هاجس المستقبل لا يتعلق فقط بالامم والشعوب والانظمة والمؤسسات. الاستشراف، والتنبؤ، والتوقع، مفردات لا يقتصر استخدامها علي الكيانات الكبيرة، او الاجهزة التي تملك امكانات هائلة. بل ربما كان العكس هو الصحيح، فالتطلع الي المستقبل مسألة انسانية بالاساس تشغل بال الجميع منذ يتشكل الوعي، وبقدر عمق العوامل التي تصنعه تكون التطلعات، وتتسع او تضيق، تتقاطع مع دوائر اكبر من الفرد او التكوينات الابسط، لتصل الي الاشتباك مع هموم الوطن او الانسانية جمعاء. الرهانات والطموحات التي تتمحور حولها رؤي المستقبل قد تكون متناهية في تواضعها، وربما تخترق كل السقوف، وتصل بأصحابها الي عنان السماء. المستقبل لحظة علي منحني الزمن، تنطلق من الحاضر ثم ما تلبث أن تصبح تاريخا، يصدق ذلك علي الفرد، والجماعة مع تعدد مستوياتها. ولعل العلم والتقنية من اكثر الادوات التي يتم تسخيرهما كجسرين للانتقال من لحظة الحاضر الي آفاق المستقبل، دون استثناء، فالانسان والتكوينات الاجتماعية تلجأ للعلم والتقنية للعبور نحو استشراف الغد قريبه وبعيده. واذا كانت المجتمعات توظف التخطيط لتجسير الفجوات، وتجاوز الازمات، فان مستحدثات التقنية تسعف الأفراد أيضا، ولعل من أطرف الآليات ما أصبح يتيح للشخص اي شخص ان يطالع ما ستكون عليه ملامحه بعد ما يشاء من سنوات!. الفكرة كانت حتي وقت قريب في خدمة دوائر الأمن، ومراكز التجميل من خلال برامج محملة علي اجهزة الكمبيوتر، لكنها الآن اصبحت في متناول الجميع: انت وهو وانا!. احد البرامج التي يتم تحميلها علي اجهزة المحمول، تمكنك من مطالعة ملامح وجهك بعد عقد او عقدين او ثلاثة، وقد وهنت، واكل الزمن وشرب عليك، وربما اصابك الفزع أو انتزع منك المشهد ابتسامة، بحسب تعاطيك مع الموقف!. وفي لمح البصر تنتقل من حال الصبا او الشباب الي الكهولة وصولا لأرذل العمر، بضغطة زر، تدخل في مباراة مع الزمن لتستبقه، فتري ما لا يسرك في الغالب فمن يسعد بوجه حفرته التجاعيد ورأس اعتراه الصلع، او غزاه الشيب في احسن الاحتمالات. ولعل اكبر الفوائد التي يمكن جنيها من الفكرة/ الاختراع علي الصعيد الامني، حيث تساعد علي عدم افلات الآثم بجريمته، مراهنا علي فعل الزمن في تغيير ملامح الصورة الموجودة في ارشيف الشرطة. الجانب الاكثر طرافة يتعلق بقراءة المستقبل في مرآة التاريخ بأثر رجعي!. والامر ببساطة يتعلق بتقنية ثلاثية الابعاد توصل اليها العلماء، من خلالها تم التعامل مع شخصيات تاريخية، ربما فاقت شهرة بعضها المعاصرين من صناع الاحداث، تتيح هذه التقنية الحديثة الفرصة لرؤية مشاهير التاريخ كنابليون وچورچ واشنطن من اعلام السياسة، او شكسبير من اهل الابداع، وقد اختلفوا عن تلك الصورة المحفورة لقرون في اذهان وعيون الملايين!. صور جديدة تماما سوف تظهر لهؤلاء بالاعتماد علي نتائج مسح تاريخية، ووثائق وآراء اطباء شرعيين، والنتيجة مذهلة: صور اقرب للملامح الحقيقية، لكنها الي حد بعيد تقلب ما اعتدنا عليه رأسا علي عقب حتي كأنك تري شخوصا آخرين، ربما فقط يشبهون اولئك الذين عرفتهم واجيالاً سبقت، ودعت عالمنا، وقد رسخ في الاذهان ملامح جاءت التقنية الحديثة لتفرض اعادة التعامل مع ما كان يمثل جزءا من التاريخ، بمنظور ينتمي الي عالم المستقبل!.