرة التي كان لي شرف المشاركة في تأسيسها معه بداية التسعينيات، ثم تطوعت لرئاسة مجلس ادارتها استجابة لطلب الوزير المحترم عماد أبوغازي، فكر الاستاذ كامل في حصر اسماء المشاهير وإيضاح اسمائهم من خلال لوحات توضع علي الأماكن التي عاشوا فيها، وطورت الفكرة إلي تنظيم مزارات تخص اشخاصاً بعينهم بعضهم أصبح من مشاهير الانسانية مثل ابن خلدون ونجيب محفوظ، هكذا قررت طرح المشروع وقد انتبه إلي أهميته الزميل احمد النجمي في مجلة المصور التي صدرت الاسبوع الماضي، وانتبه إلي اهتمام المهندس محلب به، وإيماءاته المتعاقبة وحديثه إلي وزيري الآثار والثقافة، المشروع بسيط ولكنه عميق وهام ويدر دخلا اضافيا للسياحة، اتحدث اليوم عن مزارين، الاول لابن خلدون والآخر لنجيب محفوظ.
ابن خلدون
في شارع الجمالية آثار جليلة، ذات قيمة عالية، معماريا وجماليا، لكنها ليست مجرد حجارة مرصوصة أو نقوش وزخارف، إنما مراكز للذاكرة المصرية والانسانية.
في شارع الجمالية خانقاه الامير بيبرس الجاشنكير، أحد أهم الامراء في الدولة المملوكية البحرية، والجاشنكير لفظ يشير إلي وظيفته، إنه الامير المسئول عن تذوق الطعام قبل السلطان حتي لايكون مسموما، فإذا دس أحدهم السم فيه سرعان ماتظهر أعراضه عليه، أي أنها وظيفة هامة جدا، وتقتضي إخلاصا عاليا أساسه التضحية، الامير بيبرس أوتي همة عالية خاصة في التشييد والبناء، أقام هذه الخانفاه التي ماتزال موجودة بحالة جيدة في مواجهة مخرج الدرب الأصفر الذي يربط مباشرة بين شارعين مهمين هما عماد القاهرة، الشارع الاعظم الذي يبدأ من ميدان القلعة وينتهي خارج باب الفتوح ثم اتصل بعد امتداد شارع الحسينية، حتي ميدان الجيش الآن - من قبل ميدان فاروق، وقبل القتل كان اسمه الريدانية وبذلك تبدأ الصحراء المؤدية إلي العباسية، العباسية اسم حديث لضاحية بدأ تشييدها السلطان عباس حلمي، الذي وزع اسمه علي منطقتين امر بإنشائهما، العباسية في الشمال والحلمية في الجنوب، كانتا في البداية علي الأطراف، والآن هما في قلب المدينة.
نلاحظ أن الشارعين الاقدم، الاعظم والجمالية يمضيان بحذاء بعضهما، موازيين للنيل، ومن يعرف محافظات الصعيد سيجد أن الشوارع الرئيسية تمضي محاذية للنيل ولا تتعامد عليه، ربما ينبع ذلك من تقديس المصريين للنيل وهذا متوارث من قديم، واستمر ذلك حتي تمت السيطرة عليه بعد اكتمال السد العالي وأمنوا عنفه وفيضاناته العالية أو المنخفضة، لم يبدأ شق شوارع متعامدة علي النيل مباشرة الا مع الحملة الفرنسية، وأول شارع تم تمهيده إلي النهر في خط مستقيم المعروف الآن بشارع 26 يوليو، »‬فؤاد سابقا». درست لمدة سنة بمدرسة الجمالية الابتدائية، وأقمت لمدة عامين بعمارة عليش التي تقع علي ناصيتي الدرب الأصفر وشارع الجمالية، في مواجهتها، لايفصلنا الا عرض الشارع تقع خانقاه بيبرس، الخانقاه مؤسسة دينية لإقامة شيوخ الصوفية والاذكار والحلقات وبالطبع الصلاة، تشكل قبة الخانقاه قوية الحضور والمئذنة الفريدة جزءا اساسيا من ذاكرتي البصرية، تأملتها من الجنوب، من الشمال، من داخل حواري العطوف والكفر، وعندما عملت كمراسل حربي رأيتها من الطائرة الهيلوكبتر عندما كنت أرافق القوات الخاصة المتجهة للتدريب في منطقة دهشور، دائما منذ طفولتي وحتي الآن في حالة حوار مع المبني، اتأمله، اقرأ عنه في جميع المصادر، أتجول، امكث فيه، ومما لفت نظري اوعية موزعة فوق السطح وفي صحن المسجد، فيها حبوب، علمت من تفاصيل الوقف أن جزءا منه مخصص لإطعام الطيورالهائمة المحومة، والحيوانات الضالة، غير أن ما وقفت عليه في سبعينيات القرن الماضي أدهشني، عندما بدأت أهتم بآثار المفكر العظيم ابن خلدون،وقبل أن ألج كتابه الضخم »‬تاريخ ابن خلدون» قرأت مقدمته التي اصبحت اشهر من الكتاب والتي أسس فيها لأول مرة لعلم الاجتماع الذي أتمه دور كايم، قرأت المقدمة في تحقيق علمي رصين ودراسة عميقة قام بها الدكتور عبدالواحد وافي ونال بها دكتوراة الدولة من السوربون، وطبعت في اربعة مجلدات عن دار البيان العربي في الخمسينيات، ولحسن الحظ أعادت مكتبة الأسرة منذ سنوات.
