د. سمية سعد الدين علي حين انطلقت مصر في مشهد فرح مُبهج أثبت فيه المصريون أنهم جديرون بالاعتزاز والابتهاج بمواقفهم الوطنية، وبقدرتهم علي التعامل مع أصعب التحديات التي تواجه بلدهم .. بل وبقدرتهم علي تحدي الإرهاب الممنهج من الداخل ، والتدخل المُغرض والمُتربص بهم من الخارج. بذكاء وحكمة وبصبر وتدبر وشجاعة لاتعرف الخوف من تهديدات الحياة.. ظهرفجأة في المشهد هواة المآتم.. والمتلذذون دوما بحب جلد الذات.. وأصحاب دموع التماسيح.. وأساتذة استكمال مسيرة البكاء علي اللبن المسكوب.. ليعلنوا شكهم في هوية أصحاب الفرح وفي الحضور وفي كل مايبعث علي السعادة ! مشهد البهجة الذي بدا علي كُل الوجوه المصرية الوطنية.. كان هو المشهد اللافت لكل من شارك في الاستفتاء.. ولكل من راقب الاستفتاء.. ولكل من نقل وسجل وصور وعلّق علي تفاصيله.. أما كلمة " نعم " فقد استطاعت بشفافيتها وصدقها وثباتها أن تخرق آذان مُدّعي الصمم، وأن تجتاح قتامة عين من لايملك البصيرة! لقد مضي الاستفتاء علي مشروع دستور مصر الجديدة - بلا تردد- في طريق بناء أعمدة وأركان الدولة المصرية الحديثة.. مضي بالموافقة والتوافق علي " نعم" بإجماع غير مسبوق.. " نعم" صاغها الشعب المصري بأغلبية أطيافه " قرارا وصوتا وصورة" نعم.. قالتها كل سيدات مصر الجميلات.. قلنها قبل الرجال.. وقبل الشباب.. وقبل المترددين.. وقبل الخائفين.. قالتها الجدات والأمهات والسيدات والشابات.. وكانت الرسالة قوية جدا.. ورائعة جدا.. وأصيلة جدا.. رسالة مؤداها أن أهل مصر اجتمعوا حول قرار حب مصر.. واستعادة مصر.. وبناء مصر.. وتعويض مصر.. ورفع شأن مصر.. والعمل من أجل مصر.. ورغم أن كل من نزل إلي صناديق الاستفتاء، كانوا ممن استدعوا إيجابيتهم وهمتهم.. ليرضوا ضمائرهم.. وليقولوا كلمتهم لصالح الوطن.. وليوقعوا بالموافقة في دفتر أحلام الوطن والمواطنة.. فإن حانوتية البهجة وهواة المآتم سارعوا للقيام بدورهم في التشكيك و"التلكيك" فلا أحد من وجهة نظرهم قد قال " نعم".. ولا أحد قد جاء للاستفتاء بإرادته.. والأغلبية ألقي الجيش القبض عليهم وزج بهم قصرا إلي صناديق الاستفتاء وأرغمهم علي التصويت.. كما أن بعض الحضورممن تسللوا كانوا فقط من العجائز وكبار السن.. كما أن الشباب كانوا في الجحور واحتجبوا ولم يشاركوا من .. بل وإنه لم يكن كان هناك استفتاء من الأساس! ولكن لعل من الإنصاف أن نقول أن من أعطي هؤلاء البؤساء من "هواة اللطم علي الخدود" فرصة الظهور والتشكيك في الموقف الوطني الحازم الجازم.. هم من يلتقطون عنهم ومنهم إشاعات التشكيك ويسارعون بنشرها علي الملأ وترديدها دون تحقق منها،وبما يشعل الفتن الوطنية - كما حدث من تعجل إعلامي في ترديد شائعة عزوف الشباب المصري عن المشاركة في الاستفتاء- والسقوط في فخ مُطلقيها من المحرضين ضد سلامة وحب الوطن، قبل ظهور النتائج الفعلية للاستفتاء ، وهي ماكان ينبغي انتظارها ورصدها وتحليلها قبل القفز إلي تحليلات مغلوطة تشوه وطنية وجهد من قام بدوره الإيجابي من الشباب.. لأن هذا يحبط الشباب ومعنوياته ويدفعه دفعا للانعزال عن المشهد السياسي برُمته.. رغم أنه هو رصيد الثورة ومفجرها الحقيقي! ومع هذا فإنه منذ اليوم.. ستتضح رؤية خطة طريق مصر.. وسيعرف العالم كٌله موقع مصر علي خارطة التاريخ والأهم المستقبل.. وسنطالب كل الأطراف في الخارج أن يحددوا موقفا واحدا من بلدنا.. موقف لن نقبل منه المساومة علي حرية وطننا، أو رهانات علي إرادات مواطنينا.. أو تآمر علي خريطة وطننا.. أو تلاعب في مياه نيلنا.. أو تدخل في اختيار رئيسنا.. أما في الداخل.. فقد حان أن يحدد كُل منا موقفه من إجابة سؤال مؤداه إلي أي جانب ننحاز ونحن نجيب علي أصعب سؤال في ورقة امتحان المواطنة والوطن.. .. ذلك أن الامتحان مصري ومصيري.. أما الابتلاء فهو عالمي.. وليتأكد الجميع من أن مصر ستفرز مُخلصيها.. وتصب أحلامها بين أيديهم وتستدعيهم لإعادة بنائها والإنكفاء علي الإنتاج من أجلها.. فقد حان أوان التركيز علي بناء مقومات الإنسان المصري من قيم أخلاقية وعلم وعمل وبحث علمي وصحة، وعلي تفعيل استفادته من الموارد الطبيعية لمصر وثرواتها الوطنية وعلي استعادة حقوقه في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. أما لمن ذلت أقدامهم في جريرة خيانة الوطن فعليّ أن أُذكرهم بحكمة إمامنا العظيم علي بن أبي طالب في قوله:"من حاسب نفسه ربح.. ومن غفل عنها خسر.. ومن نظر في العواقب نجا.. ومن أطاع هواه ضل.. ومن لم يحلُم ندم.. ومن صبُر غنم.. ومن خاف رحم.. ومن اعتبر أبصر.. ومن أبصر فهم.. ومن فهم علم". مسك الكلام.. ""ياويل إنسان يشتري مالا.. ويبيع وطنا"..