مش تبع مخلوق يا سيدنا البيه..أنا حر في اللي يقول ضميري عليه..وإن كنت تحكم جوه ملكوتك..الشارع الواسع فاتح لي إيديه..»..كثيراً ما أردد بيني وبين نفسي هذه الكلمات الرائعة والمُعبرة للعظيم صلاح جاهين, وخاصة عندما أشعر بأي محاولة للعدوان علي حريتي أو حرية غيري..فالحرية في رأيي هي الحياة ومَن يقبل انتهاك حريته أو تقييدها, ليس سوي عبد أو مملوك لا يستحق الحياة..أما حرية التعبير فإنها أم الحريات وهي ليست ضرورة كقيمة في حد ذاتها فقط باعتبارها حقاً اساسياً من حقوق الإنسان, بل أيضاً لأنها شرط جوهري لضمان تحقيق الحريات وحقوق الإنسان الرئيسية الاخري..وقد نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 19 من كليهما.. وعلي مستوي الأفراد تُعد حرية التعبير شرطاً رئيسياً لتنمية شخصياتهم وقدراتهم وضمان كرامتهم وإثراء حياتهم..إذ أن حرية التعبير تُمكِن الناس من إدراك ما يحيط بهم وفهم العالم الأوسع من خلال تبادل الأفكار والمعلومات مع الآخرين ما يجعلهم أكثر قدرة علي تخطيط حياتهم وأعمالهم.. وعلي مستوي الأوطان تُعد حرية التعبير ضرورة لازمة للحكم الرشيد وللتقدم الاقتصادي والاجتماعي..وقد حاول المفكر والمُصلح العربي الكبير عبد الرحمن الكواكبي أن ينبهنا إلي أن قمع الحرية من طبائع الاستبداد وأن ذلك من شأنه أن ينحدر بالمجتمعات إلي درك الانحطاط إذ يحاول الحاكم المستبد دوماً أن «يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم.....فهو عدو الحق وعدو الحرية وقاتلهما, والحق ابو البشر والحرية أمهم..».. وقبله أكد رائد التنوير ومؤسس الثقافة المصرية والعربية الحديثة رفاعة رافع الطهطاوي أن « حقوق الفرد هي الحرية..حرية الرأي وحرية التعبير وحرية اختيار الحاكم وحرية اختيار من يمثلونه في المجالس النيابية «..بل إن الطهطاوي ذهب إلي ان الحرية هي التي «تخلق الوطنية», ويري أن الوطنية تعتمد علي صلة المكان والأرض إذ يقول في كتاب «مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية «إن كل ما يربط المؤمن بأخيه المؤمن في العقيدة, يربط أيضا المصري بأخيه المصري في الوطن, لأن رباط الوطن يأتي قبل رباط الدين»..وبهذا يكون الطهطاوي هو أول من أرسي فكرة المواطنة بمفهومها الحديث, وهذا هو أحد أهم أسباب هجوم التيارات المتأسلمة عليه.. كذلك كانت الحرية أحد شعارات ثورة 25 يناير وموجتها الكبري في 30 يونيو..عندما هتفت الجماهير في الشوارع والميادين «عيش..حرية..عدالة اجتماعية..كرامة إنسانية»..ومن سُخريات القدر أن العديد من الشباب الذين فجروا هذه الثورة الأعظم في تاريخنا, تم إلقاؤهم في غياهب المعتقلات بينما خرج للحرية رموز دولة الفساد والاستبداد والقمع التي أقامها مبارك!!.. ولستُ في حاجة إلي القول إن حرية التعبير هي الضمانة الأكيدة لتحقيق أهداف الثورة وبناء الوطن الذي نحلم به.. وطن حر يقاوم الفساد ويتمتع بالشفافية وتعدد الآراء واحترام المعارضة ومنحها أكبر مساحة ممكنة لممارسة حقها الدستوري في النقد البناء وكشف أوجه الفساد..والحكم الرشيد هو مَن يحرص علي الرأي الآخر ويدعمه بكل السبل, بل ويستحدثه من عدم إن لم يكن موجوداً, ليُهدي اليه أخطاءه فيتعرف علي مواضع خطاه ونتائج سياساته لأن الموالين لن يقولوا له إلا ما يُرضيه, وفي ذلك مصارع ونهايات النظم المستبدة.. والخلاصة أنه لا نهضة ولا إصلاح ولا تقدم دون ضمان حرية التعبير وتحصينها وتلك مهمة الصحفيين والإعلاميين في المقام الأول, ولعل انتخابات نقابة الصحفيين الوشيكة تكون فرصة لانتخاب مجلس ونقيب يتفرغون لهذه المهمة المقدسة ويرتفعون بالنقابة والمهنة فوق المصالح الخاصة ويبعدونها عن سطوة وتحرشأصحاب رءوس الاموال من مالكي الفضائيات والصحف الخاصة..