علي أرض هذا البلد.. مواطنون يعضهم الجوع وينهشهم المرض.. وأسر لاتحوطها جدران ونساء بائسات يَعُلْنَ صغاراً محرومين.. وأطفال شوارع تنتهك براءتهم في مجتمع أعمي في غضون أسبوعين، يخلع المشير عبدالفتاح السيسي زيه العسكري، المزين بعلامات الرتبة الأرفع التي نالها أمس، بعد 44 عاما قضاها في خدمة القوات الم سلحة، طالبا، وضابطا، وقائدا بعدها بأيام، سوف يتقدم للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في النصف الثاني من مارس المقبل، تعلن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، القائمة النهائية لأسماء المرشحين في ظني سوف تخلو القائمة من اسمين، تدور الآن تكهنات، وتختلط أنباء، حول اعتزامهما خوض الانتخابات - الأول شخصية ذكية، لها رصيد لا تريد أن تبدده، ولديها تقدير موقف لا يخاصم معطيات الواقع، ولا يجافي ضرورات اللحظة وطبقا لما سمعت من هذه الشخصية مباشرة، أعتقد أنها تؤثر عدم الترشح، رغم ضغوط قوية تتعرض لها من داخل محيطها الشبابي والسياسي. وقد يتطور القرار إلي موقف مساند للمشير السيسي، حين تطالع برنامجه الرئاسي - الثاني شخصية لها خلفية عسكرية، معروفة جماهيرياً، ولديها طموح سياسي. كانت ترغب في التقاعد والترشح في انتخابات الرئاسة السابقة، لكن حيل بينها وبين ما تريد، بأمر حاسم من قيادة عسكرية أعلي شيء ما في صدر هذه الشخصية يدفعها دفعا نحو الترشح وشيء ما في عقلها يكبح هذه الرغبة ويحيد بها بعيداً عن مسارها المرسوم وحسبما فهمت من هذه الشخصية في لقاء قريب جمع بيننا، فهي تميل إلي عدم خوض الانتخابات، تغليبا لما تراه يحقق مصلحة وطنية، علي ما تعتبره حقاً أصيلاً وتطلعاً مشروعاً ولعل هذه الشخصية تعلن خلال أيام عن قرارها بعدم الترشح، مقروناً بالأسباب *** المنافسة تبدو شبه محسومة - حتي وإن خاضها الذين سوف يحجمون - في خضم موجة جماهيرية هادرة، تتطلع إلي السيسي كبطل شعبي، لا كواحد من بين مرشحين قبل نهاية ابريل، ستعلن اللجنة العليا اسم المرشح الفائز في الانتخابات. لن تقتضي النتيجة إجراء جولة إعادة. بل ربما يحوز الرئيس المنتخب نسبة تأييد فائقة، تبعث في نفسه شعوراً بقلق المسئولية، بأكثر مما تثير فيها من مشاعر السعادة بالفوز! جرت المقادير بما هو متوقع، سوف يؤدي الرئيس المنتخب اليمين، أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، بحضور الرئيس المؤقت عدلي منصور، ثم يبدأ في مباشرة مهامه الرئاسية من قصر «الاتحادية» في نفس اليوم *** إذا شاء مالك الملك، ونفذت إرادة الشعب، سيكون عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسي، هو الرئيس السادس لجمهورية مصر العربية ومثلما أظن أن شاغل السيسي الآن ليس مسألة الترشح للانتخابات وإنما البرنامج الذي سيطرحه علي الجماهير، أحسبه لن ينشغل حين يخوض الانتخابات باليوم الذي سيجلس فيه علي مقعد الرئيس، وإنما باليوم الذي سيسلم فيه الراية إلي من سيخلفه علي كرسي الرئاسة أمام السيسي حين يدخل مكتب الرئيس في الطابق الثاني من قصر الاتحادية مهمة تحقيق حلم ظل