إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    موعد الإجازة الرسمية المقبلة في مصر للقطاع العام والخاص (5 أيام بأكتوبر عطلة أسبوعية)    بحضور وزير الزراعة السوري.. «سويلم» يفتتح الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 لموظفي الحكومة في مصر    قمة شرم الشيخ للسلام.. شهادة دولية على ريادة مصر وصوتها العاقل في الشرق الأوسط    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    من البيت.. رابط استخراج الفيش الجنائي مستعجل من الإنترنت (الأسعار والخطوات)    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم في مصر مع تحركات الأسواق العالمية    ترامب يعلن عزمه لقاء زيلينسكي في البيت الأبيض الجمعة المقبلة    طقس خريفي معتدل يسيطر على أجواء مصر اليوم.. وأجواء مائلة للبرودة ليلًا    النادي المصري يُثمن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني    عاكف المصري: قمة شرم الشيخ أكدت أن مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية وخط الدفاع الأخير    رئيس مدغشقر يغادر البلاد دون الكشف عن مكانه    عماد النحاس يكشف عن رأيه في حسين الشحات وعمر الساعي    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    بريطانيا توجه رسالة شكر إلى مصر بعد قمة شرم الشيخ للسلام    سمير عمر: البوصلة لحل الدولتين عربية وإسلامية.. ومن الخطأ اعتبار أمريكا وحدها اللاعب الرئيسي    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي التوليدي يعيد تشكيل العملية التعليمية    جولة داخل متحف الأقصر.. الأكثر إعجابًا بين متاحف الشرق الأوسط    وفاة شقيق عبد المنعم إبراهيم .. تعرف على موعد ومكان العزاء    أسعار الطماطم والبطاطس والخضار بالأسواق اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    «اختياراته تدل على كدة».. رضا عبدالعال ينتقد حسام حسن: يحلم بتدريب الأهلي    «بين الأخضر وأسود الرافدين».. حسابات التأهل لكأس العالم في مجموعة العراق والسعودية    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    ترامب: لا أعلم شيئًا عن «ريفييرا غزة».. ووقف إطلاق النار «سيصمد»    مدير منظمة الصحة العالمية يعلن دخول 8 شاحنات إمدادات طبية إلى غزة    «الإسكان»: 54 ألف حساب لأصحاب «الإيجار القديم» في أول يوم تقديم    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    شاهد سقوط مفاجئ لشجرة ضخمة على سيارة بمنطقة الكيت كات    توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    «شرم الشيخ» تتصدر مواقع التواصل ب«2 مليار و800 ألف» مشاهدة عبر 18 ألف منشور    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    لا تدع لسانك يسبقك.. حظ برج العقرب اليوم 14 أكتوبر    إسعاد يونس: خايفة من الذكاء الاصطناعي.. والعنصر البشري لا غنى عنه    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر    هتشوف فرق كبير.. 6 مشروبات واظب عليها لتقليل الكوليسترول بالدم    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    مصرع شاب غرقًا في حوض زراعي بقرية القايات في المنيا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    تخصيص 20 مليون دولار لتأمين الغذاء والمياه والمأوى بغزة    أسعار السمك البلطي والبوري اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة قنا    ضبط 10 آلاف قطعة باتيه بتاريخ صلاحية مزيف داخل مخزن ببني سويف    د.حماد عبدالله يكتب: القدرة على الإحتمال "محددة" !!!    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    جامعة بنها: إعفاء الطلاب ذوي الهمم من مصروفات الإقامة بالمدن الجامعية    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد جمال الدين موسي وزير التعليم الأسبق ل «الأخبار» :
الدولة تنتحر إذا استمرت في ترميم السياسات والمؤسسات المتهالكة الدعم تجاوز معدلات أي منطق اقتصادي.. ودور الحكومة القادمة تخفيضه بالتدريج نعاني من إسهال تشريعي أعاق توجه الدولة نحو
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 06 - 2014

أكد الدكتور أحمد جمال الدين موسي وزير التعليم الأسبق أنه لايمكن تخيل مصر بعد الإنتخابات الرئاسية إلا في إطار دولة القانون التي تكفل لكل الأفراد والمؤسسات حقوق وإلتزامات واضحة لايمكن تجاوزها أو التعدي عليها .. مشيرا إلي أن مؤسسات الدولة الرئيسية في حاجة لإصلاح جذري مبني علي رؤية متكاملة ومنهج علمي سليم ينفذ بكل حزم دون الإلتفات لمقاومة أصحاب النفوذ والمصالح الصريحة والمستترة أوالخائفين من أي تغيير والمناهضين لأي تحرك نحو الأمام .
