خريطة توضح القناة الجديدة التى ستنشئها الأردن وإسرائيل في هذا الوقت الحرج الذي تواجه فيه أمتنا العربية تحديات ومخاطر أكبر من أي وقت مضي وفي خضم بحثنا عن نقاط للتضامن والتوحد مجددا لإحياء العروبة الضائعة ، نصطدم بواقع أكثر قسوة لنجد أننا نسير في طريق آخر رسمه لنا الأعداء طوعا وبإرادتنا نحو الهلاك ونحو المزيد من التطبيع والمزيد من ضياع قضيتنا وقوميتنا العربية. هذا هو لسان حال كل عربي وهو يشهد توقيع اتفاقية مشبوهة بين الأردن وإسرائيل هي الأخطر منذ وقع البلدين اتفاقية وادي عربة للسلام عام 1994 حيث وقع الجانبان اتفاقا يقضي بالبدء في تنفيذ مشروع قناة البحرين التي ستربط بين البحرين الأحمر والميت وهو المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو 900مليون دولار ستدفعها الأردن وإسرائيل بالإضافة لمساعدات من الولاياتالمتحدةالأمريكية والبنك الدولي. ولا يمكننا هنا بأي حال من الأحوال أن ننظر للموضوع باعتباره مشروعا اقتصاديا تتعاون فيه دولة عربية مع إسرائيل أو أنه مشروع حيوي وضروري لإنقاذ البحر الميت كما تشيع اسرائيل منذ سنوات بل علينا أن نري الصورة علي حقيقتها من هذا المشروع السياسي الذي يضرب القضية الفلسطينية والعربية في مقتل. فإسرائيل التي تحلم منذ عقود بالاستيلاء علي تلك المنطقة المقدسة وفقا للنبوءة التي أطلقها مؤسس الفكر الصهيوني هرتزل. نجحت أخيرا في مسعاها للانقضاض علي ما بقي من الحقوق العربية والفلسطينية في مياه نهر الأردن والبحر الميت لترسم حدودها ببساطة مع الأردن ويضيع الحق الفلسطيني للأبد. صاحب الحق غائب وإذا نظرنا لبداية التفكير في هذه القناة والمساعي التي بذلتها إسرائيل منذ سنوات طويلة والتي انتهت بتوقيع الدول الثلاث: الأردن وإسرائيل وفلسطين علي اتفاق لإنشاء القناة في ديسمبر عام 2013 لإمداد هذه الدول بحصة من المياه وكخطة لإنقاذ البحر الميت من الجفاف سنجد أن الطرف الفلسطيني يغيب عن المشهد هذه المرة. فالتواجد الفلسطيني عام 2013 كان هدفا سياسيا وليس بحثا عن حصة جديدة من المياه التي سرقتها إسرائيل. فالمشروع الإسرائيلي الأردني سيعطي لفلسطين حصة هزيلة لاستخدامها في الشرب وليس لأي أغراض أخري. وستشتري فلسطين الماء الذي هو حقها التاريخي من شركات إسرائيلية لتحلية المياه. أي أن اسرائيل لم تكتف بسرقة الأراضي وموارد المياه الفلسطينية وتبوير الأراضي الزراعية خاصة في تلك المنطقة المعروفة بالأغوار بل ستبيع المياه للفلسطينيين وستستولي علي الحق الفلسطيني في مياه نهر الأردن والبحر الميت. أكذوبة جفاف البحر الميت وفقا لعدد من الدراسات العربية والدولية وحتي الإسرائيلية فإن مياه البحر الميت تنخفض بنسب ومستويات كبيرة في السنوات الأخيرة ولكن البحر الميت لن يجف قبل 500 عام من الان. وتتلخص أسباب نقص مياه البحر الميت وجفاف بعض أجزائه في سببين هما : السياسات المائية لدول حوض نهر الأردن والبحر الميت ( إسرائيل ، الأردن ، سوريا ،لبنان ) والاستيلاء علي الصناعات الاستخراجية المقامة علي البحر الميت ووفقا للإحصائيات فإن إسرائيل هي أهم أسباب جفاف نهر الاردن المصدر الرئيسي لمياه البحر الميت وذلك منذ استيلائها علي مياه النهر عام 1964. كما انها اكثر الدول استفادة من موارد البحر الميت. أي ان اسرائيل هي من صنعت المشكلة وتروج للاكذوبة من اجل انشاء القناة بزعم انها ستنقذ البحر الميت. في حين تشير الدراسات البيئية إلي ان دخول مياه البحر الاحمر للبحر الميت ستؤثر عليه بالسلب وستقضي علي خصائصه الطبيعية كما ستؤثر بالسلب أيضا علي خليج العقبة والبحر الأحمر. حلم قديم أم عقيدة؟ يرجع تاريخ فكرة انشاء قناة بين البحرين التي طرحتها اسرائيل عبر السنوات الماضية في صورتين هما قناة تربط البحر الميت بالبحر المتوسط وقناة تربط البحر الميت بالبحر الأحمر وهي في الاساس فكرة استعمارية طرحها الاحتلال الإنجليزي لفلسطين لأول مرة عام 1850 ثم رددتها الصهيونية العالمية وكتبها مؤسس الدولة العبرية تيودور هرتزل في كتابه "أرض الميعاد" عام 1902 واطلق عليه اسم مشروع قناة البحار، وحاول القادة الاسرائيليون تنفيذ الفكرة من مناحم بيجين وشيمون بيريز وارييل شارون وصولا لنتنياهو وكانت دائما الظروف السياسية والرفض العربي يقف في طريق تنفيذ هذا المشروع المشبوه. ولكن في عام 2011 اعلنت الاردن انها تدرس اقامة المرحلة الأولي من المشروع وبدأت الاتفاق مع ست شركات محلية للتنفيذ. وفي عام 2012 اعلن البنك الدولي ان الاخطار البيئية المترتبة علي المشروع يمكن السيطرة عليها. وفي ديسمبر عام 2013 وقع اتفاق مبدئي بين الاردن واسرائيل وفلسطين علي تنفيذ المرحلة الاولي من المشروع في ظل حالة الفوضي التي تعم الوطن العربي الذي انشغل بأوضاعه الداخلية ولم يتصد هذه المرة لاسرائيل. ووفقا للمحللين فان اسرائيل ليست بحاجة للمياه التي سينتجها هذا المشروع، حيث تمتلك محطات ضخمة لتحلية مياه البحر الأبيض المتوسط علي امتداد الساحل فماذا تريد إسرائيل ؟ أولا القضاء علي اي مشروع فلسطيني لاقامة دولة فلسطينية بسيطرتها علي الحدود التي تربط السلطة الفلسطينية في الضفة بالاردن. ثانيا تخطط اسرائيل لانشاء محطات نووية جديدة بطول القناة وتزعم انها للاستخدامات السلمية. ولأنه مشروع سياسي لم تخف اسرائيل رغبتها القديمة ايضا في انشاء قناة تربط البحر الميت بالبحر المتوسط ذلك المشروع الخبيث الذي يهدف ايضا لضرب الملاحة في قناة السويس وإذا كنا نتحدث ان الظروف لم تكن مواتية سابقا لكي تحفر اسرائيل هذه القناة لانها لم تكن تسيطر علي هذه المساحات الشاسعة من الاراضي المحتلة فهي لن تحتاج ان تستشير احدا اليوم لو قررت حفر قناة داخل الاراضي المحتلة وصولا للبحر المتوسط كي تحقق حلما آخر بمحاربة مصر التي سيصبح لديها قناتان في السويس.