د. سعاد الشرقاوى تبني الدستور الجديد الأسلوب البرلماني لتشكيل الحكومة، والموافقة عليها من قبل البرلمان، وإذا فشلت القوي الفاعلة في الحصول علي موافقة البرلمان يتم حل البرلمان. ومن الواضح أن الساحة خالية من أحزاب واضحة المعالم مكتملة الأركان، فالحزب هو تنظيم علي المستوي القومي والمحلي يصل إلي كل قري الدولة، لديه برنامج سياسي متميز، يحاول الوصول إلي كراسي الحكم بالانتخابات. وجميع ما يسمي بالأحزاب الآن هي مكاتب تضم مجموعة من الوجوه المعروفة أو غير المعروفة دون أي برنامج سياسي، وليس لها وجود في المجتمع؛ حيث ليس لها نشاط ،كما أن من الواضح أن الأحزاب لا تعتمد علي جمع اشتراكات من المؤمنين ببرنامجها، وإنما هي وسيلة للظهور الإعلامي، وتحقيق المصالح الشخصية لرموزها لاستمرارهم في مجال الأعمال والتجارة وغيرها من المصالح. يتم تكوين الأحزاب إما بسبب تجمع الجماهير حول برنامج وهذه تسمي أحزاب جماهيرية وتعتمد علي جمع اشتراكات من أعداد كبيرة من المنضمين إلي الحزب من فئات مختلفة... العمال وأصحاب الأعمال الصغيرة والفلاحين والطلبة والموظفين.. إلخ. وتسمي هذه الأحزاب بالأحزاب الجماهيرية. وتنتمي إليها أغلب الأحزاب ذات الميول اليسارية مثل حزب العمال البريطاني والحزب الاشتراكي الفرنسي.. ويقابل الأحزاب الجماهيرية أحزاب القلة المنتقاة وغالباً ما تكون هذه الأحزاب يمينية تعتمد علي إسهام رجال الأعمال الأثرياء في تمويلها وتضع برنامجاً يهدف إلي تجميع رأس المال، وتنادي بأن هذا هو الأسلوب الأفضل لخلق فرص عمل بإنشاء مصانع ومزارع وتحسين الخدمات... تستوعب أعداداً كبيرة من العمال... إلي جانب هذين الأسلوبين في نشأة الأحزاب قد تنشأ الأحزاب داخل البرلمانات نتيجة تكوين تكتلات أثناء التصويت علي القرارات المهمة. والمشهد الحالي لا يبشر بالخير في الانتخابات البرلمانية القادمة. لذا يتعين علي الأحزاب الموجودة علي الساحة أن تندمج في اتجاهين واضحين يمين ويسار وتقدم برنامجاً واضحاً: هل هي تدافع عن أفكار اشتراكية، وتشجع استمرار الدولة في القيام بدور في مجال الاقتصاد أم أنها تساند برنامجاً يمينياً يستبعد أي دور للحكومة في مجال الاقتصاد إلا الخدمات الاساسية لوزارة العدل والشرطة والجيش وتشرح كيفية تصورها لإدارة الاقتصاد في المرحلة القادمة. في انجلترا نموذج البرلمانية الناجح يوجد حزبان هما حزب العمال وحزب المحافظين، تبادلا السلطة منذ 1922. وفي ألمانيا يوجد نظام الحزبين ونصف. ويضطر الحزب الحاصل علي أكبر عدد من المقاعد إلي الائتلاف مع الحزب الكبير الآخر أو الحزب الحائز علي عدد من المقاعد يمكّن الحكومة بالائتلاف معها من تمرير القوانين وتنفيذ سياستها. أما في إيطاليا في غياب نظام الحزبين أو الحزبين ونصف قد تظل الدولة بدون حكومة لفترات طويلة كما أن الائتلاف بين الأحزاب هش بطبيعته، مما يؤدي إلي انحلاله فلا تدوم الحكومة في روما أكثر من سنة. ولوحظ أن كثرة تغيير الوزارات يؤدي إلي ضعف الانجازات والتأثير سلباً علي الاقتصاد. نحن لا نريد حكومات ائتلافية كما لا نريد حكومات تتغير كل سنة. لذا يجب حث الأحزاب علي التكتل في اتجاهين واضحين يقدمان اختياراً مدروساً للناخب، ويضمنان تداول السلطة. إن كثرة عدد الأحزاب ليست دليلاً علي الديموقراطية، بل إن كثرة عدد الأحزاب يمكن أن يؤدي إلي إنهيار الديموقراطية وقد حدث هذا في ألمانيا في الثلاثينات من القرن العشرين. علينا البدء من الآن في إثبات أننا قادرون علي التجمع حول برنامج محدد، لأن السياسة تعني القدرة علي تجميع الأفكار والآراء والأفراد والعمل الجماعي، وهذا المطلب أساسي للتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة وهناك متسع من الوقت لتنظيم صفوف الأحزاب والمواطنين بتشكيل تيارين أو ثلاثة علي الأكثر حتي نصل إلي تشكيل حكومة فاعلة وناجحة وقادرة علي انجاز اهم اهدافنا في اقصر مدة ممكنة.