يري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الولاياتالمتحدةالأمريكية خدعت بلاده عندما تعهدت بأن حلف الأطلنطي لن يزحف ويتمدد في اتجاه أوروبا الشرقية إذا انسحب الجيش الأحمر - السوفيتي - من هناك، غير أنها استغلت الانسحاب الروسي لكي تدفع بحلف الأطلنطي إلي أبواب موسكو الأمامية. ثم.. لماذا يستمر حلف الأطلنطي إذا كانت الحرب الباردة قد انتهت وتم حل حلف وارسو، الذي كان يضم دول الكتلة الشرقية، ولماذا تواصل الولاياتالمتحدة سباق التسلح وتطوير ترسانتها النووية إذا كان الاتحاد السوفيتي قد اختفي من الوجود؟ وهناك ما يسمي بالدرع الصاروخي الأمريكي - الأطلنطي الموجه إلي روسيا وتعزيز الوجود العسكري في دول البلطيق وعدد من دول أوروبا الشرقية وإقامة قواعد عسكرية في لاتفيا وليتوانيا واستونيا ورومانيا وبولندا ونشر أربعة آلاف جندي في تلك القواعد وتشكيل «قوات الانتشار السريع» والسعي لتحويل أوكرانيا - ثاني أكبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق - إلي «الخط الأمامي للمواجهة» عن طريق إلحاقها بحلف الأطلنطي. وهذه الخطوات تهدد الأمن القومي الروسي، وتعني محاصرة روسيا بسلسلة من القواعد الأطلنطية - الأمريكية لتغيير الوضع الجيو-سياسي لها.. وحولها.. ولاحتواء قدرات روسيا المتنامية.. بل لتفكيك روسيا وتمزيق أوصالها، كما حدث في السيناريو اليوغوسلافي. وهنا يعلن بوتين، بكل ثقة، انه لن يكون في مقدور أحد أن يحقق تفوقا عسكريا علي روسيا، وقد أسفرت «سياسات التدخل العدوانية الأمريكية» عن «زعزعة استقرار العراق وليبيا وسوريا» وتسببت - فيما يري بوتين - في ظهور منظمات إرهابية هي «القاعدة» و«طالبان» و«داعش». لذلك وقع بوتين في مطلع هذا العام علي النسخة الجديدة للعقيدة العسكرية الروسية لتحل محل النسخ الصادرة في أعوام 1993 و2000 و2010 لمواجهة «ظهور تهديدات جديدة لروسيا» الأمر الذي أصبح واضحا في أوكرانيا وحولها والأحداث في شمال افريقيا وسوريا والعراق وأفغانستان؟ الآن تشعر روسيا بالغضب والإهانة من تصرفات واشنطن، وأصبحت تري ان أمريكا هي مصدر لكل الشرور في العالم وتعمل علي تقويض الاستقرار في مختلف القارات بهدف الهيمنة المطلقة والمنفردة علي العالم ولذلك يدعو بوتين إلي نظام عالمي جديد يقوم علي قواعد جديدة تضع نهاية لنظام القطب الواحد وللحرب الباردة التي تشعلها واشنطن من جديد وتفرض أحكام القانون الدولي. واليوم تجددت في الأذهان ذكريات روابط وثيقة جمعت بين مصر والاتحاد السوفيتي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وكانت لها ثمارها الباقية، وتعود الحرارة إلي علاقة تعيد التوازن إلي المنطقة. كلمة السر : القرار المصري المستقل.