مصر غنية بسماحتها ووسطيتها وقدرتها علي نفي الخبث عنها، وقد استقت هذه الوسطية من حضارتين عظيمتين، أولهما: الحضارة الإسلامية والحضارة المصرية القديمة والحديثة ويتركب هذا السؤال من شقين: الأول: لماذا نحب مصر كل هذا الحب؟ ولماذا نتفاني في الدفاع عنها كل هذا التفاني؟ ولماذا نعد الدفاع عنها واجبا شرعيا ووطنيا؟ ولماذا كل هذا التخوف علي مستقبلها أو المساس بها؟ أما الشق الثاني: فلماذا كل هذا الاستهداف وكل هذه المؤامرات التي تحاك لها والأشواك التي توضع في طريق نهضتها ورقيها وتقدمها؟ أما عن الشق الأول فلأن مصر هي القلب النابض للعروبة والإسلام، وهي درع الأمة وسيفها، وهي رأس الحربة الآن في قوي الممانعة العربية والإسلامية معا، فهي تدافع عن أمن أمتها واستقرارها بكل ما أوتيت من قوة، فجميع الشرفاء من أبنائها علي أقصي درجات الاستعداد للتضحية بدمائهم وكل ما يملكون في سبيل عزتها وكرامتها وعزة أمتنا العربية وكرامتها، وكما أعلن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية من أن أمن مصر من أمن أمتها العربية، وأمن الأمة العربية جزء لا يتجزأ من أمن مصر، أما أمن دول الخليج العربي الأكثر استهدافا فهو خط أحمر. مصر التي يعرف العالم قدرها وقدر شعبها والإمكانات والثروات الطبيعية التي لم يستغل أكثرها، سواء في ثرواتها المعدنية في كثير من المناطق أخصها ما يعرف بالمثلث الذهبي «القصير– سفاجا– قفط «، أم بثرواتها الأثرية ومعالمها الحضارية والسياحية، أم المشروعات المستقبلية الكبري: كمشروع قناة السويس، وتطوير الساحل الشمالي، واستصلاح مليون فدان كمرحلة أولي في استصلاح أربعة ملايين فدان. مصر غنية بموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية التي لم تُكتشف بعد، سواء فيما يعرف بالمثلث الذهبي (القصير سفاجا قفط) أم بمشروع قناة السويس بأبعاده التنموية الشاملة، أم بتنمية الساحل الشمالي، أم باستغلال الموارد الطبيعية في سيناء، وأخصها الرمال ذات الطبيعة الخاصة، والسياحة : الدينية، والعلاجية، والصحراوية، والترفيهية. مصر غنية بعقول علمائها المشهود لهم بالسبق والتفوق في أفضل جامعات العالم ومعاهده العلمية والبحثية. مصر غنية بقيمها الحضارية والأخلاقية والإنسانية، ومروءة أبنائها وشهامتهم، وصبرهم وجلدهم وكفاحهم، وقوة تحملهم، وقدرتهم علي مواجهة الصعاب والتحديات، فهي غنية برجالها ونسائها، وشيوخها وشبابها، ومفكريها، ومثقفيها، وإعلامييها، وصناعها، وعُمَّالها، لا ينقصها فكر ولا عقل، ولا سواعد قادرة علي حمل الوطن والتقدم به إلي مصاف الأمم الراقية. مصر غنية بسماحتها ووسطيتها وقدرتها علي نفي الخبث عنها، وقد استقت هذه الوسطية من حضارتين عظيمتين، أولهما: الحضارة الإسلامية السمحة التي لا تقر التشدد ولا التطرف ولا الغلو، ولا العنت، فهي قائمة علي اليسر ورفع الحرج؛ حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة :184) ويقول سبحانه: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " (الحج : 77)، وحيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : "إن الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه" ( أخرجه البخاري)، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" (متفق عليه). والسماحة الأخري استمدتها من الحضارة المصرية القديمة والحديثة معا، فالشخصية المصرية لم تعرف عبر عصور تاريخها الممتد والعريق بالغلو أو التشدد أو التجاوز أو الاعتداء علي الآخرين، ومن مزيج هاتين الحضارتين العظيمتين أنتجت الحضارة المصرية حضارة خاصة ذات طبيعة خاصة تكاد تكون فريدة في يسرها وسماحتها، وهي في حالة نقاء وإفراز دائم ونفي مستمر لكل ألوان التشدد والغلو، فهي بطبيعتها وتكوينها لا تقبلهما ولا يمكنها التعايش مع أي منهما، فهما بالنسبة لها كالجسم الغريب، أو العضو المزروع قسراً في جسد لا يمكن أن يتقبله. ألا يستدعي كل ذلك منا أن نضحي في سبيلها، وأن نعمل علي نهضتها ورقيها ؟ وبخاصة في ظل المؤامرات التي تحاك من أعدائها، هؤلاء الأعداء الذين يريدون من محاولات كسر مصر كسر إرادة أمتنا العربية وتمزيقها وتفتيت كيانها أو علي أقل تقدير هز أمنها واستقرارها لصالح أمرين، أحدهما: القوي الاستعمارية الطامعة في نفط المنطقة وخيراتها، والآخر: صالح العدو الصهيوني كي يكون هو وحده دون سواه العدو الأكثر قوة وعدة وعتادًا في المنطقة كلها. كما أنهم أيضا يريدون تشويه صورة الإسلام في إطار سياسات غير معلنة تجاه الخوف منه، واتخاذه عدوا يوحدهم لمجابهته، فتتخذ بعض القوي الدولية من تلك الجماعات المنحرفة أذرعًا لها لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية من جهة، وجعلها وسيلة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في حرب أيديولوجية من جانب واحد من جهة أخري، وإلا فما سر الحماية الدولية التي تحتمي بها هذه المنظمات الإرهابية، ولا نجد رغبة دولية حقيقية في القضاء علي الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تعبث بأمن منطقتنا واستقرارها، بل علي العكس فإننا نجد حماية ممنهجة لها، سواء أكانت تلك الحماية معلنة أم غير معلنة أم حتي لو كانت صمتا عن جرائم هذه الجماعات والتنظيمات، وقد عقبت علي حادثي سيدني باستراليا والمدرسة العسكرية بباكستان بأننا حذرنا قبل من أن الإرهاب يأكل من يدعمه ويموله، واليوم نضيف بعدًا آخر نؤكد فيه أن الإرهاب يأكل من يدعمه والصامتين عليه والمترددين في مواجهته، لأننا في زمن يستوي فيه الداعم للإرهاب والصامت عليه، فقد جمع القرآن الكريم في العقوبة بين المرتكبين للجرم والساكتين عنه، فقال سبحانه: « واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَي رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ « (الأعراف : 163-165)، فالنجاة فقط كانت لمن ينهون عن السوء، أما العقوبة فشملت الفريقين الأخيرين المخالف لشرع الله والصامت علي مخالفته، فهؤلاء ظالمون بإجرامهم وهؤلاء ظالمون بصمتهم، ونقول : لقد آن الأوان لأن يرفع كل الشرفاء صوتهم عاليا وبلا تردد في مواجهة الإرهاب والقتل والتكفير والتفجير، وكل ألوان العنف والتشدد والإرهاب والتخريب والتدمير.