ضمن أجهزتنا الرقابية التي يصل عددها إلي أكثر من 51 جهازا رقابيا.. يأتي »جهاز الكسب غير المشروع« التابع لوزارة العدل في مقدمة الأجهزة الأخطر والأعظم بعد جهازي الرقابة الإدارية والمحاسبات. الأهمية والخطورة تأتي من انه جهاز قضائي يتبع وزارة العدل المسئولة عن شئون العدالة في بلدنا.. وانه أيضا يتولي مهمة الفحص والتحقيق فيما ترسله إليه الجهات الرقابية الأخري من تقارير وإقرارات للذمة المالية.. وما يرد إليه من شكاوي موثقة حول جرائم التربح والتكسب.. والرشوة والعمولات.. والفساد واستغلال النفوذ.. وغيرها من جرائم المال العام التي قد يرتكبها من يتولون وظائف عامة في جميع أجهزة الدولة.. وأيضا المنتخبون والمعينون في الأحزاب والبرلمان بمجلسي الشعب والشوري.. وكذا الوزراء والمحافظون ونوابهم.. وأصحاب الوظائف العليا.. حيث يلزمهم قانون الجهاز ان يقدموا »اقرارات ذمة مالية« قبل تولي مناصبهم.. وعند خروجهم منها أيضا.. وذلك لإحالة أي مخالفات تشكل جرائم مال عام إلي القضاء.. أو لإبراء ذمتهم المالية من أي شبهة كسب غير مشروع. هذا الجهاز الخطير ومنذ أنشيء في السبعينيات وعلي مدي سنوات قام بدور مهم وخطير في تتبع الثروات والكسب غير المشروع لأصحاب الوظائف العامة.. وقدم الكثير من الملفات إلي المحاكم.. وساهم في حماية المال العام من أي محاولات للعبث بثرواته. أفضل نجوم القضاء الذين تشرف الجهاز برئاستهم له.. كان المستشار أحمد الغنام.. الذي أعطي له دورا يليق به في متابعة الأجهزة الرقابية.. والتعاون معها.. والضغط عليها للحصول علي تحريات ومعلومات موثقة حول ملفات كثيرة.. وسانده الإعلام في تسليط الضوء علي عمله وإنجازاته.. حتي فوجيء الرجل بوزير العدل في ذلك الوقت يستدعيه.. ويشكره علي جهده وإنجازاته ويطلب منه اختيار أحد أجهزة الوزارة الأخري لينقل إليها.. بحجة الاستفادة من علمه وخبرته.. فاختار ان يعود إلي منصة القضاء مرة أخري باعتبارها المنصب الأعلي والأكثر سموا بعدما أدي دوره وارتاح ضميره! بعدها ومنذ التسعينيات وحتي الآن لم نسمع صوت الجهاز الذي يدفع مواطنو المحروسة تكاليف وأعباء ميزانيته.. بل ولم نعرف حتي أسماء مستشاريه ممن كان لهم شرف تولي رئاسته.. واختفي دوره وسط زحام الخصخصة.. والانفتاح الاقتصادي.. والسوق الحر.. ولم نسمع صوته حتي في الادعاءات المثارة حول تشابك المال العام مع شريكه الخاص.. وضياع الحقيقة في هذه القضية المهمة.. التي أصبحت تؤرق الجميع.. وتهز ضمائرهم خوفا علي مستقبل بلدنا! السؤال المهم لوزير العدل.. هل ضلت ملفات الأجهزة الرقابية طريقها إلي جهاز الكسب غير المشروع؟! وهل يتابع اقرارات وحالة الذمة المالية لاصحاب الوظائف العليا ونواب البرلمان؟! أم تغيرت وظيفته.. وأصبح اسمه الآن »الكسب المشروع«؟!
عدد من فقهاء القانون في الحزب والبرلمان.. وآخرهم النائبة جورجيت قلليني التي كانت ضمن فريق التشريع في وزارة العدل قبل تعيينها في البرلمان.. طالبوا الدولة بإصدار قانون ينظم كيفية التعامل وإدارة الأصول المملوكة للوزراء أثناء عملهم في الحكومة! السادة فقهاء القانون.. المادة (851) من الدستور تنص صراحة وتحديدا علي انه لا يجوز للوزير أثناء توليه منصبه ان يزاول مهنة حرة.. أو عملا تجاريا أو ماليا.. أو صناعيا.. أو ان يشتري.. أو يستأجر شيئا من أموال الدولة.. أو ان يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله.. أو يقايضها عليه. المطلوب.. هو تفعيل المادة الدستورية فقط لأنها تنظم فعلا العلاقة بين المال العام والخاص دون التفاف أو مواربة.. وبالتالي فلا حاجة لإعداد قانون جديد.. ولا نصوص أخري حتي يمكن الحساب والمحاسبة حول أي مساس بالنص الدستوري الذي يمنع الشراكة بين المال العام والخاص!!