كانت مفاجأة لي أن ابن خلدون دفين مصر، في مقبرة باب النصر، وأنه عاش في مصر ثلاثة وعشرين عاما، تولي فيها القضاء، اما المدة الأطول فتولي خلالها مشيخة خانقاه الصوفية التي كنت أراها وأعايش تفاصيلها سنوات عمري حتي الآن وتعتبر من مراصدي الاثيرة.
اذن.. عاش ابن خلدون ودرس هنا، وخرج منه في مهمة شاقة، اذ كلفه السلطان برقوق بالسفر إلي حلب واجراء مفاوضه مع الغازي الاوزبكي تيمور لنك الذي سار علي تقاليد السفاح التتري جنكيزخان، وكانت غزواتهما تقوم علي التوسع في القتل وإثارة اكبر قدر ممكن من الرعب، انهما أسلاف داعش بامتياز، هذه السفارة كتب عنها مستعرب غربي هو والترفيشيل، ترجم الكتاب في الستينيات محمد توفيق وقدم له الباحث العراقي مصطفي جواد وهو علامة كبير وطبع في بيروت، صدر عن مكتبة الحياة، لقد روي ابن خلدون تفاصيل حياته المضطربة منذ أن ولد في تونس سنة 732ه، امضي في تونس عقدين من الزمن، قضي منها خمسة عشر عاما في حفظ القرآن والتلمذة علي الشيوخ وتحصيل العلوم، ثم بدأ يتولي بعض الوظائف الديوانية تنقل خلال هذه المرحلة بين تونس والمغرب والاندلس، وفي تقديري أن مرحلة الاندلس كانت لب تكوينه، اذ كان الاندلس يعيش حالة ثقافية خاصة تفاعل فيها العرب مع المسيحيين واليهود، اما المرحلة الرابعة فتفرغ فيها للتأليف وامتدت حوالي ثماني سنوات امضاها في تونس وضع خلالها كتابه الضخم »‬كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام البربر والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر، ويطلق علي القسم الأول منه المقدمة، وقد استغرق تأليفها خمسة شهور فقط، وذاع صيت المقدمة اكثر من الكتاب نفسه، اماالمؤخرة، اي الجزء الاخير من الكتاب فتحوي سيرة حياته بقلمه، وهذا نوع نادر من التأليف في الادب العربي، ان يكون الكاتب موضوعا لكتابه، ولانجده بوفرة الا في كتب المناقب للصوفية، ومن أشهر كتب السيرة »‬الاعتبار»للأمير اسامة بن منقذ وسوف اقدمه في هذه الصفحة من اخبار اليوم، المرحلة الرابعة من حياته والاخيرة تمتد إلي اربع وعشرين سنة تولي خلالها القضاء والتدريس في مصر حتي توفي ودفن بها.
