قبل منح برنامج صاحبة السعادة جائزة افضل برنامج بشهر علي الأقل حسب ذاكرتي. قبل الاحتفاليات والإشادات المستحقة من كافة الأقلام لعل السيدة إسعاد يونس تتذكر رسالتي لها ومكالمتي لها معبرا عن تقديري وسعادتي ببرنامجها المتميز فكرة، وإعدادا، وتنفيذا. والحقيقة انه مع بدايات البرنامج فقد بدا واضحاً أننا امام برنامج وراءه فكر لإعلامية مخضرمة خرجت من رحم أعرق وأعظم مؤسسة إعلامية في مصر بل والشرق وهي الاذاعة المصرية التي قدمت فيها إسعاد ومعها خبرات وأصوات عرفت معني احترام المواطن فكرا ولغة. فمن ينسي الخفة دون استخفاف والعمق دون كلكعة في برامج المنوعات الإذاعية وفي مقدمتها إذاعة الشرق الأوسط. ومن ينسي جيل إيناس جوهر وسناء منصور وصديقة حياتي ومشيرة نجيب والمرحوم محيي محمود وغيرهم ممن تعلمنا منهم وتربينا علي أيديهم صغارا كنا، او شبابا، او كبارا. إن البذرة الطيبة تنبت ثمارا وأزهارا تضفي علي حياتنا البهجة دون ابتذال وتثري معلوماتنا ومعارفنا وتعمق فينا قيما حقيقية دون افتعال مما يجعلها تتسلل إلي وجداننا في نعومة وانسيابية. هذا عن مصدر ابداع إسعاد في برنامجها. ومع الخبرة والذكاء الاجتماعي الذي أخذت منه إسعاد جرعات كبيرة اختارت مداخلها وضيوفها وموضوعاتها لتنفرد بمساحة وحدها بعيدا عن زحام الضجيج والافتعال وبكل التلقائية التي لا تخلو من الاحترافية تعيدنا إسعاد إلي زمن الجمال في كل مناحي الفنون واشكالها ليس بقصد أن نسكن الماضي وإنما العكس تماماً وهو كيف نأخذ من الماضي والذكريات اجمل وأخلد ما فيه وهي مفاهيم لا تموت ولا تتعارض مع المستقبل. فهل تتعارض قيم تواضع نجومنا الكبار والذين قدموا فنا يحمل رسالة بالفعل والذين استضافتهم إسعاد ؟هل يرفض أي جيل حتي لو الجيل الرابع او الخامس تفاني نجومنا المحترمين وإخلاصهم لفنهم ؟ هل يتعارض تطلع المواطن المصري للكلمة الطيبة في أغاني ترتقي بوجدانه مع رقي الكلمات التي حملتها لنا أغاني الأجيال السابقة وسمو الحوار في المسلسلات والمسرحيات التي قدمها اصحاب القمم الفنية ؟ وأتوقف امام مبدأ سيظل حيا في صناعة الاعلام انه مبدأ أن المضمون سيظل هو الأساس بعيدا عن الإبهار التكنولوجي في الاعلام. كنبة بسيطة للغاية تجلس عليها إسعاد وأمامها وعلي مسافة تعطيك الإحساس بالدفء كرسي يجلس عليه ضيوفها اي بساطة مبدعة تجعل المشاهد يركز في المحتوي والرسالة وليس في الحيل والإضاءة وفنون الديكور. قبل كل هذه العوامل يأتي الذكاء والحس والإحساس باحتياج المشاهد. فهل ينكر أحد أن المواطن المصري بعد السنوات الأربع الماضية قد تكونت بداخله شروخ وحفر وتعرجات نفسية من زحام الأصوات الزاعقة والزعامات السياسية المفتعلة من خلال سيول البرامج التي وصل بها الحد ان تناقش لا أقول قضايا وإنما شظايا وأحداث شاذة لا ترقي إلي أن تكون ظواهر في حياتنا ومن هنا شعر باحتضان صاحبة السعادة لأنفاسه اللاهثة وتقدم له وجبة سعادة تعيد له توازنه النفسي والاجتماعي. من حق إسعاد يونس وفريق العمل معها أن تحصل علي جائزة حب الناس وهو اكبر من كل لجان التحكيم. إن العفوية والبساطة والصدق والفهم عوامل اسعاد التي لم تستورد فكرة برنامج عالمي ودفعت فيه الملايين وانما شعرت بحس المواطن فأقبل عليها الملايين. جعلت صاحبة السعادة تصبح ركن السعادة الذي يلجأ اليه المواطن المصري بل العربي حينما يحن للابتسامة الراقية والذكريات الجميلة.