منذ القدم اهتم الإنسان بموضوع المستقبل واستشراف شئونه، فالمستقبل بأي شكل لم يكن وليد الصدف والمعجزات والغيبيات، بل هو وليد الإنسان وفعله ومسألة العناية بالمستقبل تتأكد علي مستوي الافراد والمجتمعات، ولعل هذا التأكيد هو الذي يبرز أهمية أن يكون للإنسان مستقبليات بمعني فهم المعطيات والعوامل المتوفرة لفهم الغد، وبالتالي فإن المستقبلية التي نقصدها، هي التي تعتمد علي معطيات الواقع ووقائع الحال. فالتاريخ أثبت ان المجتمع الذي يستقل عن حاضره ويجعل وقائعه من صنع الآخرين فإن مستقبله يتحدد بهذا السيناريو أيضا لأن المستقبل وفق هذا المنظور، هو امتداد للحاضر.. أما إذا أصر المجتمع علي المشاركة في حاضره وبذل جهودا في سبيل تطوير واقعه، فإن المستقبل سيكون بشكل أو بأخر من كسبه. لابد أن يكون المستقبل بقضاياه ومصائره وأفاقه هو شاغلنا الحقيقي ونعمل دائما علي إيصاله إلي كل المساحات الاجتماعية للمجتمع فعلي الإنسان ان يكون توجهه الجاد، نحو إنهاء الخلافات مع نفسه أولا ومع الآخرين ثانيا. فإن حضور هاجس المستقبل في واقع كل إنسان يحفزه للتخطيط للمستقبل فالتحديات التي يحملها كل منا عديدة ومتنوعة، ولذلك فكل منا بحاجة إلي حزمة من القيم والمبادئ التي نكرسها ونعمقها في واقعنا، حتي يتسني لنا مقاومة التحديات وتحقيق الآمال. الرؤية المستقبلية لا تأتي من قراءة كتاب أو مقال أو دراسة في المستقبليات، كما أن الرؤية المستقبلية لا يتمكن منها الإنسان عن طريق الانعزال في صومعة عن الحياة وحركتها.. إن الرؤية المستقبلية مكانة ومرحلة يبلغها الإنسان من جراء جهود متعددة ومتكاملة، توصل الإنسان وتؤهله لاستشراف المستقبل المنظور والبعيد، وبدون هذه الجهود المتكاملة الذاتية والموضوعية، يبقي المستقبل في نظر الإنسان الذي لم يوفر هذه الجهود ضربا من ضروب الخيال. وبما أن الزمان له أهمية قصوي في حياة الإنسان بوصفه هو الحياة فكل يوم يمر علي الإنسان هو نهاية لجزء من حياته وحتي لا تكون أعمال الإنسان فوضوية، أو بلا هدف فمن الضروري العناية بجانب التخطيط في مسيرة الإنسان، فإن الإنسان المتحضر، تخضع جميع شئونه وأعماله إلي برنامجه وتخطيطه المدروس بما يوصله إلي أهدافه وغاياته بأقل تكلفة مادية ومعنوية ممكنة فهو مثلا لا يسير شئونه العلمية والثقافية وفق مزاجه وردود أفعاله، إنماوفق تخطيط دقيق يراعي متطلبات تقدمه العلمي والثقافي وإمكاناته الذهنية والفعلية، وبفعل التخطيط الدقيق يتمكن من اجتياز العقبات التي تحول دون تحقيق طموحه العلمي والثقافي.. بينما الإنسان المتخلف فإنه حتي لو امتلك امكانات هائلة وثروات لا تعد وطموحات رفيعة إلا أنه ولغياب مبدأ التخطيط في حياته لا يستفيد من هذه الإمكانات بل تتحول عليه وبالا مستمرا لسوء تقديره وتدبيره. ومن هنا نري من الضروري ان نغرس في نفوسنا وأبنائنا مبدأ التخطيط والبرمجة ونبدأ بالدوائر الصغيرة في حياتنا نخطط لها ونسير لبلوغ غاياتنا ومن ذلك التخطيط ونتدرج في تطبيق هذا المبدأ، حتي تكون كل حياتنا تسير وفق مبدأ التخطيط وأن التخطيط الذي نقصده ونتطلع إليه، هو ذلك التخطيط الذي لا ينفصل عن الإرادة الإنسانية التي تعمل وتجد من أجل نقل التخطيط وبنوده النظرية من الورق والتأملات إلي الواقع العملي، فتصميم الإنسان وعزمه المتواصل في برمجة تطلعاته وصولا إلي تحقيقها علي أرض الواقع هو جزء لا يتجزأ من التخطيط الذي نراه ضروريا أن يسود واقعنا الخاص والعام. وهذا كله يتطلب منا جميعا عزيمة وإرادة مستديمة لتحويل التطلعات إلي واقع ملموس.. فإرادتنا هي حجر الأساس في مشروع بناء مستقبلنا.