خلصنا في المقال السابق الي ضياع ما كان يرجي من زخم وروح حرب اكتوبر وامتداده لمؤسسة التعليم، بعد رجوع المؤهلات العليا ومنهم المدرسون من جبهات القتال لإثراء العملية التعليمية اذا ما احسن الاستفادة منهم مثلما فعلت المؤسسة العسكرية. الحاصل ان هذه الروح المتوثبة لدي شعب بأكمله تم طمرها بسوء الاختيار للرجال وعدم تحديد سياسة للوزارة ان ما يحدد اي سياسة هو هدف هذه السياسة، الرجل يحدد المهمة، والمهمة تستدعي الرجال وهذا لم يحدث. كان الانفتاح الاقتصادي الذي دشنه الرئيس السادات من السياسات التي اثرت سلبا علي التعليم، فلم يكن هذا الانفتاح يهدف الي استيراد بعض السلع الاستهلاكية من علي الجانب الآخر للبحر المتوسط.. بل كان استيرادا لحياة كاملة ومنها المدرسة الاجنبية. وفي فترة وجيزة اصبح في مصر انواع وانواع من التعليم المدرسة الانجليزية، الفرنسية، الالمانية.. واعقب ذلك في فترات لاحقة الجامعات من كل لون ولغة وثقافة. بالتوازي مع هذه الفترة ظهرت طبقة اجتماعية طفيلية تعيش علي الفساد وتتعيش منه تحت رعاية مؤسسة الرئاسة نفسها ونحن نتذكر بكل ألم ما تم الاتفاق اعلاميا علي تسميته »القطط السمان« حتي اصبح تعبيرا شائعا. سعت هذه الطبقة الي استيراد كل شيء من مأكل وملبس وعلاج وثقافة كاملة لابنائها ومعها المدرسة: ولكن لماذا المدرسة؟ لان المدرسة المصرية الحكومية التي تخرج فيها كل علماء مصر النابهين، تدني مستوي الاداء فيها بشكل ملفت بعد الاهتمام الواضح في سنوات الخمسينيات والستينيات وحتي منتصف السبعينيات من القرن الماضي. لذا لم يكن الاهتمام بملف التعليم منذ هذه الفترة الا بما يحقق الدندشة الاعلامية ودغدغة مشاعر البسطاء.. العملية التعليمية في اي بلد يأمل الرقي لنفسه تتطلب سياسات معلومة ومعروفة للسادة اساتذة كليات التربية والنخبة المثقفة، فقط ينقصها الارادة السياسية. هذه الارادة السياسية اهملت الملف التعليمي تماما علي امتداد ما يقرب من نصف قرن! ولماذا تهتم الطبقات العليا بتعليم ابناء الشعب وقد ضمنت لابنائها تعليما راقيا.. وبنفس القياس لماذا تهتم بملفات اخري مثل ملف الصحة والامن والبيئة والغذاء!. بدأت تتراكم بفضل الاهمال مشكلات ومشكلات ثم تتفاعل هذه المشكلات لتظهر مشكلات اكثر تعقيدا الي ان وصل الحال بنا الي انهيار شبه كامل حتي بعد الاهتمام بالمباني التعليمية بعد زلزال 2991 الا انها ولسياستها المهملة باتت مبني بلا معني وانتهي الامر الي ان مخرجات هذا التعليم اصبح يعاني مشكلات في القراءة والكتابة. لذا يجب ان نعيد النظر الي هذا الملف الخطير ومناقشة مشكلاته باستفاضة ووضع الحلول الجذرية لاركان التعليم المصري مثل: صناعة المدرس وضع المناهج شكل المدرسة وسياساتها الداخلية.. طرق التدريس.. الامتحانات. الغش المدرسي العنف المدرسي مجانية التعليم.. مشكلات ربما لم تأت مرتبة في السياق العام.. لكن كل منها يحتاج منا وقفة طويلة في قادم الحلقات.