حياً في وجدان جماهير صابرة، خرجت في ثورتين عظيمتين تنادي بحرية تنعم فيها بعيش كريم مغموس بالكرامة، في وطن حر مستقل الإرادة، يعدل بين أبنائه، وينحاز للفقراء منهم والمهمشين سقف تطلعات المصريين لا تحده سماء، وهذا هو شأن الشعوب العظيمة غير أن المصريين ليسوا سذجاً ليتصوروا أن المن والسلوي ستنزل عليهم من السماء في اليوم التالي لدخول ساكن الاتحادية الجديد، ولا هم يتوهمون أن بإصبع السيسي خاتم سليمان وبيده مصباح علاء الدين الذي نعرفه ولابد أن السيسي يعلمه أن الشعب المصري يمتلك قدرات كامنة هائلة، وأن المصريين قادرون علي مفاجأة أنفسهم وإبهار العالم حين تتوافر لهم قيادة وطنية مخلصة صادقة أمينة، تؤمن بالجماهير، وتستطيع شحذ الهمم واستنهاض العزائم لتفجير هذه القدرات الكامنة حينئذ، لن ننتظر مناً ولا سلوي ولن نبحث عن خاتم أو مصباح *** من أين أبدأ؟! لعله أول سؤال يراود السيسي الآن من قبل أن يتقاعد ويترشح، ويفوز، ويجلس علي مقعد الرئاسة فهناك متلازمة الفقر والجهل والمرض، وهناك تحديات البطالة والتنمية والأمن، وهناك تهديدات داخلية وخارجية بعضها حال وبعضها مرتقب قد يستطيع السيسي أن يبدأ في كل هذا معاً بخطوات علي طريق الألف ميل، لكن ثغرة الاختراق الحقيقية في جدار الأزمات المصرية المزمنة، التي يمكنه إنجازها وبسرعة، لينبعث منها ضوء يبشر بأن الحلم قابل للتحقيق، هي مشروع العدالة الاجتماعية أو بالأحري برنامج القضاء علي الظلم الاجتماعي فعلي أرض هذا البلد، مواطنون يعضهم الجوع وينهش في أحشائهم المرض، هناك أسر لا تحوطها جدران ولا تظلها أسقف، ونساء بائسات يَعُلْنَ صغارا يبحثون عن كسرة خبز في صندوق قمامة، وأطفال شوارع تنتهك براءتهم في مجتمع أعمي، وتداس آدميتهم علي مرأي من حكومات خرقاء، ويجندهم خوارج لحرق الأخضر واليابس ادعي أن العدالة الاجتماعية هي الملف الذي يحظي بالأولوية عند السيسي قبل غيره من ملفات حيوية، وأزعم أن الخطر الأكبر الذي يتهدد البلاد في تقدير السيسي وبتعبيره الذي سمعته هو «ثورة العوز» أو «ثورة الجياع» أعلم أن هناك أفكاراً ومشروعات تحدث عنها السيسي تلميحا وتصريحا، تتعلق برعاية وتأهيل أطفال الشوارع، والتوسع في إصلاح أحوال القري الأكثر فقراً، وتغيير وجه الحياة في المناطق العشوائية، وهناك غيرها الكثير لكن من الظلم للسيسي أن نحمله وحده مسئولية التفكير والتنفيذ، وأجد لزاما عليّ وعلي غيري كشركاء في وطن واحد، أن نطرح أفكارنا لعل بعضها ينير طريقاً أو يفتح طاقة *** في رأيي المتواضع هناك خطوات يسهل الأخذ بها علي الفور وإجراءات أخري يمكن وضعها موضع التنفيذ بسرعة، بعضها سبق أن طرحته في أعقاب ثورة يناير في عهد المجلس العسكري، وكلها تصب في خانة الانحياز للغالبية العظمي من أبناء الشعب.. ويمكن الشروع فيها كحزمة واحدة ضمن برنامج العدل الاجتماعي علي النحو التالي: تخصيص 10 مليارات جنيه «أقل من 1.5 مليار دولار»، توزع كقروض حسنة بلا فوائد، بواقع 10 آلاف جنيه للقرض، علي مليون سيدة من ربات الأسر المعدمات، علي أن يكون القرض في