عندما كتب النجار الأسود «سليمان نورثاب» مذكراته عام 1812 لم يكن يدري وقتها انها ستتحول الي كتاب بقلم «الكاتب جون ريدلي» وتتحول الي فيلم بعنوان» 12 عاما من العبودية. يحصد جائزة الأوسكار لهذا العام كأفضل فيلم سينمائي، النجار الأسود كان يقطن مدينة نيويورك ويعيش مع زوجته وابنتيه ويمضي المساء عازفا موسيقيا في المسارح إلا انه تعرض لخديعة من قبل صديقين له وقاما بتخديره وحمله لولاية اخري» نيو اورلينز» لبيعه كعبد عند احد الملاك البيض، لتبدأ رحلة العذاب بعد ان كان حرا يتنفس ويعيش بكرامة تبدلت حياته الي الذل والهوان لكنه لم يستسلم وظل لمدة اثنتي عشرة سنة مناضلا لإسترداد حريته ليفوز بها ويعود حرا طليقا لا يخضع لذل أحد.قصة حقيقية وقعت في الأراضي الأمريكية والتي خاضت حربا اهلية كان من ضمن اسبابها دعوة الرئيس الأمريكي» أبراهام لينكولن» لوقف العبودية، وانتصرت في النهاية مباديء العدل والإنسانية رغم إغتيال»لينكولن» علي يد احد ممن وقف ضد تحرير العبيد والذين تم إستجلابهم من افريقيا للعمل في الولايات الجنوبية في الزراعة وأعمال السخرة وهكذا اندلعت الحرب بين الولايات الشمالية التي رفضت العبودية وبين الولايات الجنوبية التي أيدت العبودية. ولقد أعلن مخرج الفيلم ستيف ماكوين في كلمته في حفل الأوسكار مؤخرا وجود 21 مليون عبد حتي الآن! بينما تقديرات الأممالمتحدة تشير الي كونها 30 مليون شخص، اغلبهم من الدول الفقيرة ويتم إستجلابهم تحت مسميات زائفة مثل الحصول علي اعمال جيدة ثم يتم الإتجار بهم في اعمال منافية للاداب او القيام باعمال سخرة، التجارة بالبشر «وهو المسمي العصري لتجارة العبيد» تدر ارباحا طائلة تقدر بتسعة ملياردولار سنويا وتأتي في المرتبة الثالثة بعد تهريب السلاح والمخدرات ضمن انشطة الجريمة الدولية المنظمة، وفي تقرير لمنظمة محاربة الرق الدولية ببريطانيا قدر ان هناك 20 مليون شخص يعملون بنظام السخرة يتم تهريب معظم الضحايا الي اليابان وإسرائيل وتركيا والهند وباكستان بينما تسجل «تايلاند» أعلي المعدلات كدولة منبع ومصب وترانزيت لتجارة البشر، ، 127 دولة تعد منبعا لهذه التجارة مثل الصين والبانيا وبلغاريا وليتوانيا ورومانيا والمغرب 96 دولة عبور 137 دولة «مصب» منها بلجيكا والمانيا واليونان ودولتان عربيتان هما السعودية والإمارات، وتنتعش هذه التجارة في الدول الفقيرة والتي تقوم ببيع ابنائها مقابل مبلغ من المال وكذلك عند وقوع الكوارث الإنسانية كما حدث في حرب البوسنة والهرسك، ويعد اللاجئون والمرحلون من أوطانهم فئة مستهدفة من المتاجرين بالبشر، ففي كوسوفو كان يتم دفع 1100 دولار مقابل كل إمرأة للحصول علي وظيفة في اوروبا الغربية ثم تكتشف النسوة انهن ضحايا عصابات للدعارة او الخدمة بالمنازل بأجور زهيدة او القيام باعمال شاقة للغاية، وهكذا رغم انتهاء عصور الرقيق إلا ان الإنسان نفسه اعادها مرة اخري ضاربا بعرض الحائط كل القيم الإنسانية واضعا نصب عينيه المال هو الهدف ولتذهب الإنسانية الي الجحيم، فيلم «12 عاما من العبودية» أيقظ جراح ملايين من البشر الذين يعانون من الذل والمهانة بسبب اسياد لاهم لهم سوي مصلحتهم، ولكنه ألهم ايضا كل العبيد ليناضلوا من اجل إسترداد حريتهم التي سلبت منهم بخداع او كذب، وكما نجح «سليمان نورثاب» في تحرير نفسه، نأمل ان ينجح عبيد العالم في نيل حريتهم ولوكان الثمن حياتهم حتي نعيد للحياة الإنسانية جمالها ورونقها فلا معني لحياة تسلب منها الحرية، السينما تظل وسيلة إعلامية تثقيفية رائعة لو تم إستخدامها بشكل مناسب وهدف لتوعية الجمهور وتثقيفه، ولقد تم توزيع الفيلم والكتاب علي طلبة المرحلة الثانوية الأمريكية لدراستها لتكون توعية حقيقية بقضية غاية في الأهمية قضية ان تكون حرا، ولتكتشف بؤس العبودية بعد ان خلقنا جميعا احرارا، واتذكر كلمات رائعة للشاعر غسان كنفاني يقول فيها: يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك ان تشكرهم علي كرمهم.. يا لوقاحتهم!،