وحدد في حواره (للأخبار) أهم الخطوات الإصلاحية الحتمية والعاجلة ومن بينها :
تأكيد مبدأ المساواة بين المواطنين في التعيين في الوظائف وتولي المسئوليات وفق معيار الكفاءة وفي شفافية كاملة وإعلاء مبدأ المحاسبة .. فلا يجب أن تكون هناك حصانة لأحد من المحاسبة بل يخضع الكل لحكم القانون .
منح المواطنين دور متزايد في إختيار المسئولين بطريقة شفافة خاصة علي المستوي المحلي الأمر الذي يتطلب دعم اللامركزية .
تحقيق المنافسة الكاملة في المجال الإقتصادي دون أي تمييز أو إعطاء مزايا لشركات أو أفراد دون الآخرين .
في البداية .. قلت للدكتور أحمد جمال : إمتلأت الساحة بالأطروحات والمقترحات والرؤي لمايتحتم علي الرئيس الجديد البدء به .. فكيف تري تلك الأولويات علي ضوء الواقع الراهن وماشهدته مصر مؤخرا من متغيرات جوهرية ؟
لا أمل جدي في نهوض بارز للوطن إلا بالشروع في عملية واسعة للإصلاح في كافة مؤسسات الدولة والمجتمع... والشرط الأساسي لنجاح هذه العملية هو ارتباطها برؤية شاملة للأوضاع القائمة في ظل أهداف محددة في مدي زمني مقبول من خلال خطة إستراتيجية تنفذ بكل حزم وجدية دون الإلتفات لمقاومة أصحاب النفوذ والمصالح الصريحة والمستترة والخائفين من أي تغيير والمناهضين لأي تحرك نحو الأمام .
كما لايمكن تخيل مصر الجديدة بعد الإنتخابات الرئاسية إلا في إطار دولة القانون .. وأقصد بدولة القانون دولة تحترم الدستور الذي أقره الشعب .
وأشار إلي حتمية إصدار مجموعة من القوانين المتمشية مع روح هذا الدستور المنفذة لأحكامه بشكل متقن وواضح بعيدا عن اللبس بما يكفل لكل الأفراد والمؤسسات والجمعيات حقوق وإلتزامات واضحة لايمكن تجاوزها أو التعدي عليها .
فأي إطار آخر غير مفهوم دولة القانون لن يعيش طويلا .
لكن هل يكفي الدستور الجيد والقوانين الجيدة للتأسيس لدولة القانون ؟
الأهم هو القدرة علي إنفاذ القوانين الأمر الذي يقتضي إصلاح جذري مبني علي رؤية متكاملة ومنهج علمي سليم للمؤسسات الرئيسية في الدولة خاصة مؤسسات القضاء والشرطة علاوة علي مؤسسات التعليم والمؤسسات الإقتصادية والإجتماعية .
وفي إطار تحديد مفهوم هذا الإصلاح قد يكون الإصلاح التشريعي مهماً لضمان إصدار قوانين جيدة تراعي المصلحة العامة والعدالة بين المواطنين. وقد يبدو للبعض أن إصلاح النظام القضائي لا غني عنه لتحقيق العدالة الناجزة وتجنب انحراف بعض القضاة وهو ما لا أقلل من شأنه ولكن تبدو قيمته كعمل إصلاحي محدود إذا لم يكن هناك في المبدأ وفي التطبيق احترام للقانون وتطبيق صارم لأحكامه من جانب كافة المواطنين وجميع أجهزة الدولة.
