مهام المرحلة الحالية في السعودية، استعادة شباب المملكة، وبعث الحيوية في مفاصل الدولة، وإعادة صياغة أولوياتها الاستراتيجية التغييرات التي تتم في السعودية، وبشكل متسارع، وغير معهود من قبل طوال تاريخها، حقيقة لا تخطئها عين المراقب. رغم أن هناك من السوابق التاريخية، ما يؤكد الحرص علي الاستقرار، والثبات المستمر في سياساتها علي المستوي الداخلي أو الخارجي، مع الإقرار بوجود بصمة وأسلوب لصاحب القرار ومتخذه، ونقصد هنا خادم الحرمين الشريفين، ومن هنا فالطبيعي أن تختلف إدارة الحكم في زمن الملك عبد الله، عن المرحلة الحالية للملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تولي الحكم في أحد أصعب الفترات التي مرت بالمملكة، علي أكثر من صعيد، اقتصاديا انخفضت أسعار النفط إلي أقل من 50 دولارا للبرميل، مع تحديات سياسية ومخاطر استراتيجية متعددة ومتنوعة، وفي أكثر من اتجاه، يكفي الملفات المفتوحة في المحيط الإقليمي للمملكة، وقد استطاع الملك سلمان، وفي أقل من شهر، التعامل وبسرعة ملحوظة، في إبراز أن هناك جديدا في المملكة، ومن ذلك النجاح الملحوظ في عملية إرساء دعائم انتقال المسئولية، إلي جيل أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز، حيث يتصدر المشهد السعودي الآن، اثنان من الأمراء الشباب، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف والذي احتفظ بوزارة الداخلية، والأمير محمد بن سلمان الذي عين وزيرا للدفاع، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن كل المؤشرات تؤكد، أن توجه الملك سلمان يسير في اتجاهين أساسين: الأول : إعادة ترتيب البيت من الداخل، من خلال 34 أمرا ملكيا، صدرت في يوم واحد، جسدت تلك التغييرات المهمة والسريعة، في عدد من مؤسسات الحكم، حيث تم اقتصار المجالس العليا من 12 مجلسا إلي اثنين فقط، أحدهما للشئون الأمنية والسياسية برئاسة الأمير محمد بن نايف، والثاني للشئون الاقتصادية والتنمية، ويتولاه الأمير محمد بن سلمان، ويضاف إلي ذلك السرعة التي تم بها إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة، والملمح الأهم فيها، إن متوسط أعمار الوزراء وصل إلي 50 عاما، ومن بينهم ثلاثة من الوزراء في الثلاثينيات، و12 وزيرا في الأربعينات، و14 في الخمسينات، و7 فقط من تجاوز تلك المرحلة، وتم الإبقاء علي عدد محدود من أصحاب الخبرات المتراكمة، وفي مجالات حساسة ومنها وزارة البترول، بالإضافة إلي تعيينات جديدة في أمراء المناطق، وعدد من الوظائف المهمة، مما يؤكد التوجه لتصدر الشباب المشهد، وتوليهم المسئولية في المرحلة الحالية والقادمة. الثاني : إعادة ترتيب الأولويات الخارجية، ولا يعني ذلك علي الإطلاق، أن هناك ملامح سياسية خارجية جديدة للمملكة، ومن مؤشرات ذلك، احتفاظ الأمير سعود الفيصل بمنصبه، كأقدم وزير للخارجية في العالم، دون أن ينفي ذلك أن هناك رؤية جديدة لتلك الأولويات، في ضوء فهم مختلف، للتحديات والمخاطر التي تواجه المملكة، وفي مقدمة ذلك، محاوله إعادة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا، فلم يعد خافيا علي أحد أن السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت توترا في العلاقات ببن البلدين، حول العديد من الملفات، وفي المقدمة منها مصر والبحرين، فلم تكن المواقف متطابقة، بل شابها تناقض جوهري، يضاف إليها تلكؤ واشنطن في التعامل بالجدية المطلوبة، في ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، أو لعب الدور الواجب في إحداث التغيير المنشود في سوريا، بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوري، والهرولة الأمريكية باتجاه إيران، دون إدراك لمخاطر ذلك، علي العلاقات المستقرة مع المملكة بصفة خاصة، ومنطقة الخليج بصفة عامة. ويبدو أن واشنطن هي من قامت بالخطوة الأولي، من خلال حرص أوباما علي اختصار زيارته للهند، وذهابه إلي الرياض لتقديم واجب العزاء، مع وفد يضم أكثر من 30 شخص، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومسئولين سابقين، بعضهم مازال له علاقات وثيقة مع الرياض، مثل جون ماكين وجيمس بيكر وكوندليزا رايس. الزيارة تم خلالها إعادة الاعتبار إلي العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وهو ما كان واضحا في تصريحات الوفد المرافق، عندما تحدث بيكر علي ضرورة، أن « نظهر للسعوديين الأهمية التي نوليها لهم، خاصة وأن المملكة هي واحة استقرار في شرق أوسط، يبدو في كل شئ ينهار «. ماكين كان الأكثر وضوحا عندما تساءل مستنكرا، « لماذا نستبدل الحلفاء الخليجيين بحلفاء إيرانيين غير موثقين «، واعتبر أن المملكة تبدو كحصن منيع، أمام مساعي إيران، لبسط نفوذها في سوريا، والعراق ولبنان واليمن والبحرين «. ويأتي في إطار إعادة ترتيب الأولويات، تصدر الخطر الإيراني تجاه المملكة، والتعامل معه كأولوية قصوي، فرغم أن هناك رغبة من الحكومة والرئاسة في إيران في إقامة علاقات طبيعية، تم التعبير عنها في برقية التعزية، التي بعث بها حسن روحاني، أو تصريح وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي قام بزيارة الرياض لتقديم واجب العزاء بأنه «يأمل من العهد الجديد في السعودية، أن يتبني حوارا حقيقيا بين البلدين، حول كافة القضايا». إلا أن تعدد مراكز اتخاذ القرار. وتحكم المتشددين ونفوذهم في كل مفاصل الدولة، يجعل من الصعوبة بمكان، تصور تطبيع العلاقات بين البلدين، خاصة وأن كل ممارسات إيران، تشير إلي رغبتها في بسط نفوذها علي المنطقة العربية، خاصة المحيطة بالسعودية، وليس ما يجري في اليمن مؤخراً ببعيد.