ما احوجنا جميعا في كل وقت لبدء صفحة جديدة من حياتنا تكون افضل من الصفحات المطوية ربما نكثر فيها من العمل الصالح او نكفر عن أخطاء قمنا بها. ولقد ابدع العلامة الشيخ محمد الغزالي في تناوله لهذا في كتابه الممتع"جدد حياتك" ويقول إن هناك الكثير منا يقرن هذه الصفحة الجديدة بموعد مع الأقدار المجهولة كتحسن في حالته او تحول في مكانته، وهو في هذا تسويف ووهم فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس، الحاضر القريب الماثل بين يديك ونفسك التي بين جنبيك والظروف الباسمة او الكالحة التي تلتف حولك هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك فلا مكان إبطاء أو انتظار، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"رواه مسلم. ويضيف الشيخ محمد الغزالي :إن كل تأخير لإنفاذ منهاج تجدد به حياتك وتصلح به أعمالك لا يعني إلا إطالة الفترة الكابية التي تبغي الخلاص منها، وبقاءك مهزوما أمام نوازع الهوي والتفريط، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الليل والنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما الي الآخرة، واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة ولا يغترن أحدكم بحلم الله عز وجل، فإن الجنة والنار أقرب الي أحدكم من شراك نعله ويقارن الشيخ الغزالي بين الإنسان وحرصه علي تسوية اماكن معيشته وتنظيفها وترتيبها ويتساءل؟ ألا تستحق نفسك أن تتعهد شئونها بين الحين والحين لتري ما عراها من اضطراب فتزيله وما لحقها من إثم فتنفيه عنها مثلما تنفي القمامة عن الأماكن النظيفة؟ ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن تعيد النظر فيما أصابها من مغنم او مغرم؟وأن ترجع اليها توازنها واعتدالها كلما رجتها الأزمات وهزها العراك الدائم في هذه الدنيا؟إن الإنسان أحوج خلق الله الي التنقيب داخل نفسه وصون حياته الخاصة من التفكك والعلل، ويضيف الشيخ الغزالي في كتابه"أن الدين لإنسان كالغذاء لبدنه ضرورة لوجوده ومتعة لحواسه، والله عز وجل مع الوالد ضد عقوق الولد ومع المظلوم ضد سطوة الظالم، ومع أي امريء أن يصاب في عرضه أو ماله أو دمه، ويتساءل فهل هذه التعاليم قسوة علي البشر ونكال بهم؟ أليست محض الرحمة والخير؟وإذا كلف الله أبناء آدم بعد ذلك ببعض العبادات اليسيرة ليحمدوا فيها آلاءه ويذكروا له حقه، فهل هذه العبادات المفروضة هي التي يتألم الناس من أدائها، ويتبرمون من إيجابها؟ويؤكد الشيخ الغزالي رحمه الله ان الله لم يرد للناس قاطبة إلا اليسر والسماحة والكرامة، ولكن الناس أبوا أن يستجيبوا لله وأن يسيروا وفق ما رسم لهم، فزاغت بهم الأهواء ومع كل هذا الضلال فإن منادي الإيمان يهتف بهم أن عودوا الي بارئكم، إن فرحة الله عز وجل بعودتكم اليه فوق كل وصف، قال رسول الله صلي اله عليه وسلم"لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في ارض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتي إذا اشتد عليه الحر والعطش قال :أرجع الي مكاني الذي كنت فيه فأنام حتي أموت، فوضع رأسه علي ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة المؤمن من هذا براحلته"رواه البخاري. التوبة تتطلب كما يقول الشيخ الغزالي ان يجدد الإنسان نفسه ويعيد تنظيم حياته ويستأنف مع ربه علاقة أفضل وعملا أكمل.فهل من مستجيب؟