فقانون جيد بلا تطبيق لا يساوي الجهد الذي بذل في إعداده وأحكام عادلة بلا تنفيذ لا قيمة واقعية لها .

إسهال تشريعي
وهل قطعت مصر شوطا في سبيل تأسيس دولة القانون ؟
بإنجاز الدستور الجديد نكون قد بدأنا الخطوة الأولي نحو تحديد الإطار الأساسي الذي يحكم تحركنا المستقبلي.. فهذا الدستور يتضمن نصوصا جيدة خاصة في مجال الحريات العامة وحقوق المواطنين الأساسية والاجتماعية .
ولكي ينعكس ذلك التطور إيجابياً علي حياة المواطنين يلزمنا أمران :
أولهما : الاحترام التام لهذه النصوص والالتزام الصارم بتطبيقها خاصة من قبل مؤسسات الدولة.. علي سبيل المثال المادة 54 من الدستور تنص صراحة علي أنه «يجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك ويُحاط بحقوقه كتابة، ويُمكن من الاتصال بذويه ومحاميه فوراً..» فإذا ما جري في بعض الحالات عدم تطبيق لهذا النص فإن ذلك سيؤثر بلا شك علي مصداقية النص الدستوري وثقة الناس في دولة القانون.
وثانيهما : إعداد تصور ذكي لمنظومة تشريعية حديثة تكون وفية لمباديء ونصوص الدستور دون أن تكرر ما عرفناه حتي الآن مما أُطلق عليه «الإسهال التشريعي» الذي أربك المواطنين وأجهزة الدولة علي حد سواء وعطل التوجه نحو الإصلاح والتطوير.
فنحن لسنا بحاجة لنصوص تشريعية مسهبة ومربكة بقدر ما نحن بحاجة إلي نصوص ذكية مختصرة تضمن تحقيق الشفافية والحماية الناجزة لأصحاب الحقوق بكافة صورها المادية والمعنوية.
الإصلاح المتوازي ضرورة حتمية
وهل يجب أن تتم عملية الإصلاح دفعة واحدة أم علي مراحل ؟
الإصلاح لابد أن يتم علي نحو متواز لأنه ليس لدينا وقت نضيعه لإتمام الإصلاح خطوة خطوة أو إصلاح مؤسسة فثانية فثالثة .. لابد أن يتم العمل في إصلاح المؤسسات جميعها بشكل متوازي .
ولتفعيل ذلك فإنه يجب التسليم بأن المصلحة العامة مقدمة علي المصالح الخاصة وأنه لا أحد - فردا كان أو مؤسسة أو جهازا أيا كانت طبيعته أو مهمته يملك أن يستثني نفسه من الخضوع للصالح العام الذي يتولي القانون وحده تحديد إطاره ومتطلباته بقواعد عامة مجردة تتميز بالموضوعية والعمومية والشفافية .
وأي خروج عن ذلك هو هدم لدولة القانون وإحلال لدولة الفوضي والاستثناء محلها.. فالدولة القوية التي ننشدها جميعا وليست الدولة الرخوة فهي أساس وجود الدولة الحديثة في أوروبا وأمريكا وغيرها. والدولة القوية المرغوبة لا يجب بالضرورة أن تكون دولة دكتاتورية أو متعسفة أو ظالمة بل العكس فقد أظهر تاريخ العالم في القرون القليلة الماضية أن أكثر الدول القوية قابلية للبقاء والاستمرار هي أكثرها ديمقراطية واحتراما لحقوق ومصالح مواطنيها .
