وأقسي ما في هذا المخاض هو.. الارباك المتعمد للعقل العربي.. هذا العقل الذي تعقدت مشكلته وتقاطعت خطوطها حول حقيقة الإرهاب وأصله التراث المضيء» في السيرة الشعبية الهامة عن تغريبة بني هلال.. تري القحط وقد ضرب بني هلال فخاضوا تغريبة صعبة ممتدة بحثا عن أرض أو خلاص، ولم يكن الخلاص أو الميلاد الجديد لهم سهلا.. بل وكما أدرك الجيل الثالث في السيرة ان الصعاب ضرورة وأنه «لن تولد الجنة إلا من قلب الجحيم»!.. استلهمت السيرة في عملين مثلما حقق روايتها الشفهية بشروح هامة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنوي أطال الله عمره أقول إن الجيل الثالث أدرك ان القحط مرتبط بذلك في الاساس. رغم تشابه الحال مع عما نحن فيه إلا ان الصورة الآن أكثر تعقيدا.. عما صوره الوجدان الشعبي والدماء اكثر غزارة والشقاق والتمزق أحكم صنعه الشيطان بنفسه من أعلي قمة في العالم.. وإن المخاض الذي نعيشه مخاض عنيف.. وربما يكون اصعب مخاض عاشته مصر ومعها الكيان العربي الممتد حولنا ينتظر مازال بعثا جديدا.. تعلقت أسبابه بمصر وما تكون عليه، وأقسي ما في هذا المخاض هو.. الارباك المتعمد للعقل العربي.. هذا العقل الذي تعقدت مشكلته وتقاطعت خطوطها حول حقيقة الإرهاب وأصله.. بغض النظر عن اللعبة السياسية والأهداف والمطامع بل تتحدث عن نصيب الفكر الديني في صنع هذه الظاهرة الكارثية الإرهاب المجنون المتمدد وحول جوهر التراث الديني وكتبه، التي ظلت علي مدار قرون ترقد في قرار مكين وتتسلل الي عقول وأفئدة.. بل تلقي بظلالها علي وعي الجماعة الجماعة المصرية التي جبلت أصلا علي الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وجعل العقل المصري مثالا للوعي الصحيح رغم محاولات التشويه. واذا كان الأمر يبدو فيما سلف غير ذي خطر او مجرد خلاف في الرأي.. إلا أنه صار الآن الخطر بعينه.. حين تفجرت حقيقة مروعة امام الكافة.. وهي أن هذا الطوفان الذي تصاعدت أمواجه وتنوعت أسماؤه رغم سياقه الواحد الموجه. يروي صوته المهلك بالتكفير للكل حتي لو كان الجنس البشري بكل ملله ونحله وأجناسه وأعراقه متخذا لنفسه رداء من كل تأويل سقيم مغلوط لا أساس له في صحيح هذا الدين، وهو لا يسيء لروح الانسانية ويشكك في الطبيعة البشرية السوية فحسب، بل يسيء الي هذا الدين ويدمغه بما ليس فيه.. ولا تفسير لهذا الشذوذ الا بوجود ارتباط أكيد لهؤلاء بتآمر واسع يستهدف مصر والمنطقة العربية كلها استخداما لهؤلاء القتلة والمأجورين والمرضي.. وهو ما دفع رئيس الدولة المصرية الي ان يعلن بشجاعة عن خصومة مع كل من يساند هذا الفكر الخطر ومن يستخدمه رداء.. مستندا الي كل ما هو سقيم ملتو في كتب التراث. وبمثل هذا الوضوح نري أننا نرفض كل مزاعم الاصلاح وتنقية كتب التراث وما تردد عن قوافل للتوعية الدينية، اذ إن ذلك كله التفاف علي المطلب الحقيقي للدولة المصرية الآن وكريس لكل الإرث القديم في التواء.. وإذن.. نحتاج دروبا مباشرة للمواجهة.. نضع في مقدمتها التراث الآخر المنطلق من الروح الحقة للدين، والذي إعتاد من قاموا حراسا علي فكر التكفير والقتل للجميع.. اعتادوا علي اقصائه بالترهيب الدائم. واذا ما سمحت لنفسي بالتعرض والإشارة الي بعض رموز الاستنارة والتراث المضيء او بعض كتبهم فدعوتي في حقيقتها تتوجه الي كبار الباحثين ان يطرحوا هؤلاء وكتبهم علي العقل المصري وأن يقيموا جسورا حقيقية بين هذه الرموز وعقول عامة الناس.. سبيلا لدك معاقل الظلام. وإني أبدأ تلك المحاولة بذكر من أحسبهم في المقدمة من هؤلاء.. وهم من ابناء الأزهر الشريف، ومن تعرضوا في نفس الوقت للتنكيل والاضطهاد من نفر من داخل الازهر لمواقف اتخذوها أو لآراء أعلنوها وأظن أن الكل يعرف بشكل ما .. ما حدث مع نابغة مصر (الدكتور طه حسين)، وكذلك (الشيخ علي عبدالرازق) وسبقهما الي ذلك ما واجهه (الشيخ محمد عبده) حين أعلن حاجتنا الي تجديد الفكر الاسلامي وما قدمه من اجتهاد في هذا الصدد. ويظل كل رموز التنوير تصب جهودهم في تلك المواجهة من (عباس محمود العقاد) الي (لطفي السيد) وآخرين من رواد التنوير بشكل عام في الفكر المصري والعربي. وهناك في الحقيقة من يجدر بنا التوقف عندهم كثيرا لتعمد وضعهم في الظل مثل (رشدي فكار) وهو من خريجي السوربون وحصل هناك علي دكتوراه الفلسفة شأن (الدكتور الطيب الإمام الأكبر).. كان فكار أول مفكر من العالم الثالث.. بعد طاغور.. تقر الاكاديمية السوربونية به عضوا بأكاديمية العلوم.. وسنعود إليه لنرصد رحلته الفكرية من أجل الاستنارة وكشف الوجه المضيء للاسلام حتي وفاته عام 2000م. ما أشرنا اليه مدخل لحديث لاحق. «رموز