هنا أصل إلي لب الموضوع، اقترح مزارا لابن خلدون، يبدأ من الازهر الشريف، وتعلق لوحة من الحجر عليها تاريخ وصوله إلي مصر، ثم يمضي الزائرون إلي ميدان الحسين، ويقومون بزيارة سيدنا، ثم يسلكون شارع المشهد الحسيني، ثم حارة الوطاويط، ثم وصولا إلي خانقاه سعيد السعداء امام حيرة الميضة ووكالة بازرعة، هذه الخانقا أقام بها كبار الصوفية الذين وفدوا إلي مصر، وذاع صيتهم، ويكفي أن نضع امامها لوحة تحمل اسماء الذين درسوا فيها، لقد ذاع صيتها شرقا وغربا، ولي حديث مفصل عنها، نصل إلي خانقاه بيبرس الجاشنكير، انها مقصد المزار، يتوقف الزائرون امامها ليستمعوا إلي ملخص لحياة ابن خلدون، وفترة اقامته في مصر، ويمكن الاستعانة بما كتبه المؤرخ محمد عبدالله عنان والذي أورده بتصرف في هذه الصفحة، ثم تختم الزيارة بمقبرة باب النصر، وتلك من الآثار الهامة في القاهرة، وتتميز بشواهد فريدة من الخشب، لايوجد لها مثيل في العالم، وقامت الباحثة المصرية الاستاذة جليلة القاضي بدراستها، وتعمل حاليا باحثة في مركز الأبحاث الفرنسي في باريس، وقد اكتشفت كتابها بالفرنسية قبل أن اتعرف عليها شخصيا، وترجم جزء منه في جريدة اخبار الادب وارشح الدكتورة جليلة لتكون مسئولة عن مزار ابن خلدون، لأنها تعلم مقابر باب النصر شبرا شبرا، ولتختار المكان الذي يوضع فيه نصب يكتب عليه: هنا يرقد ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، اقول ذلك لأن المحافظة قامت بإجراء مشين في التسعينيات عندما اقدمت علي شق طريق يصل شارع الدراسة بشارع الجيش، وقام البولدوزر بإزالة عدد من المقابر من بينها مقبرة الصوفية التابعة لخانقاه سعيد السعداء ومن بين الراقدين فيها ابن خلدون ومؤرخ القاهرة العبقري المقريزي وغيرهما.
هذا المشروع لن يكلف إلا عددا من اللافتات التي تصمم من الحجر وتوضع بحيث يصعب انتزاعها، ويكتب عليها بثلاث لغات، العربية والانجليزية والفرنسية معلومات محددة عن ابن خلدون، وأمام الخانقاه يقام نصب فيه تفاصيل اكثر، وفي الموضع الذي تحدده الدكتورة جليلة القاضي.
هذا المشروع يمكن أن تشارك فيه المؤسسات التالية:
محافظ القاهرة ووزارة الآثار ووزارة السياحة ووزارة الثقافة
رجال الاعمال في قطاع السياحة.. وإنني علي استعداد لتقديم ما يكتب علي اللافتات الإرشادية وتدريب عدد من المرشدين علي طريق المزار متطوعا، لوجه الله ومن أجل ذاكرة القاهرة. اما المزار الثاني فيخص الاستاذ نجيب محفوظ.
مزارات محفوظية
القاهرة ومحفوظ صنوان، لم يرتبط اديب بمكان في الادب العالمي كما ارتبط بها، اعماله وشخصه تلخيص للحضور القاهري بكافة مستوياته، التاريخية والحضارية والموروثة، ما يدرك منها وما لا يدرك شاء القدر أن ارتبط بنفس المكان منذ طفولتي، ولدت في الصعيد، لكن اول صورة في ذاكرتي تنتمي إلي السماء والافق القاهريين، تأملت معالم المكان طويلا، ورحلت فيه افقيا ورأسيا أي عبر تاريخه، وادركت أن للقاهرة ذاكرة هي الأغني علي الاطلاق في سائر مدن العالم، بذلت جهدا للتعريف بمعالمها، ومنذ سنوات بدأت مشروعا لإعداد مزارات متعددة تحافظ علي ذاكرة المدينة وتعرف بعمائرها القائمة والمندثرة،ومن عاشوا فيها، وذلك من خلال وضع لوحات توضح من عاش هنا، من مر من هنا، الهدف ليس تعريف السائح فقط ولكن قبل الأجانب ابناء الوطن، كثيرون علي سبيل المثال يمرون بشارع الجمالية، يجهلون أن عبدالرحمن بن خلدون جاء إلي مصر، تولي مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير القاتمة حتي الآن في مواجهة الدرب الاصفر، وأن ابن خلدون توفي ودفن في مقابر باب النصر في حوش الصوفية والذي ازالته بلد وزرات المحافظة في بداية التسعينيات، هنا اشير إلي احتفاظ المغرب وتونس بمنزلين، اصبحا من اهم المعالم التي يزورها السائحون من مختلف الأجناس، فما البال بالبلد الذي يوجد فيه مثواه الأخير، واذا كان هذا المثوي أزيل بقرار اداري غبي وجاهل عند فتح الطريق الشمالي