وهل تستلزم عملية الإصلاح هدم القديم أولا ؟
مفهوم التطهير القائم علي التخلص والهدم لاأحبذه علي الإطلاق والقاعدة الرئيسية في الإصلاح تأكيد مبدأ المحاسبة كما سبق وأن ذكرنا بمعني أنه لايجب أن توجد سلطة أو شخص فوق المحاسبة .
وكل شخص يتولي مسئولية يجب أن يديرها وفق الصالح العام وأن يكون مستعدا لتبرير قراراته في إطار هذا الصالح العام فلا يحتج من جانب أي شخص بأنه وحده الذي يعرف الصالح العام ..
والإصلاح علي هذا النحو ينبغي أن يبني علي ماهو قائم طالما كان في إطار هذا الصالح العام .
فإصلاح الدولة لا يعني هدمها أو تقليل شأنها وإنما يعني زيادة كفاءتها علي أداء المهام المنوطة بها وهو ما سيزيد بالتأكيد من احترام المواطنين وتقديرهم لها وتضامنهم وتعاونهم معها.
الوعي الجمعي
وماهي أولويات هذا الإصلاح ؟
الخطوة الأولي في طريق الإصلاح تبدأ من نبعين متوازيين : أولهما : وعي عام جمعي ينمو بأن اليأس أو الإحباط أو التطرف أو الإعتقاد في الغيبيات والركون إلي أحلام اليقظة أو أساليب الخلاص الفردي المغرقة في الأنانية والانتهازية لن تحقق جميعها أي تقدم ملموس أو نهضة مأمولة لمصر أو للمصريين لا في الزمن القريب أو البعيد.
والثاني : حدوث تغيير في فهم قيادات المجتمع المسئولة عن قراراته المصيرية بأن أوان الإصلاح الجدي قد أزف وأن الاستمرار في ترميم السياسات والنظم والمؤسسات المتهالكة لن يحقق أي تقدم مأمول بل سيعجل بتفاقم الأوضاع والدفع بها إلي حدود ينبغي تجنبها اليوم قبل الغد .
الإصلاح المالي
ولكن ماهي أكثر تلك الإصلاحات إلحاحا ؟
الإصلاح المالي.. فلا يخفي علي عاقل أننا لن نستطيع الاستمرار طويلا في تحمل عجز الموازنة المتفاقم الذي رفع الدين العام المحلي في نهاية يونيو إلي أكثر من 1447 مليار جنيه، بما يعادل 83.4% من الناتج المحلي.. هذه المؤشرات مقلقة للغاية، ولم تعرفها مصر منذ زمن طويل، وتشكل عبئاً حقيقياً علي الاقتصاد الوطني، خاصة وأن جل الإنفاق العام يذهب لثلاثة بنود هي المرتبات والأجور والمكافآت، والدعم، وخدمة الدين العام، علي حين تأتي الاستثمارات العامة سواء المادية أو البشرية في مرتبة متأخرة.
ولابد للرئيس من مواجهة هذا الوضع بما يقتضيه من زيادة في الإيرادات وترشيد للنفقات العامة، وهي مهمة لن تكون يسيرة وإن لم تكن مستحيلة وهامش المناورة المتاح سيتمثل في المدي القصير علي الأقل في علاج حاسم وإن جاء تدريجياً لموضوع الدعم البترولي وتطبيق ذكي وحذر لتصاعدية الضريبة وإعادة إخضاع رؤوس الأموال المنقولة لضريبة الدخل.
وهل هناك تجارب للإصلاح المالي يمكن لمصر الإستفادة منها ؟
هناك نماذج كثيرة منها تجربة السويد في أواخر القرن الماضي حيث نجحت باتخاذها مجموعة من الخطوات الجادة لإعادة تنظيم الدولة، في خفض معدل البطالة من 9% عام 1993 إلي 4% عام 2000، في الوقت الذي خفضت فيه عدد موظفي الحكومة بنسبة 15%. وقد تزامن هذا التخفيض مع تحسن ملموس في أداء الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والتدريب والصحة، رغم تقليص كبير في مجمل الإنفاق العام.
لكن في ضوء الواقع المصري .. هل تكفي تلك الإجراءات لنجاح الإصلاح المالي المنشود ؟
لابد من تطوير طرق إعداد الموازنة العامة للدولة وأساليب الرقابة عليها في آن واحد ..
فربط الإنفاق العام (الاعتمادات المدرجة في الموازنة) بالهدف من وراء الإنفاق من خلال برامج محددة بدقة وقابلة للقياس أمر ضروري .. فلا تمنح الأموال العامة إلا لمشروعات وبرامج محددة وبعد التأكد من جودة هذه المشروعات مع الرقابة المستمرة علي مستوي التنفيذ والأداء..
فلا يتصور أن يبقي مستشفي أو مصنع عشر سنوات أو عشرين سنة متعثرا في الإنجاز بسبب خلل في التمويل أو قصور في أداء الجهات المنفذة.. وفي مثل هذا النظام لا يتخيل أن تنفق الدولة ملايين أو مليارات علي مشروعات مثل توشكي أوفوسفات أبوطرطور يظهر مع الأيام تعثرها سواء بسبب عدم الجدوي أو سوء التصميم أو سوء التوقيت أو عدم كفاءة التنفيذ أو أحيانا الفساد. ومن ثم فإن دور أجهزة الرقابة المالية لابد وأن يتجاوز الرقابة الضيقة علي مدي احترام القواعد الشكلية للوائح والتعليمات المالية للتركيز بشكل أكبر علي مدي النجاح في تحقيق الهدف من الإنفاق. فالهدف من بناء مستشفي في قرية هو توفير العلاج المناسب لأهلها وحمايتهم من مخاطر الأوبئة والأمراض. فإذا أقمنا المباني وجهزناها بالأجهزة المطلوبة ووظفنا العمال والفنيين والأطباء ولم نوفر الدواء أو لم نضع قواعد لضبط الأداء ومراقبته وتطويره فإن الأهالي لن يشعروا بكفاءة الخدمة .
ورغم المناداة بتبني الأساليب الحديثة في طرق إعداد ورقابة الموازنة فإننا عكس معظم الدول ظللنا متمسكين بالطرق التقليدية التي توزع الإعتمادات إداريا علي الوزارات والهيئات علي نمط السنوات السابقة مع بعض الزيادة أو التخفيض هنا أو هناك بحسب الأحوال متغافلين عن تحليل المردود الواقعي لهذا الإنفاق .
فلابد من تبني مؤشرات جدية لتقييم كفاءة وجودة الأداء في ضوء الغرض من وراء الإنفاق ومدي الرضا الذي تحقق للمستفيدين منه وألا نظل أسري للمفهوم الكمي التقليدي للنفقات العامة.
وماهي أهم المعضلات التي ستواجه المالية العامة؟
الطلب المتزايد علي الخدمات العامة التي أخذت الدولة علي عاتقها في العقود السابقة توفيرها للمواطنين. وذلك بسبب زيادة كبيرة وغير متوقعة في عدد السكان (2.6 مليون طفل جديد في العام) وتركز معظم الشرائح السكانية في صغار السن الذين يضغطون علي مرافق التعليم والصحة، وكذلك زيادة ملحوظة في كبار السن الذين يحتاجون عناية اجتماعية وصحية مكلفة، يضاف إلي ذلك متطلبات الحماية الاجتماعية والأمنية التي يفرضها ارتفاع معدل البطالة وانتشار الفقر. فإذا سلمنا بأن هناك متطلبات حقيقية متزايدة ومشروعة للرعاية الاجتماعية، فإن ذلك سيترجم بالضرورة في صورة زيادة مستمرة في النفقات العامة، بشكل سيتجاوز أي زيادة محتملة في الإيرادات العامة. ومن ثم فإن عجز الموازنة سيتصاعد علي نحو تعجز معه الحكومة عن مواجهته، ما لم نشرع بجدية في إصلاح الدولة علي نحو يعيد صياغة دورها الاجتماعي والاقتصادي، ويزيد كفاءتها وقدراتها الإنتاجية، ويقضي علي مظاهر الترهل والفساد التي أوصلتنا إلي هذه الحالة.
