د . حازم حسنى أستاذ العلوم السىاسىة فى حواره فى »الأخبار« نفتقد الآن رؤية موضوعية تقرأ ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية للثورة المصرية دون تهوين أو تهويل لنستطيع تحسس موضع خطواتنا واستشراف الغيب حتي لا نقع في التهلكة.. وذلك يحتاج بلا شك إلي خبرة كبيرة ودراسة واعية واحتكاك مباشر بالحياة السياسية.. وكل هذا توافر في قامة علمية رفيعة، إنه د. حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي شرح وحلل وفصّل مشكلاتنا القائمة ووضع الحلول أيضًا، حيث فرّق بين قيادات العنف والتفجير من الإخوان وشدد علي معاملتهم أمنيًّا، وبين المتعاطفين معهم الذين يحتاجون إلي من يمد إليهم يد العون لإخراجهم من غوايتهم، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الإخوان أبعد ما يكونون الآن عن الممارسة السياسية، حيث اعتمدوا علي مكاسب قانونية في عملية التمكين التي أسقطت قناعهم الزائف عن الدين والفضيلة.. مشيرًا إلي أن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها البرادعي تسببت في إطالة أزمة اعتصام رابعة وتدويلها حين اعتمد علي رهانات خاسرة. قراءة واعية حصيفة لواقعنا السياسي.. في هذا الحوار: الأحزاب الحقيقية تنشأ من الحراك السياسي ولا أراهن علي أحزابنا الحالية قادة الشباب وجوه إعلامية وليست قيادات حقيقية السيسي لا يملك رفاهية الخطأ مثل عبدالناصر.. والمبالغة في الدعاية له تؤثر سلباً إلي أين يوصلنا التعامل الأمني فقط مع المروق الإخواني الذي أدي إلي اضطراب المشهد الحالي؟ علينا أن نميز بين العناصر والكوادر التي تم تدريبها لتمارس العنف والاغتيالات والتفجير في الشارع، وبين المجموعات الشعبية المتعاطفة معهم والتي تمثل نوعًا من الغطاء الشعبي، ونحن نعترف أن هذين العنصرين موجودان، مع أن 90٪ من حالات العنف التي نراها الآن سببها الرئيسي أننا لجأنا فقط إلي المعالجات الأمنية للمشكلة، ولم يوجد طرح سياسي حقيقي لاستيعاب هذه المجموعات الشعبية التي تُفرخ متعاطفين مع هذا التيار وتشكل له الغطاء الحمائي؛ فالطرح السياسي ضعيف للغاية عندنا، وقائم علي فكرة أن الإخوان تنظيم سييء؛ لكن هناك قطاعًا من الشعب لديه حساسيات إسلامية متعاطفة مع هذه الجماعات، وللأسف نحن لم نطرح البديل الذي يستطيع استيعاب هذه المجموعات؛ وفيما يتعلق بالكوادر المدربة فإنها موجودة وستظل موجودة ولن تصلح معها إلا الحلول الأمنية، ولا يمكن دمجها في الحياة السياسية. لعبة السياسة ولكن ألا تري أن الإخوان كانوا سببًا رئيسيًّا في إفشال محاولات إدماجهم بتمسكهم بمطالب مستحيلة التحقيق كعودة مرسي ومحاكمة ما سمّوه انقلابًا؟ الإخوان الآن لا يلعبون لعبة السياسة. لعبوها قديمًا ليحصلوا علي مجموعة من المكاسب القانونية والدستورية، وبعد هذا لم يهتموا بالسياسة بقدر ما اهتموا بمحاولات التمكين التي تتناقض بالضرورة مع اللعبة السياسية؛ لأن محاولات التمكين أسقطت القناع الزائف الذي وضعوه بدعوي الدفاع عن الدين والفضيلة، حيث لجأوا إلي إجراءات لا تمتّ إلي هذه المبادئ بصلة.. وأعتقد أننا نُخطئ خطأ جسيمًا إذا حاولنا معالجة هؤلاء سياسيًّا، إذ تقتصر المعالجة السياسية علي المتعاطفين معهم فقط.. أما هم فيتحركون الآن حركات تنظيمية قائمة علي المراكز القانونية التي اكتسبوها والأخطاء التي ارتكبت في الفترة الانتقالية الأولي، خاصة أنهم يعتمدون علي أن دستورهم حظي بموافقة شعبية، وأن رئيسهم منتخب، وعلي انتخابات برلمانية فازوا فيها.. ثم حاولوا ترويج هذه العناصر دوليًّا. هناك من يظن أن فترة حكم مرسي كانت ديمقراطية، وإن جاءت بأسوأ الموجودين في الشارع السياسي.. كيف تري ذلك؟ لا نقول ديمقراطية، وإنما جاءوا عن طريق صناديق الانتخاب؛ لأن الطريقة الديمقراطية لها شروط أكثر من هذا: لابد من توافر التعددية السياسية، وتكافؤ الفرص، والشفافية، والمحاسبة؛ فلا يصح أن يتم انتخاب شخص أو حزب ثم لا يكون موضع مساءلة.. بل إن المساءلة في المسيرة الديمقراطية من الممكن أن توقف مسيرة جماعة منتخبة؛ ورأينا نيكسون مثلاً الذي كان منتخبًا وقدّم استقالته حتي لا يتعرض إلي ما هو أسوأ؛ فليس معني الانتخاب عن طريق الشعب أن يبقي خارج إطار المحاسبة معتمدًا علي استكمال مدته.. وهذا ما فعله الإخوان حين اعتمدوا علي اكتساب مركز قانوني، ويُطالبون بإكمال السنوات الأربع، مع اعتراف كوادرهم بالفشل.. وهذا ليس ديمقراطيًا بحال من الأحوال. شرعية جديدة رأينا إقبال المصريين علي صناديق الاستفتاء ورغبتهم في دستور جديد.. ألا تحجب هذه الشرعية الجديدة كل ما سبقها من شرعيات مزعومة؟ الإخوان يعتقدون أن دستورهم شارك في الاستفتاء عليه حوالي 34٪ من الناخبين والدستور الجديد شارك في التصويت عليه حوالي 38٪ وجزء من هذه النسبة كان قد ذهب إلي الدستور الأول وصوّت ب لا، فهم يقولون إن الكفتين متساويتان، فلماذا ترضون بكفة دون أخري.. هذا ما يروجونه في الخارج.. وللأسف لا نجد ردًّا مناسبًا علي هذا من الجهات المعنية. ونقول بصراحة إن هناك أخطاء تُرتكب تسمح لهم باستخدام هذه العناصر دون كشف الصورة في مجملها، حيث لم يكن الوضع ديمقراطيًّا وتم الإقصاء والاستبعاد وغابت الشفافية والمساءلة، وكان هناك خروج علي الميثاق الانتخابي، بمعني إذا انتخبتُ شخصًا فإنما أنتخبه مقابل برنامج أو لتحقيق أهداف بعينها وتصورات جديدة، وبناء عليه فإنني من حقي أن أسقط من انتخبته إذا خالف هذا، لأن السلطة في الحقيقة ملك للشعب وليست لمن ينتخبه الشعب، هي ملكه مادام الشعب راضيًا عن أدائه، فإذا سحب الشعب تأييده فليس له أي سلطة. من الواضح أن مناوشات الإخوان داخل الجامعة وفي الإعلام الغربي لاقت بعض النجاح.. هل تظن أن تعامل الدولة شابهُ التقصير في الانتباه لهذين الاختراقين؟ بالتأكيد والخطأ أنهم سمحوا بوجود هذه البؤرة في رابعة، وخطورتها ليست في وجود من يتظاهر ضدك، أو الاعتصام؛ ولكن الخطورة الحقيقية أنها قد تحولت إلي بقعة خارج سيادة الدولة، ولم يكن للنظام أن يسمح لهم بدخول هذه المنطقة، لأن ذلك سمح لهم أن يُعلنوا حكومة مؤقتة وبرلمانًا مؤقتًا، وبدأوا في مخاطبة الرأي العام العالمي لتدويل المسألة، كما سمح لهم أن يُدخلوا مأكولات وحديد مسلح وشكائر أسمنت ورمل لصنع مستعمرة خارج سلطة الدولة، وكذلك كانت محاولتهم اللجوء إلي النصب التذكاري للسيطرة علي قاعة المؤتمرات، ومن هناك يكون لهم مقر يشكلون منه حكومة توازي حكومة الدولة، خاصة أن حكومتنا كانت تحكم هي الأخري من مقر مؤقت في هيئة الاستثمار.. بحيث تصبح حكومة قصر المؤتمرات منافسة لحكومة الدولة، ومن ثمّ يتدخل المجتمع الدولي، مستغلين ما فعله البرادعي نائب رئيس الوزراء وقتها. أخطاء البرادعي بمناسبة الحديث عن البرادعي، ألا تمثل أفعاله لغزًا حتي الآن يصرف تفكيرنا إلي نظرية المؤامرة؟ لا أريد أن أتهمه بشيء، ولا أن أخوض في نظرية المؤامرة؛ وما هو مؤكد أنه ارتكب أخطاء قاتلة في إدارة هذه الأزمة، لأنه هو من تسبب في إطالتها وتدويلها واكتسابها شرعية ما في التعامل معها نتيجة السماح لوفود دولية بالدخول.. كما أن معالجته كانت خاطئة تمامًا ورهاناته كانت مستحيلة، خاصة حين ظن أنه من الممكن إدماج الإخوان في الحياة السياسية، وذلك ناتج عن عدم دراية البرادعي بالواقع السياسي المصري، ولا بحقيقة تنظيم الإخوان وطريقته في التعامل والوصول إلي أهدافه.. فالتنظيم دائمًا ما يبدأ في اتخاذ مواقف قانونية ثم يستخدمها بعد ذلك ويبني عليها، لكنه لا يخضع أبدًا للآليات السياسية المتعارف عليها.. والبرادعي ليس رجلاً سياسيًّا، وإنما موظف دولي؛ وفارق كبير بين هذا المنصب والعمل السياسي ورجل الدولة.. وقد خلطنا نحن بينها وسمحنا له أن يلعب هذه اللعبة ويضع معالم آلة الحكم في هذه الفترة الحرجة.. وموضوع رابعة كان لابد من حسمه في الساعات الأولي من 30 يونيو. حتي بعد اعتلاء الإخوان للحكم لا تزال فكرتهم عن المشروع الإسلامي غامضة.. هل تري أن هذا الغموض كان سببًا في انصراف الناس عنهم؟ المشروع الإسلامي كما هو مُعلن في أدبيات الإخوان والتيار السلفي هو إعادة بناء دولة الخلافة.. وهذا لن يتم إلا علي أنقاض الدولة القومية المصرية، وسمعنا من قبل صراحة من قال: طظ في مصر.. فهذان مفهومان متناقضان تمامًا لا يعيشان مع بعضهما، ولابد أن يقضي أحدهما علي الآخر، فالدولة القومية المصرية الحديثة قامت علي أشلاء دولة الخلافة وكانت في تصادم دائم معها؛ ونحن حتي هذه اللحظة لم نفصل بين الدين والتاريخ من ناحية، والسياسة من ناحية أخري.. وما هو مبذول من جهود حتي الآن لأفكار الدولة القومية شابه أخطاء وقصور جعل الكثير من المصريين يظنون أن مشروع الدولة القومية يتناقض مع الدين، وهذا يدل علي غياب الجهود السياسية وحركة الأفكار والمعلومات في المجتمع التي يمكنها أن تُنشئ نقاطًا جاذبة لأفكار المصريين تجعل المجتمع بنفسه ودون إجراءات أمنية البدء في مزاوجة فكره بالدولة القومية. خطأ وخطأ ولكن ألا تري أن المجتمع بالفعل أصبح أكثر وعيًا بأهداف هذه الجماعات بعد أن تولت السلطة وظهرت مساوئها؟ بالتأكيد.. وهناك الخطر الأكبر القديم قبل ثورة يونيو عندما حدثت مشكلة صول بأطفيح حين تم اللجوء إلي مجموعة من شيوخ السلفية، حيث بدا أمام الشعب أن هؤلاء المشايخ هم أصحاب الحل والعقد الذين يمكنهم ضبط الأمور، فأصبح لهم رصيد - وإن كان في اللاوعي - أن بإمكانهم حفظ الاستقرار.. والخطأ الآخر بعد 30 يونيو حين أدخلت الدولة السلفيين في المشهد دون أن يكونوا جزءًا منه، لأنهم لم يشتركوا في الثورة ولا في الاستفتاء الأخير، وإن كانت بعض قياداتهم ظهرت في الإعلام وأيدته. إذن هل توافق الرأي القائل بأن السلفيين يسعون لاحتلال المكانة الإخوانية وأنهم سيكونون نافذة للإسلام السياسي في السلطة؟ سيحاولون بالفعل إذا لم يتم التنبه لهم.. وهناك خطأ في التقدير لدي جهاز الحكم بأن وجودهم يُطمئن الإسلاميين ويُشجعهم علي الانضمام للعملية السياسية، وفي تصوري أن ذلك سيكون خطيرًا علي المدي الطويل، لأنهم قد ينفجرون في أي لحظة.. وإذا لم تتم معالجة هذا الأمر معالجة حكيمة للغاية فإنه قد يُفسد كل شيء خاص بالمستقبل، حيث ستضطر دائمًا أن تُقدم لهم تنازلات حتي يقدموا الدعم الذي تريده، وعلينا أن نُحدد شكل الدولة القادمة ومقوماتها، ثم نبدأ بوضع خطة ذكية لترويج هذه الدولة لدي جموع المصريين، مع قطع هذا الربط المشبوه بين الدين والدولة، لأنه لا تناقض بين الدولة القومية والدين.. ويجب أن ألفت النظر إلي الحماقات التي يرتكبها بعض الليبراليين والعلمانيين عندما يُهاجمون الدين وكأنه مصدر التخلف، الذي هو في الحقيقة الأفكار المشبوهة التي بررت الأفعال السياسية الخاطئة بنصوص دينية مقتطعة من سياقها. اقتسام الكعكة ولكن حزب النور كان بالفعل في تصادم دائم مع الإخوان، حتي في أوقات عتوهم السياسي وعلوهم المجتمعي؟ التصادم جاء من اقتسام الكعكة.. حيث راهن السلفيون علي الحصول علي جزء منها يتناسب مع حجمهم والدعم الذي يقدمونه لنظام الحكم، والإخوان أخذوا منهم كل شيء ولم يُعطوهم شيئًا.. والدور الذي يقوم به حزب النور حاليًا هو البديل الذي يريد أن يأخذ مكانة الإخوان وأن يرث تركتهم، وأنا شخصيًّا لا أتوقع أن يصطفوا خلف مشروع سياسي يدعم الدولة الحديثة؛ فلديهم مشروعهم الذي لم يتغير، ونراهم الآن لا يحترمون العلم المصري، ولا الدستور، لأن دستورهم هو النص المقدس فقط.. لذلك هم يعملون بمنطق الضرورات تُبيح المحظورات، ثم يبدأون بعد ذلك في نفث أفكارهم الخاصة لأنهم ليسوا في خصام مع الدولة، ولذلك علينا أن نبحث عن الأفكار التي تُساعد علي تحييد هذا المشروع السلفي. ألا تري أن أخطاء حزب النور مُبررة لصغر عمره السياسي.. وأنه أكثر مرونة من الإخوان؟ حزب النور يتعلم البراجماتية سريعًا، وهدفه أن يركب لعبة الديمقراطية وأن يستفيد منها مثلما فعل الإخوان، فيصدّرون للمشهد بعض الوجوه منفتحة الذهن مثل نادر بكار، ولكنهم في النهاية سيأتي اليوم الذي لن يعترفوا فيه بالحياة الحزبية، رغم أنهم حزب، ولا بدولة قومية ولا حديثة. ليست حقيقية علي الجانب الآخر كيف تُقيّم أداء القيادات الشبابية في الحركات الأخري؟ معظم هؤلاء وجوه إعلامية أكثر منها وجوهًا حقيقية تستطيع التأثير في الشارع المصري، والإعلام هو المسئول عن تلميعهم.. وصحيح أنهم جزء من المشهد، ولكن ليس لهم كل هذا الوزن.. وصحيح أن الحركة الشبابية تضم جزءًا متفهمًا، ولكن هناك جزءًا آخر لا يحمل تصورات حقيقية عن المستقبل وإنما يُحاولون دائمًا عرقلة الحاضر.. ولذلك أعتقد أنهم لم يعودوا مقبولين شعبيًّا نتيجة أخطائهم العديدة؛ ولذلك رأينا جزءًا من هذه المجموعات يتحرك خارجها، مثل طارق الخولي، بعد أن أصابتها التشوهات. ثلاث سنوات مرّت علي قيام ثورة 25 يناير ولا تزال أحزابنا السياسية هلامية بلا تأثير.. كيف تفسر ذلك؟ الأحزاب في العالم كله تنشأ من الواقع الاجتماعي والسياسي ولا تورث، فحزب الوفد مثلاً لم يستوعب قيم الليبرالية حتي يطوعها للواقع، حيث ورث تاريخًا ولا يزال يُدير الأمور بهذا الميراث، وربما بالوجوه نفسها، والمصالح الطبقية التي كانت سائدة في هذا الوقت ولم يُدرك أن هناك تغييرات جذرية في الواقع المصري.. وكذلك حزب التجمع اليساري الذي لا يزال يتبني أطروحات عفي عليها الزمن، خاصة بعد أن تم إفساده خلال الثلاثين عامًا الماضية عن طريق لعبة التوازنات والتفاهمات وتوزيع الأدوار التي كانت قائمة آنذاك.. ومن الصعب أن يتخلصوا من كل هذا التراث في وقت قصير؛ ولذلك لا أراهن علي هذه الأحزاب كثيرًا.. وتُشبهها الأحزاب الموجهة الأخري التي تُنشئها بعض الشخصيات المعروفة لمجرد أن تكون رؤساء أحزاب.. أما الأحزاب الحقيقية فتنشأ تلقائيًّا من الحراك السياسي علي الأرض لتعبر عن مصالح طبقية وتوجهات فكرية جديدة تتعلق بالمستقبل، وهذا يحتاج إلي وقت. برأيك إلي أي مدي ستظل تُطاردنا الوجوه السياسية القديمة.. وهل سيكون لها دور في المستقبل؟ أعتقد أن جزءًا كبيرًا من الشارع المصري فقد ثقته في الكثير من الوجوه التي ترشحت للانتخابات الرئاسية التي لن تعكس بشكل أمين ما سيحدث في الفترات المقبلة.. كما أن المزاج المصري اختلف تمامًا الآن. رئيس قوي بصراحة.. هل تعتقد أن واقع الجغرافيا المصرية يدفعها دفعًا تجاه اختيار رئيس ذي خلفية عسكرية؟ مصر تحتاج إلي رئيس قوي وليس بالضرورة أن يكون عسكريًّا، لأن مصادر القوة في الدولة الحديثة ليست هي القوة العسكرية، وإنما قوة الفكر والشخصية والإرادة وقوة المشروع الذي يحمله الرئيس القادم وقوة اهتمام الشعب بهذا المشروع ودعمه للرئيس، وقدرته علي مخاطبة العالم الخارجي باللغة التي يفهمها سواء كانت صدامًا أو تعاونًا، أي نحتاج إلي رؤية قوية تحكم تحركاتنا الدولية في المرحلة المقبلة.. خاصة أننا الآن في وضع غير مُريح دوليًّا.. لا أقول خطأ أن يكون الرئيس عسكريًّا، وإنما الخطأ في تصوّر أنه سيحكم بالقوة العسكرية، لأن الرئيس يحتاج إلي الدعم الشعبي أكثر من الدعم العسكري.. لأن الجيش يُطيع الرئيس المدني كما يُطيع الرئيس العسكري، لأنه في النهاية في خدمة مصر. يظن البعض أن الفشل السريع للرئيس المدني يُعيدنا ثانية إلي التفكير في رئيس ذي خلفية عسكرية.. فما رأيك؟ بالطبع لا، وهل استطاع الرئيس مبارك أن يقرأ المشهد القائم في 2011.. أعتقد أنه أظهر تبلدًا شديدًا في فهم الواقع الذي كان يتطلب قرارات من نوع آخر.. فالرئيس يكتسب قوته من أفكاره وثقة الناس في إدراكه للأمور، لأن الأخطار التي تُحيط بنا ليست هينة، ومن الخطأ والخطيئة أن نظن أن قوة الرئيس العسكرية هي الأهم، لأننا نحتاج إلي قوة اقتصادية وسياسية ومعرفية لمواجهة هذه الأخطار.. والجيش سيكون له دور وسيظل موجودًا، لكنه لن يكون العامل الحاسم في المسألة. بعض الآراء قالت إن المشير السيسي هو مرشح الضرورة ومرشح الأقدار، وغيرها من الأوصاف.. أين أنت من هذه الآراء؟ المشير السيسي لا يحتاج إلي دعاية، أو إلي هذه المبالغات التي تضر ولا تنفع، وتؤثر سلبًا، ولذلك لا أتفق معها.. وربما يرجع ذلك إلي فقر المشهد العام حتي هذه اللحظة، حيث لا يوجد شخص يثق المصريون في قدرته كما هو الحال عند المشير السيسي الذي يشعر الرأي العام أنه الشخصية البراقة في المشهد. رفاهية الخطأ! هل يعني ذلك أن رجل الشارع يحتاج إلي كاريزما زعيم وإن كانت له أخطاء مثلما فعل مع عبدالناصر؟ الناس في حاجة إلي شخص يثقون فيه يستطيع أن ينتشلهم من الوضع المأساوي الحالي، كما أن توقعاتهم كبيرة؛ أما عبدالناصر فقد تلقي هزائم قاصمة، وكل هزيمة منها كفيلة بالقضاء علي مستقبل أي رئيس، لكن الشعب غفر هذا لعبدالناصر، وهو ما لن يتكرر مع أي شخص آخر.. ولذلك فإن من يُقنعون المشير السيسي بأنه عبدالناصر آخر وبالتالي يملك رفاهية الخطأ، مُخطئون؛ لأن خطوات المشير لابد أن تكون محسوبة بدقة وبميزان الذهب، وأي شعور لدي الجماهير بأن توقعاتها انهارت، فسيكون ردّ فعلها عنيفًا، وربما أعنف بكثير عما كان ضد الإخوان.