لمرور السيارات، فيمكن الاستعانة بالدكتورة جليلة القاضي التي تعرف كل شبر في جبانة باب النصر، ويمكن وضع لوحة تذكارية تشير إلي مرقد ابن خلدون، وايضاالمقريزي الذي كان إلي جواره، ابن خلدون أحد ابرز اسماء انجبتها الثقافة العربية، كل منهم معروف علي المستوي الانساني، منهم ابن عربي، وابن رشد، وابن سينا، وعمر الخيام، وذو النون المصري، و.. نجيب محفوظ، بالنسبة لمحفوظ فقد عايشته واقتربت من عالمه منذ ان التقيت به لاول مرة عام تسعة وخمسين من القرن الماضي، وقد ضمنت كتابي عنه »‬نجيب محفوظ يتذكر» سيرته كما املاها عليّ عام ثمانية وسبعين، وبعض ملامح جولاتي معه، ودراسة اعددتها عن القاهرة في اعماله وفي الواقع أوردها اليوم في المنمنمات القاهرية، كان محفوظ ذاكرة أمينة للقاهرة في الظاهر والباطن، بعد عام واحد، سبعين أي بعد أن احيل إلي التقاعد، كان مبتهجا بتحرره من الالتزام الوظيفي الذي احترمه للغاية لأكثر من اربعين عاما، خصص يوم الاربعاء من كل اسبوع لجولة نقوم بها في عالمه المحفوظي، تبدأ من الفيشاوي في الصباح الباكر بعد أن نقضي في المقهي الذي احبه بعض الوقت، كنت احترم صمته، لا انطق الا اذا ابدي ملاحظة ونبهني إلي معالم ارتبط بها، هذه الجولة سجلت بعض تفاصيلها هيئة البي بي سي بعد حصوله علي نوبل في فيلم نادر يعتبر الوثيقة المرئية الوحيدة التي يتحدث فيها نجيب محفوظ عن تفاصيل عالمه، ويحدد البيت الذي ولد فيه، والكتاب الذي تعلم فيه الحرف، وكثيرا من اماكنه الحميمة.
وفيما يلي تفاصيل المشروع كما قدمته إلي محافظ القاهرة الاسبق الدكتور عبدالعظيم وزير، اقتنع الرجل وبدأ سلسلة من الاجتماعات بحضور ادباء عرفوا الرجل منهم يوسف القعيد وسعيد الكفراوي وممثل لوزارة الثقافة التي كانت تتبعها الآثار في ذلك الوقت، وأيضا الاوقاف، للأسف توقف المشروع ولم يتم، انني انشر نصه لأحفظ ذكر الاماكن الخاصة بمحفوظ، فلايعرفها احد غيري لأنني تلقيت عنه في لحظات شعورية ثرية، اما وقد آذن العمر بمغيب فإنني اضع المشروع امام كل من يهمه الأمر.
المزار الأول
الهدف هو الحفاظ علي الذاكرة الثقافية للقاهرة القديمة من خلال التركيز علي معالم محددة لها علاقة بشخصيات خرجت من دروب القاهرة واصبح لها وجود علي مستوي مصر والعالم العربي، والعالم بمجمله شرقا وغربا، وأن تبدأبنجيب محفوظ فهذا مدخل ثري ومحفز، اذ تتوقف في شخصه واعماله جميع الاسباب التي تجعله اروع مدخل إلي روح ومكان القاهرة.
يتم ذلك من خلال ترتيب مزارين.
الاول، يتصل بنجيب محفوظ نفسه، مولده وحياته، مع ابراز العناصر التي اثرت في تكوينه وعالمه الأدبي، يبدأ المزار الاول من البيت رقم 8، ميدان بيت القاضي وهو يقوم علي نفس المساحة وفي نفس المكان، البيت يقع علي ناصية درب قرمز حيث الحارة التي اسهمت في تكوين نجيب محفوظ، وماتزال محتفظة بمعالمها الاساسية، خاصة، قبو قرمز ويقع تحت مسجد وخانقاه الأمير متقال، والقبو من العناصر الاساسية في عالم نجيب محفوظ.
في مواجهة البيت يقع قسم شرطة الجمالية، وهذا المبني اول ما رآه الطفل نجيب محفوظ خلال اطلاله علي العالم من نافذة البيت، ورأي منه الفتوات، ومظاهرات الثورة، يلي ذلك سبيل حارة الكبابجي، المعروفة الآن بحارة بيت القاضي، ورقم المبني 6 وهو أثر مهمل الآن، ويمكن ترميمه وإعداده للزيارة، وفي الكتاب الذي كان ملحقا بالسبيل »‬الطابق العلوي» تعلم الطفل نجيب محفوظ القراءة والكتابة، يليه سبيل ومدرسة بين القصرين، حيث درس المرحلة الابتدائية، والسبيل موجود الآن بحالته، ويقع في شارع المشهد الحسيني.. يلي ذلك قاعة عرض اول فيلم سينمائي عرض في القاهرة عام 1910، وكانت تقع في فناء فندق الكلوب المصري »‬معروف الآن بفندق الصفا والمروة»، القاعة ماتزال موجودة وتستخدم كمخزن كتب لمطبعة عيسي الحلبي، كذلك التراس الصيفي الذي كانت تعرض فيه الافلام صيفا، وقد لعبت هذه السينما دورا هاما في تربية خيال الصبي نجيب محفوظ.