يجب أن نسعي إلي دولة أقل حجماً وأكثر كفاءة، أدني بيروقراطية وأكثر ديمقراطية، تدار خدماتها الاجتماعية والصحية والتعليمية علي المستوي اللامركزي تحت رقابة مباشرة من المواطنين، من خلال مجالس محلية منتخبة ومنظمات مجتمع أهلي فاعلة. دولة ديناميكية تطور نفسها لتتواءم مع مستجدات العصر ومتطلباته. دولة تتبني الشفافية وتخضع للمحاسبة وتلفظ العنت والهيمنة..
إصلاح الأوضاع الإقتصادية
وكيف يمكن تجاوز ذلك وتحقيق الرخاء الذي يُمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الاستراتيجية والاجتماعية ؟
لابد من إصلاح الأوضاع الاقتصادية.. وهنا لا مفر من تغيير السياسات وتبني الخيارات الأكثر كفاءة. وهذا يقتضي أن يعرف المجتمع الحقائق الاقتصادية، وأن يتعامل بشفافية مع المصاعب الحقيقية، وأن يتقبل البدائل المؤلمة لمعالجتها.
يكفي في هذا الصدد الإشارة إلي ثلاث معضلات لا يمكن لأي حكومة قادمة بعد الانتخابات البرلمانية أن تتهرب من مواجهتها وهي: البطالة والدعم ومصير القطاع العام.
أما مشكلة الدعم فلم يتم إتخاذ خطوة واحدة جادة للتعامل معها ولهذا تفاقمت لتتجاوز معدلات الدعم أي منطق اقتصادي وليشكل حالياً عبئاً يهدد قدرة الدولة علي الوفاء بالتزاماتها المالية.
المعضلة الاقتصادية الثالثة هي التعامل مع مشاكل المشروعات المملوكة للدولة، وهو ما يثير قضية الخصخصة والأحكام الصادرة بعودة بعض الشركات إلي حضن الدولة.
هناك مشكلة حقيقية ستواجه أي حكومة مصرية، وهي كيف ندير بكفاءة شركات مملوكة كليا أو جزئيا للدولة؟ فكيف نختار القائمين عليها، وكيف نراقب أداءهم، وما هو قدر المرونة الذي يجب أن يتمتعوا به لمجاراة منافسيهم في القطاع الخاص والشركات الأجنبية؟ وكيف نضمن ألا تضيع المصلحة العامة لحساب منفعة خاصة لمسئولي هذه الشركات أو العاملين فيها أو المتعاملين معها؟ وكيف تصبح هذه الشركات مصدرا لزيادة إيرادات الدولة وليست عبئا علي دافعي الضرائب؟.
وفي الفترة الأخيرة تصدت بعض أحكام القضاء الإداري لحالات خصخصة سابقة وقضت بإلغائها وعودة الشركات للدولة وإعادة العاملين الذين سبق لهم الخروج بنظام التقاعد المبكر لعملهم السابق.
ولا جدال في أن تنفيذ هذه الأحكام يمثل الآن عبئاً مالياً إضافيا علي ميزانية الدولة، سواء فيما يتعلق بنفقات التشغيل وأجور العاملين أو بالتعويضات الحالية أو المحتملة مستقبلاً للمستثمرين الذين كانت قد رست عليهم هذه الشركات عند الخصخصة.
فإن الأوفق هو محاسبة المسئولين الحكوميين وشركائهم إذا كانت هناك جريمة أمام القضاء الجنائي وأن تسترد الحقوق الاقتصادية للدولة أو الأفراد إما من خلال قضايا تنظر أمام المحاكم الاقتصادية أو أمام قضاء التعويض في مجلس الدولة إن كان لذلك محل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.