صورة مشروع متناهي الصغر، كماكينات الخياطة والتريكو، وتربية الدواجن والخراف والماشية، وأكشاك بيع الخضراوات والفواكه والخردوات وغيرها. علي أن يسدد القرض علي مائة شهر بواقع 100 جنيه شهريا بعد فترة سماح سنة.. وتخصص حصيلة الأقساط السنوية «1.2 مليار جنيه»، لتقديم قروض جديدة، أي أن هناك 120 ألف سيدة معدمة جديدة سوف تحصل علي هذا «القرض الدوار» في كل عام وإذا اعتبرنا أن كل سيدة من هؤلاء تعول 4 أفراد، فسوف يستفيد من القرض لأول مرة 5 ملايين مواطن معدم، يضاف إليهم 600ألف مستفيد في كل عام استحداث معاش باسم معاش الثورة لغير القادرين علي الكسب وغير المشمولين بمظلة الضمان الاجتماعي إعفاء الشباب المتعثرين في سداد أقساط قروض الصندوق الاجتماعي من فوائد الديون، وتشجيع الشباب صاحب المشروع الناجح والملتزم بالسداد بإعفائه من هذه الفوائد، ليضخها في التوسع بمشروعه توزيع أراضي مشروعات الاستصلاح في توشكي وشرق العوينات وترعة السلام بسيناء والساحل الشمالي، علي شباب الخريجين العاطلين، مع اعطاء الأولوية لخريجي الزراعة والدبلومات الزراعية حسب أسبقية التخرج، علي أن يكون التوزيع من خلال جمعيات ينشئونها تحت إشراف رسمي، مع إقامة شركات تسويق كبري للحاصلات والمنتجات الزراعية المصنعة يتملكها شباب من خريجي التخصصات الأخري بأسهم متساوية نقل بعض المنشآت الرسمية والحكومية إلي خارج الحيز العمراني، خاصة في قلب القاهرة والإسكندرية ومدن القناة وفق خطة عاجلة مدروسة، وطرح أرضها بنظام حق الانتفاع لإقامة مشروعات خدمية أو تنموية، وتخصص الحصيلة لإنشاء وحدات سكنية شعبية بالعاصمة والمحافظات للشباب من حديثي الزواج أو المقبلين عليه أو سكان العشوائيات بنظام الإيجار التمليكي مع هذه الإجراءات العاجلة وغيرها.. أدرك وجود احتياجات أخري لتحقيق العدالة الاجتماعية علي المدي المتوسط والطويل، منها النهوض بالتعليم ورفع مستوي الرعاية الصحية من خلال التأمين الصحي الشامل، وتطوير مرافق مياه الشرب والصرف الصحي والنقل، وكلها تحتاج إلي استثمارات بمئات بل بآلاف المليارات من الجنيهات، وهناك أفكار لتنفيذ تلك المشروعات عبر المشاركة المجتمعية، منها فكرة الاقتصادي حسن هيكل الخاصة بتطبيق نظام ضريبة المرة الواحدة علي الثروة، وفكرة النائب السابق مصطفي الجندي المتعلقة بإعفاء مشروعات القطاع الخاص الجديدة من الضريبة للأبد، في مقابل تملك الدولة نسبة 25٪ أو 30٪ من المشروع، وعلي ذكر مصطفي الجندي فقد سمعته يطرح أفكارا غير تقليدية عن توفير الخبز والكهرباء للمعدمين دون تحميل الدولة بأعباء إضافية، أراها ممكنة وسهلة وسيكون لها دوي وصدي *** لا ينتابني أي ملل من تكرار القول بأن الزعيم جمال عبدالناصر استطاع أن يحول 23 يوليو إلي ثورة حقيقية بعد 48 يوما فقط من قيامها، حينما أعلن عن مشروع الإصلاح الزراعي وأنهي أقدم إقطاعية في التاريخ، وأعطي الفلاح المعدم الأجير خمسة أفدنة هي حق له في أرض بلاده التاريخ علي مايبدو يدور دورة كاملة.. فالحلم يتجدد، والامتداد موجود، والدرب لم يعد مهجوراً