علي ناصية الداخل إلي خان الخليلي من ميدان الحسين، كان يوجد مقهي احمد عبده وكله كان تحت الارض، ومكانه الآن مقهي فوق السطح، وإلي جواره مقهي الفيشاوي، وفي زقاق المدق مقهي الزقاق، وفي سوق الحمزاوي الصغير يوجد مقهي صغير جدا، ودكان للعطور، هذه مقاهي نجيب محفوظ الشاب والرجل المكتمل في الجمالية، وفي منطقة الظاهر، مقهي عرابي وقد ازيل الآن ومكانه مجموعة دكاكين ومنه استلهم رواية »‬السراب» و»‬الكرنك» والعديد من شخصياته، أما مقهي قشتمر فمازال كما هو، وكتب عنه رواية تحمل اسم المكان، اما أشهر مقهي في وسط المدينة فهو مقهي ريش، وقد ارتبط به نجيب محفوظ حتي عام 1977، وأيضا مقهي صفية حلمي الذي أزيل من موقعه في ميدان الاوبرا، ومكانه الآن مبني حديث.
من أهم الأماكن التي أمضي فيها كاتبنا الكبير فترة يعتبرها ذهبية في الوظيفة قبة الغوري، وقد نقل اليها عام 1948 وعمل موظفا في مشروع »‬القرض الحسن».
يوجد مكان آخر يمكن ضمه إلي المزار وهو المنزل رقم »‬10» شارع رضوان شكري بالوايلي، الذي انتقلت اليه الأسرة من الجمالية وعاش فيه حتي اشهار زواجه وانتقاله مع الاسرة إلي شارع النيل، يمكن اضافة هذا المنزل إلي المزار اذا تقرر اضافة مزارات اخري خارج القاهرة الفاطمية.
تستخدم اللافتات والعلامات الارشادية لتحديد الخط الذي يسلكه من يتبع المزار، بالنسبة للأماكن المحددة، توضع علي البيت او المقهي لافتة من الحجر توضح المعلومات الخاصة بالمكان، ويمكن ايراد فقرات من اقوال نجيب محفوظ المتعلقة بالمكان، واللوحات الاخري تكون ارشادية ويمكن الاتفاق علي شكلها والمواد التي ستصنع منها، بحيث تشير إلي المسار المطلوب للمزار، علي سبيل المثال يمكن البدء من ميدان الحسين، بلافتة كبيرة تشير إلي مزار نجيب محفوظ، وتتضمن المعالم الاساسية للمزار، ثم تعلق اسهم في الشوارع المؤدية إلي البيت رقم 8 ميدان بيت القاضي الذي تبدأمنه الجولة، ثم اسهم تشير إلي قسم الجمالية، ثم الكتاب في حارة الكبابجي، وهكذا، بالطبع يمكن طباعة كتيب صغير يشرح أهم معالم المزار، ويتضمن فقرات من أعمال محفوظ، ويطبع بعدة لغات، بالطبع يقتضي ذلك اعداد المكان، خاصة في القاهرة القديمة، فقبو قرمز حالته الآن مزرية نتيجة إلقاء القمامة فيه، كذلك حارة بيت القاضي، ويمكن طلاء واجهات المباني بلون موحد كما جري في منطقة الفسطاط.
هذا عن المزار الأول الخاص بحياة نجيب محفوظ ومراحلها وعناصر المكان التي أثرت في تكوينه، اماالمزار التالي، فيتعلق بعالم نجيب محفوظ الروائي، وذلك من خلال تحديد الاماكن المرتبطة برواياته عن القاهرة القديمة، وهذه الروايات هي:
الثلاثية.. وزقاق المدق .. ووخان الخليلي.. وقشتمر..والكرنك
والدراسة التالية عن القاهرة بين الواقع والخيال في ثلاثية نجيب محفوظ، توضح اساساً للتعامل مع المكان، من خلال التعريف بالاماكن المتصلة بعالم محفوظ الادبي، هذا المشروع بشقيه يعتبر رائدا وجديدا في اطار المشروعات التي تتم علي مستوي العالم لتخليد الادباء العظام، ولتجسيد ذاكرة المكان التاريخية والثقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.