الإمام الزاهد الدكتور عبدالحليم محمود نواصل نشر قبس من التراث الصوفي للإمام الراحل الدكتور عبدالحليم محمود (شيخ الأزهر الأسبق) وفلسفة الصوم في فكره، فيتحدث في هذا العدد عن شروط الصيام الصحيح، ومسالك الصالحين خلال نهار رمضان بغض البصر، وحفظ اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب، وكف السمع عن المحرمات، وكف الجوارح عما حرمه الله، وترك قول الزور، فالله سبحانه وتعالي لاحاجة له في أن يدع »هؤلاء« طعامهم وشرابهم مع إتيانهم مانهي عنه، وبالتالي لابد من الرجوع إلي الخالق (عز وجل) مؤتمرين بأمره، منتهين عما نهي الله عنه، تعرضا للرضا الإلهي، والرجاء في قبول الصوم وكسب الثواب بإذن الله. في البداية يتحدث الإمام الراحل عن: شروط الصيام الصحيح: الإمساك عن إيصال شيء إلي الجوف عمدا، مع ذكر الصوم، فيفسد بالأكل والشرب عمدا أما إذا أكل أو شرب ناسيا فلا يفسد ذلك صومه وكذلك الإمساك عن الناحية الجنسية. هذه هي شروط الصيام الصحيح من الناحية المادية، وهي علي كل حال تسقط الفرض، بيد أن هذه الشروط مع إسقاطها الفرض لا تكفي مطلقا في نظر الصالحين.. وللصالحين شروط أخري، منها: غض البصر عما حرم الله تعالي، يقول الله تعالي: »قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ... ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا«.. من سهام إبليس ويقول رسول الله[: »النظر سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله، فمن تركها خوفا من الله أتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه«. حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب، وقد نهي القرآن عن كل ذلك، ويقول رسول الله [، فيما رواه الشيخان. »إنما الصوم جُنَّةٌ ؛ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ ، إِنِّي صَائِمٌ ". كف السمع عن المحرم حتي لايدخل فيمن قال الله تعالي فيهم: » سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ«. وبالجملة كف الجوارح كلها عما حرم الله تعالي.. وما من شك في أن كف الجوارح عما حرم الله تعالي درجة أرقي من درجة مجرد الامتناع عن الأكل والشرب، والناحية الجنسية! أما الدرجة العليا في الصوم: فإنها صوم القلب عما سوي الله سبحانه. يقول أبوسعيد الخراز: كل مافاتك من الله سوي الله يسير، وكل حظ لك سوي الله قليل. رمضان وقول الزور عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: »منْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابهُ«... الزور هو الباطل كله، هو اللهو، هو العبث هو الإثم بجميع ألوانه! إنه الإثم قولا يتمثل في الغيبة، والنميمة والكذب، وغير ذلك من آثام اللسان الذي قالت العرب فيه: »مقتل الرجل بين فكيه«! وهو الإثم فعلا ويتمثل في كل ما يأتيه الإنسان من أفعال علي خلاف السنن الشرعية، مما نهي الله سبحانه ورسوله عنه.. وإن من الأوصاف الجميلة التي مدح الله سبحانه وتعالي بها عباد الرحمن الصادقين أنهم لايشهدون الزور، وإذا كانوا لايشهدونه، ولا يشاهدونه، فإنهم من باب أولي لايقولونه ولايفعلونه ولا يأتونه بوجه من الوجوه! والحديث الشريف يقول صراحة لهؤلاء الذين ينغمسون في الزور قولا، وينغمسون فيه فعلا علي خلاف ما أحب الله لعباده ومارضيه للمؤمنين.. يقول لهم: إن الله لاحاجة له في أن يدعوا طعامهم وشرابهم مع إتيانهم مانهي عنه، أي أنه لافائدة لهم من ثواب من قبله، أو من رضي منه، أو من حب لهم منه، فإنهم أخلوا بقواعد الثواب، ومبادئ الرضا، وأسس المحبة! الرجوع إلي الله ومامن شك في أن الحديث مع هذا دعوة قوية في توجيه المؤمنين إلي الرجوع إلي الله، مؤتمرين بأمره، منتهين عما نهي الله عنه، تعرضا للرضا الإلهي، ورجاء في قبول الصوم وكسب الثواب! أما بالنسبة لصوم يوم الشك: عن عمار بن ياسر ] قال: »من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصي أبا القاسم«! وأما عن تعجيل الفطر: عن سهل بن سعيد ]، أن رسول الله [ قال: »لايزال الناس بخير ماعجلوا الفطر«.. ثم يتحدث عن فضل السحور: عن أنس بن مالك ] قال: قال رسول الله [: »تسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً«.. إن تأخير السحور مستحب : ذكر ذلك رسول الله [،بيد أنه ينبغي أن يكون السحور قبل الفجر بوقت كاف.. فإذا استيقظ للسحور متأخرا وأدركه أذان الفجر، والطعام في فمه، فإن الأحوط بالنسبة له أن يمسك عن الطعام إلي نهاية النهار، ثم يقضي اليوم بعد رمضان، وذلك أن المؤذنين عادة يتثبتون من حلول الوقت، فيؤخرون الأذان ولو نصف دقيقة!! الالتزام بمدفع الإمساك ومن أفضل العادات في رمضان أن يجعل الإنسان مدفع الإمساك حدا فاصلا بين إباحة الأكل والإمساك عنه، وهو عادة ينطلق قبل الفجر بثلث ساعة! لكن.. ماهو حكم من أكل ناسيا؟ عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [:»مَن أكل ناسيًا وهو صائمٌ فليُتمَّ صومَه، فإِنما أطعمه الله وسقاه«. وللحاكم: »من أفطر في رمضان ناسيا، فلا قضاء عليه ولا كفارة«! وبالنسبة لمن أصابه »القيء«: عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: مَن ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلا قَضَاءَ عليه، ومن استقاء فعليه القضاء... أما إذا أصبح جنبا: عن مالك عن سمي، مولي أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، أنه سمع أبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة، فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك ياعبدالرحمن لتذهبن إلي أم المؤمنين عائشة وأم سلمة، فلتسألنهما عن ذلك، فذهب عبدالرحمن وذهبت معه، حتي دخلنا علي عائشة فسلم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين! إنا كنا عند مروان بن الحكم، فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم! قالت عائشة: ليس كما قال أبوهريرة ياعبدالرحمن، أترغب عما كان رسول الله [ يصنع؟ فقال عبدالرحمن: لا والله. قالت عائشة: فأشهد علي رسول الله[ أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم. قال: ثم خرجنا حتي دخلنا علي أم سلمة فسألناها عن ذلك، فقالت مثل ماقالت عائشة.. قال: فخرجنا حتي جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبدالرحمن ماقالتا، فقال مروان: أقسمت عليك ياأبا محمد لتركبن دابتي، فإنها بالباب، فلتذهبن إلي أبي هريرة، فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه ذلك. فركب عبدالرحمن، وركبت معه، حتي أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبدالرحمن ساعة. ثم ذكر له ذلك، فقال له أبوهريرة: »لا علم لي بذلك، إنما أخبرنيه مخبر«. أما عن الاتصال الجنسي في رمضان: هذا إذا كان الاتصال الجنسي ليلا، والله سبحانه وتعالي يقول: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ). أما إذا كان الاتصال الجنسي في نهار رمضان، فإنه محرم تحريما باتا. صيام شهرين متتابعين ومن طريف مايروي في هذا، مارواه أبوهريرة ] قال: جاء رجل إلي النبي ] فقال: هلكت يارسول الله.. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت علي امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ماتعتق رقبة؟ قال: لا.. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.. قال: فهل تجد ماتطعم ستين مسكينا؟ قال: لا.. ثم جلس، فأتي النبي[ بعرق فيه تمر فقال: تصدق بهذا، فقال: أعلي أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي [ حتي بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك« وماذا عن حكم القبلة في رمضان؟ عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رجلا قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد في ذلك وجدا شديدا، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت علي أم سلمة، زوج النبي [، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة: أن رسول الله [، كان يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شرا. وقال: لسنا مثل رسول الله[، الله يحل لرسول الله [ ما يشاء ثم رجعت امرأته إلي أم سلمة فوجدت عندها رسول الله [ فقال رسول الله[: »ما لهذه المرأة؟« فأخبرته أم سلمة، فقال رسول الله[ ألا أخبرتها أني أفعل ذلك؟ فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلي زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا.. وقال: لسنا مثل رسول الله [، الله يحل لرسوله [ ماشاء فغضب رسول الله[ وقال: »والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده«! وعن التشديد في القبلة للصائم: عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي [،كانت إذا ذكرت أن رسول الله [ يقبل وهو صائم،تقول وأيكم أملك لنفسه من رسول الله [؟ قال يحيي: قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير: لم أر القبلة للصائم تدعو إلي خير. والرأي الذي نراه هو مارواه الإمام مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن عبدالله بن عباس سئل عن القبلة للصائم، فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب!!!