الإعلان يعد من أهم العوامل المسئولة عن انحراف ميديا الإعلام ؛ حيث باتت تتعامل بلغة الأرباح ومنطق السوق. في زمن بات فيه كل شئ مباحاً مستباحاً، وتضعف النفوس أمام المصالح الخاصة، حتي ولو علي حساب الكرامة الفردية والوطنية بتنا نشاهد هطول السموم، وكل الأمراض الاجتماعية، من ذلك الإنجاز التكنولوجي الذي من المفروض فيه أن يعمل علي بناء الإنسان تثقيفياً وارتقاء بالوجدان، وتهذيب الذوق العام، وتشكيل الوعي الصحيح للجماهير، والحفاظ علي القيم والأخلاقيات، التقاليد والثوابت الوطنية والقومية، نقول: بدلاً من كل هذه الأغراض النبيلة السامية لميديا الإعلام، وفي القلب منها شاشات التلفاز، أصبحنا نشاهد انحرافاً مقصوداً ومتعمداً بالرسالة الإعلامية السامية، ابتداء من طغيان الشكل علي المضمون والإعلان علي الإعلام، والزيف والخداع علي الحقيقة، وبات مبرر الانفراد بالخبر آفة مدمرة لكل القيم، وفقدان الأخبار المصداقية المطلوبة. غير أن الأشد خطورة علي القيم والأخلاقيات ما تقوم به شاشات التلفاز والإذاعات المسموعة من إعلانات فاحشة مفضوحة مثيرة للغرائز، مشوهة للتراث باستخدام مفرداته ككلمات إعلانية بألفاظ وحركات خادشة. بل وقد ابتلينا بعشرات البرامج والمسلسلات، التي باتت تستخدم الإعلانات بشكل فج وممل، والمصيبة أننا في مجتمع تعيش أغلبية سكانه علي خط الفقر، وفيه يتم الإعلان عن مأكولات ومشروبات ومتنزهات تثير الحقد الاجتماعي في ظل شيوع الفقر والقهر، كما أن الإعلانات يقوم بها الأثرياء والسماسرة، ومعروف للجميع مصدر هذا الثراء والغني. باختصار – وكما يري المحللون – أن الإعلان يعد من أهم العوامل المسئولة عن انحراف ميديا الإعلام ؛ حيث باتت تتعامل بلغة الأرباح ومنطق السوق، وإبعاد الإعلام عن الرسالة الإعلامية الإنسانية التي من المفروض أن يقوم بها. ونصل إلي مهزلة المهازل، وأخطر معاول الهدم والتدمير لكل القيم والأخلاقيات، ناهيك عن تزييف الوعي، وإشاعة الإحباط واليأس، والتي تكرسها المسلسلات والبرامج التليفزيونية. فبالنسبة للمسلسلات – وكما يري أهل الاختصاص في النقد الدرامي – فإنها – وفي معظمها – تافهة ومكررة، وعليها يتنافس كبار الفنانين للحصول علي المبالغ الفلكية. أما البرامج فمنها ما يعمل علي نشر العهر والفجور، ومنها من يسخر من الضيوف ويدفعهم إلي العراك، والسب بأقذع الألفاظ. والمفزع في الأمر أن هناك بعضاً ممن يطلقون علي أنفسهم الخبراء والمثقفين والناشطين باتوا ضيوفاً دائمين علي القنوات الفضائية؛ لتحقيق المنافع المادية والشخصية والأيديولوجية، بل وتلتقي أفكارهم ودعواتهم مع ما تروج له القوي المعادية، ومن المضحكات المبكيات أن كثيراً من هؤلاء كانوا يعتبرون أنفسهم من المناضلين المدافعين عن كل الثوابت الوطنية والقومية، بل وصدعوا رءوسنا بشعاراتهم، فإذا بهم ينقلبون علي ما كانوا ينادون به، وهم في ذلك لا يعملون سوي مقايضة الأقلام، وزرع الأوهام والضرب علي كل الأوتار، والتعامل مع كل ما تري أن فيه ما يحقق مصالحها وأهدافها الرخيصة، وبات هؤلاء يشكلون الهيئات والمنظمات التي لا ولاء لها إلا للدينار والدولار في هذا الزمن الردئ. أما عن الخرافات وفتاوي الجمود والتخلف، والتي تتخلل البرامج والقنوات الدينية، فلا تقل فساداً وتدميراً للخلق المسلم، عن كل ما سبق وربما يزداد الخطر لأنه يتعلق بأعز ما نملك وهو ديننا الحنيف. عشرات المظاهر التي تؤكد أن من الإعلام ما يكرس الفساد ويدمر القيم والأخلاقيات، ولا حول ولا قوة إلا بالله..