علي رغم شيوعها فان لفظة " دستور" ليست كلمة عربية وإنما هي علي الأرجح فارسية الأصل، دخلت اللغة العربية عن طريق اللغة التركية ومعناها الأساس أو القاعدة . وتنطق الكلمة بضم الدال والتاء، وجمعها دساتير في اللغة العربية. لكن اللهجة المصرية العامية تعرف الكلمة بفتح الدال وضم التاء بمعني آخر هو الاذن أو التصريح كما يقول العامة لدي دخولهم مكانا "دستور يا أهل البيت " أو "دستور يا أسيادنا " بمعني التنبيه للحصول علي الاذن. والطريف أن هذا المعني المصري للكلمة يتفق مع معني الدستور(بفتح الدال وضم التاء) بالفارسية باعتباره اسما مركبا مأخوذا من اللغة البهلوية (الفارسية قبل الإسلام)، دست بمعني قوة، يد، قاعدة، أسلوب، و»ور« بمعني صاحب. ومن معاني الكلمة بالفارسية الاذن أو التصريح أو الأمر. واصطلح في اللغة العربية علي تعريف الدستور بضم الدال والتاء علي أنه "القانون الأساسي"، أو "القانون الحاكم" الذي يُرجع إليه حين صياغة القوانين .. والدُستور - كما يقول المفكر الكبير والمستشار طارق البشري - لا ينشيء واقعا جديدا وانما يثبِت واقعا قائما . وهذا يعني أن الدستور يثبت واقع الأمة الذي توافقت عليه، وتعايشت به، ولا يُنشيء واقعاً جديداً لتعيش عليه الأمة من جديد.. ولأن الأمة المصرية قديمة قدم التاريخ البشري فان امكانات نجاح اي دستور ترتبط تماما بتأكيد وتثبيت واقع التعايش السلمي بين ساكني أرضها والالتزام بالمساواة في الحقوق بينهم . فمنذ فجر التاريخ عندما زرع المصري الأرض قمحا وشعيرا ارتبطت حياته بنشأة المجتمع المتعاون في زرع الأرض وريها وحصاد محصولاتها . وعرف المصري السلام والأمن وضرب الفتنة والسرعة في حل المشاكل التي قد تنشأ ببساطة لأن قيمة محصولاته لا تصل الي ذروتها سوي بعد جفافها ووقتها يصبح الانتقام يسيرا بمجرد إلقاء عود ثقاب مشتعل يكفي للقضاء علي جهد شهور!. وعليه كان المصري علي مدي قرون وقرون يجيد فن المحبة ووأد الفتن وعليه عرف بأنه انسان مسالم بطبعه يعشق الحياة ويرفض العنف وثقافة الموت . وبنظرة سريعة علي مشروع الدستور الذي أقرته لجنة الخمسين التي ترأسها عمرو موسي وضمت مختلف أطياف الشعب المصري سرعان ما سنكتشف أن عنصر التوافق كان هو الغالب بمعني وضع أسس التعايش والمساواة والحرية لترسيخ المحبة وتأكيد التعاون من أجل ايجاد مناخ للعمل المشترك للانطلاق دون قيود نحو مصر المستقبل . صحيح أن الحرص علي التوافق وعدم ترك فرصة للاختلاف أدي بنا الي كتابة دستور يتضمن 247 مادة . هو عدد كبير جعل كثيرا من المواد أقرب الي القوانين التفصيلية وهي تأكيدا تختلف عن المواد الدستورية . فمن شروط المادة الدستورية أن تكون صياغتها مطلقة في جمل قصيرة جامعة مانعة . ويكفي للتدليل علي ذلك أن الدستور الأمريكي يتضمن فقط 7 مواد، تتضمن بدورها 36 فقرة، ويصل مجموع كلماته 3520 كلمة و حتي بعد إضافة 27 تعديلا عليه خلال القرنين الماضيين، وكان آخرها عام 1992، لم يزد عدد كلماته عن 6500 كلمة . لكن الأمر كان ضروريا في ظل الحالة الاستثنائية التي تعيشها مصر علي مدي السنوات الثلاث الماضية مما تطلب هذا النوع من التفاصيل . ولأننا في مرحلة مفصلية تواجه فيها بلادنا أخطارا كبيرة من الخارج والداخل صار التصويت علي هذا الدستور واجبا مقدسا للحؤول دون منح الفرصة لمن يريدون تواصل حال الفلتان والفوضي لتمهيد الطريق نحو المخطط الصهيو أمريكي وعنوانه العريض "التدمير الخلاق" الذي وجه إليه الشعب المصري ضربة قاصمة في 30 يونية وما أعقبها في 3 يوليو و26 يوليو 2013 . ان الاقرار الشعبي للدستور هو فقط الذي سيدمر هؤلاء الذين يسعون الي إعاقة الانطلاقة المصرية نحو استعادة مصر. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.