رغم أنه قد مرت عدة سنوات علي لقائي بهذا الشاب السيناوي وآخرين من أهل العريش إلا أن كلماته مازالت ترن في أذني وهو يشير إلي شرطي مر مصادفة أمام المحل الذي يبيع فيه بضاعته..قال بكل حسرة: هل تصدق أن هذا »ال......« يستطيع بكلمة واحدة منه »يوديني في ستين داهية« حتي لو كان ما يقوله عني أو عن غيري من أبناء سيناء لا يمت للواقع أو الحقيقة بصلة. سألته: ماذا تقصد؟..قال: مشكلتنا أن الحكومة المصرية لا تتعامل مع أهل سيناء علي أنهم مواطنون مصريون مثل غيرهم ممن يعيشون بالمحافظات الأخري بل إنها تنظر إليهم باعتبارهم خونة لايدينون بالولاء لمصر وهو الأمر الذي ترتب عليه سلوكيات سلبية زادت المسافات تباعدا بين السيناويين والحكومة التي من المفترض أنها ترعي شئونهم !. قال: هل تتخيل أنه ليس مسموحا للمواطن السيناوي أن يعمل في أية وظيفة بالمصالح الحكومية في سيناء، وأن الدولة تفضل عليه أبناء بحري وتعينهم في أية وظيفة شاغرة بحجة أنها تضمن ولاءهم للدولة المركزية في القاهرة عن ابن سيناء المولود علي أرضها ؟! حاولت وقتها أن أمتص غضب الشاب السيناوي، وقلت أنه قد ولي بعد انتصار أكتوبر زمن مثل هذا الفكر القاصر العقيم، وأن الدولة أصبحت تنظر إلي المصري الذي هو في شمال او جنوبسيناء أو المصري الذي يعيش علي أرض مطروح بأنه مصري سواء في بحري أو قبلي..ابتسم الشاب وقال إن هذا مجرد كلام نظري يمكن أن تقرأه علي صفحات الجرائد أو تسمعه من المسئولين علي شاشات التليفزيون في تصريحات هي للاستهلاك المحلي فقط، وهو كلام يكذبه الواقع المؤلم الذي يعيشه ويعايشه السيناويون في علاقتهم بالحكومة وهي العلاقة التي يغلب عليها التجاهل والتهميش فضلا عن الأسوأ المؤذي وأقصد به التخوين. هذا الحوار الذي دار في زمن الرئيس الأسبق حسني مبارك والذي تكرر أكثر من مرة في زيارات متعددة لشمال سيناء علي وجه الخصوص مر مثل شريط السينما أمام عيني وأنا أتابع اللقاءات والحوارات التي أجراها قادة قواتنا المسلحة في الأيام الأخيرة مع مشايخ وعواقل سيناء ومطروح وغيرها من المناطق الحدودية، والتي تم خلالها إعادة تقييم لشكل العلاقة بين الحكومة المركزية في القاهرة وبين أهالينا المقيمين علي أهم وأخطر بقعة من الأرض المصرية بل وأكثرها حساسية علي الحدود من كل الاتجاهات. وبتحليل النتائج التي ترتبت علي مثل هذه اللقاءات والتي كان أبرزها ماتم الاتفاق عليه مع مشايخ وعواقل مطروح من فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقة مع أهلنا هناك تم بمقتضاه تسليم الأرض المخصصة لمشروع المحطة النووية بالضبعة للدولة فضلا عن تسليم كميات كبيرة من الأسلحة المهربة من ليبيا والتي كان كثير منها يقع في أيدي الإرهابيين والبلطجية وقطاع الطرق..أستطيع أن أقول أن مثل هذه الخطوة لم تكن لتحدث لولا الثقة التي استشعرها كبارات مطروح في قادة قواتنا المسلحة الذين تعاملوا مع هذا الملف الحساس بعقل متفتح واع ومدرك للمصلحة الوطنية التي تفرض التعامل بكل احترام مع مشايخ القبائل، من منطلق أنهم يمثلون عنصرا فاعلا مهما وداعما للدور الذي تقوم به قواتنا سواء من الجيش أو الشرطة في تأمين المنافذ الحدودية، والتي كانت إلي عهد قريب مخترقة ومفتوحة سداح مداح لكل من هب ودب لتهريب الأسلحة والمخدرات بهدف هدم أركان الدولة وتفتيت وحدة الشعب المصري . بنفس الفكر الواعي وبنفس الاحترام تعاملت قواتنا المسلحة مع مشايخ وعواقل سيناء الذين تجاوبوا مثل عواقل مطروح مع مبادرة تسليم الأسلحة، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا أن مشايخ القبائل وكبارها شعروا بأن هناك تغيرا في الفكر الذي تتعامل به الدولة ممثلة في قواتها المسلحة، وهو فكر مبني علي الثقة المتبادلة من منطلق أن منظومة أمن سيناء ينبغي أن تبدأ من أهلها جنبا إلي جنب وتمتد لتتشابك يدا بيد مع قواتها المسلحة الباسلة، وهو الأمر الذي ترتب عليه أيضا قيام أهالي سيناء بتسليم كميات كبيرة من الأسلحة، وهي وإن كانت أقل من المعدل الذي تم من قبل أهالي مطروح ولكنه علي كل حال يعتبر خطوة إيجابية علي الطريق نحو المزيد من الثقة المتبادلة والتي كانت إلي وقت قريب مفتقدة تماما، والتي كان غيابها للأسف واحدا من العوامل المهمة التي تسببت في تردي الأوضاع الأمنية علي أرض الفيروز كما رأينا خلال الفترة القريبة الماضية. في النهاية أوجه الشكر والتقدير لقادة قواتنا المسلحة الذين تعاملوا بواقعية وفكر متفتح مع أهالي مطروح وسيناء..وكل التقدير والاحترام والشكر لأهالينا في كل المحافظات الحدودية الذين كانوا علي مستوي المسئولية عندما استشعروا أن الوطن في خطر فاستجابوا لنداء الذود عن بلدهم جنبا إلي جنب مع قواتهم المسلحة، وهو الأمر الذي ينفي عنهم تماما أي شبهة ألصقت بهم في زمن الغل والتربص.