بائع المناديل إبراهيم الوردانى .. أنا مش متسول التقيته في مدخل إحدي محطات مترو الأنفاق، يتوكأ علي عكازين، يستند بظهره علي الباب الحديدي لمدخل المترو، يمسك بيده أكياسا صغيرة لمناديل ورقية يشاور بها لكل من يهبط الدرج في طريقه إلي المحطة وهو يقول «مناديل.. مناديل.. مناديل»، استوقفني انه لا يجبر أحدا علي الشراء منه، ولا يطلب حسنة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا يستخدم أسلوب «الرزالة» علي من يمر من أمامه، اقتربت منه وسألته عن اسمه فقال «اسمي إبراهيم الورداني»، أبلغ من العمر 35 عاما من مدينة طنطا، كنت أعمل بائعا متجولا داخل قطارات وجه بحري .. وذات مرة أردت أن أعبر من عربة لعربة من الداخل فزلت قدمي وسقط أسفل القطار، لم أشعر بما جري لي إلا في المستشفي علي ساقي التي تم بترها بالكامل حتي ما تحت الركبة، من يومها وطعم الحياة تغير تماما بالنسبة لي .. مشكلتي أني ما تعلمتش في صغري وخرجت من المدرسة، ومحدش علمني حرفة أو صنعة، طلعت لقيت نفسي بياع أرزقي «بتنطط» في القطارات عشان أجيب لقمة العيش وأصرف علي والدتي اللي تركت طنطا بعد الحادث اللي اتعرضت له وراحت تعيش مع أختي اللي متجوزة في امبابة «ويضيف» أخواتي الثلاثة الاخرون أرزقيه بيسرحوا بخضار وفاكهة، وواحد بيبيع حب العزيز.. ومشكورين بيساعدوا والدتي وأنا مش طالب مساعدة من حد لأن كل واحد عنده همه واللي فيه مكفيه». وأضاف إبراهيم : «كنت متجوز وعايش في تلا منوفية، ولما حصلت لي الحادثة طلقت مراتي وأنا ما انجبتش منها.. وبتنقل الان ما بين تلا والمنيب اللي قاعدة فيها أمي مع أختي، لما ربنا بيرزقني بروح أساعد والدتي باللي فيه القسمة». أمنيات إبراهيم الورداني بسيطة جدا كما يقول، فقد سعي للحصو ل علي معاش من الدولة بعد بتر ساقه، وقدم كل الأوراق المطلوبة في مكتب المعاشات بطنطا، وظلت الأوراق تنتقل من موظف لموظف، ودخل في مسلسل من «فوت علينا بكره»، و «روح واحنا ها نبقي نبعت لك» أكثر من عام ونصف ولم يتصل به أحد لدرجة انه فقد الأمل في المعاش، ذهب في نفس التوقيت لعمل ساق تعويضية علي نفقة الدولة، قدم الأوراق المطلوبة وشهادة بتر ساقه ومن يومها ولم يتلق اجابة تفيد أن الجهاز المطلوب قد تم تدبيره له لدرجة أنه نظر لي بأسي قائلا «وزي ما حضرتك شايفه واقف علي «فرد» واحدة ما أقدرش اتنقل بدون العكازين.!!» وقبل أن أتركه قال إبراهيم: أنا والله ما بتسول.. أنا ببيع مناديل.. اللي بياخد «باكو» ويديني تمنه يبقي كتر خيره.. لكني مش بأجبر حد انه يشتري وأن ما عملتش كده قولولي ها أكل منين؟!!»