وجاء انعقاد مؤتمر نحو استرتيجية لمواجهة التطرف في ظل مرحلة فارقة تمر بها المنطقة العربية، التي باتت تشهد تحديات جمة إثر الثورات الشعبية في بعض الدول. ما يربو علي مائتي وخمسين مثقفًا من العالم العربي، وكتاب وصحفيين، واساتذة الجامعات ورجال الأزهر والكنيسة ومسيحيين ومسلمين التقوا علي مدي ثلاثة أيام بقاعات واروقة مكتبة الاسكندرية لبحث ومناقشة ظاهرة التطرف التي لاحت بوادرها تطل علينا بقوة في العالم العربي. المشاركة في مؤتمر (نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف) جاءت بشكل عكَس تنوعًا عربيًّا ثريًّا سواءً في الانتماءات السياسية والفكرية، أو المعتقدات الدينية، أو الشريحة العمرية أو النوعية، وقدَّم نموذجًا يُحتذي في الحوار البنّاء القائم علي احترام الاختلاف، والتنوع الخلاّق، وقبول الآخر، وهو ما ينبغي أن يكون عليه منهج التفاعل مع قضايا الثقافة العربية في منأي عن التشدد والغلو، وتصلب الفكر، ورفض التنوع، وإقصاء المختلف.. جاء انعقاد المؤتمر في ظل مرحلة فارقة تمر بها المنطقة العربية، التي باتت تشهد تحديات جمة إثر الثورات الشعبية في بعض الدول، وظهور تنظيم «داعش» الذي يرتكب أبشع الممارسات في حق الإنسانية تحت شعار الإسلام، وتصاعد خطاب التطرف والكراهية دينيًّا ومذهبيًّا وسياسيًّا، وانجراف شعوب بعض الدول إلي حروب أهلية، أو في نزاعات قبلية وجهوية قديمة يجري إحياؤها من مرقدها، واستشراء مظاهر الاستقطاب في عدد من المجتمعات العربية علي أسس مذهبية ودينية وعرقية بما يحمل في ذاته نُذر التقسيم الجغرافي، وتهديد الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين علي اختلافهم وتنوعهم. مناقشات وحوارات شهدتها الجلسات العامة واللجان المتخصصة بهدف الوصول إلي وضع تصور لاستراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف، ووضع توصيات محددة في ورقة عمل تطرح علي القمة العربية القادمة بمصر في نهاية مارس القادم. ورأي المشاركون أن التطرف له أسباب عديدة، من أهمها التعليم والتنشئة الاجتماعية علي ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدي وانتفاء ثقافة المشاركة، والخطابات الدينية المتعصبة المجافية لروح الأديان، والفقر والأمية والجهل نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية، والشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، وتنامي دور قوي فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات في إذكاء التطرف، وغياب قادة ورموز الفكر القادرين علي مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي. لم يكتف المشاركون بتشخيص الحالة بل وضعوا تصورا لمواجهة حالات التطرف لرفعها إلي القمة العربية القادمة بمصر، مؤكدين علي اهمية تصدي المؤسسات الدينية للمفاهيم التي تروج في المجتمع خاصةً بين الشباب، وفي مقدمتها التفسيرات المشوهة لمفهوم الجهاد والردة ووضع المرأة، والدعوة إلي تغيير الأوضاع القائمة بالعنف والخروج عن دولة القانون والمؤسسات، وفتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة، وتشجيع الأعمال الفنية الراقية التي تهدف إلي النهوض بثقافة النشء وتنمية المواهب وصقلها في المؤسسات التعليمية والثقافية بشكل منهجي منظم، وتشجيع نشر الفنون واكتشاف المواهب الخلاقة، وتدشين «مرصد لمجابهة التطرف» بمكتبة الإسكندرية علي غرار مرصد الإصلاح العربي لمواجهة فكر التطرف، وتجميع المبادرات الثقافية الرامية لمواجهته.. ومن بين ما اكدوا عليه الدعوة إلي توحيد نظم التعليم علي الأقل في مرحلة التعليم الأساسي – ومنع الازدواجية والاعتماد علي التوازن المعرفي بين العلوم الطبيعية والإنسانية وتربية وجدان النشء علي تكوين المهارات الإبداعية والفنية، وترسيخ ثقافة الديمقراطية، وتحديث النظم التعليمية، ووضع برامج لتطوير القدرات الإبداعية في التعليم (الموسيقي والتصوير والشعر والمسرح والأدب).