أتصور أنه منذ أن وقعت عيناك علي عنوان المقال، أخذك الفضول فرحت تتطلع إلي معرفة من عساي "أتهم"، وحتي لاتقع في ذلك الفخ المنصوب، تمهل ودعنا نبدأ من حيث يتوجب علينا الكلام. ذلك أنني كلما تابعت شيئاً من هذا السيل المنهمر من المقالات والتحقيقات وحصيلة المكلمة الكبري في الفضائيات، ألحت علي ذهني عبارة الفيلسوف البريطاني ألفريد نورث وايتهد "إن كل ما يقال قيل سابقاً" وكأن نخبنا الإعلامية والسياسية أرادوا لنا أن يتحول فضاؤنا العام إلي عمليات اجترار وتكرار لاطائل من ورائها، إلا تجميد الزمن وتثبيت الصورة علي ماكان ومايحدث، وكأنهما شغلنا الشاغل بينما المستقبل ليس له علي أجندة هذا الوطن المأزوم استحقاقاً أو اعتبار، ولكأننا قمنا بثورتين لا من أجل الحق والعدل والحرية والتقدم، بل من أجل استعراض أحداثهما في محيطنا العام وشاشات التليفزيون!. أحاديث معادة عن خيانة الإخوان للوطن وفشل مرسي ومحاكمته وتآمر التنظيم الدولي وانتهازية حزب النور ودعم أوباما للإرهاب وتجميد المعونة ووساطة آشتون وتردد الفعل الدولي وترديه وتباطؤ الحكومة وارتعاشها، وما فعله البرادعي والطابور الخامس وهزيمة المنتخب وحزن القديس أبوتريكه!! وشطحات جماعات وائتلافات تمويل المعهد الديمقراطي الأمريكي وجمعيات حقوق الإنسان، وخيبة رجانا في لجنة العشرة وحيرة وتردد لجنة الخمسين والدستور، وتسريبات مفبركة للانتقاص من أهمية الحوار الاستراتيجي للفريق السيسي مع الصحفي اللامع ياسر رزق، وتهديدات وإرهاب ما يسمي كذباً التحالف الوطني لدعم الشرعية ومؤامرات تركيا وقطر وتحريض القرضاوي ووجوب الحجر عليه ، وتنطع المنظرين عن الديمقراطية وإدماج الإرهابيين والمصالحة المزعومة ومبادراتها المكشوفة، وبقاء السيسي بطلاً شعبياً لارئيساً للجمهورية، وكأنه من العيب أن يكون الرئيس بطلاً، وكذا تخرصات المرزوقي وقانون الطوارئ الذي لم يطبق رغم الثمن الدولي الذي دفعناه لمجرد التلويح به، والتقول أن زياد بهاء الدين يحارب معركة المصالحة السياسية غير مبال بمسئولياته الاقتصادية، وتهويلات مظاهرات الجامعات والضبطية القضائية، والحد الأدني للأجور وارتباكات المرور وأحزاب المتاجرة بالدين. هذا غيض من فيض كما يقول الكاتب النابه جمال فهمي. أيها السادة كفاكم تبضعا للمآسي و"الافتكاسات" كما يقول الرائع حمدي رزق، وكأنكم جيل الفرص الضائعة والوقت المهدور!. ياسادة: المستقبل ليس أمنية ندعوا الله في تحقيقها بينما نقعد صاغرين، إنه عمل علينا إنجازه والتوفيق مشيئته سبحانه، وليس هناك أمة تنشد النهوض والعدالة والكفاية ترتضي أن تظل في دائرة رد الفعل يتلاعب بمقدراتها صبية الإخوان وتابعيهم، يشغلوننا ويستنفدون طاقة الدولة دون حسم ونظل في تردد مخافة العين الأمريكية الحمراء ومعايير الاتحاد الأوروبي المزدوجة وتدخلاتهم التي يحاولون فرضها لتعطيل مشروعنا الوطني للبناء والتقدم، وانتكاس خارطة المستقبل ليدسوا أنوفهم الاستعمارية الشمطاء في شئوننا، لتبقي إسرائيل قوة إقليمية مسيطرة، ويظل جيش الدفاع بلامنافس في المنطقة. والسؤال: أين حكومتنا من كل ذلك؟! نتفهم للحكومة وضعها الإنتقالي وصعوبة ظروف التحول والتغيير في ظل سيولة المحيط السياسي العام ونزق النخبة وتعجل الجماهير، ولها كل الحق، التقاط ولو بشائر ثمار الثورة وتجلياتها، لكن هذا لايمنعنا تحذيرها من التباطؤ والتردد حتي لاتصبح مطمعاً لخوارج العصر ورد فعل لتحركاتهم محلياً ودولياً دون أن تكون فعلاً مباشراً للإنجاز والتحقق. ونعلم أنها حكومة انتقالية، إلا أنها ربما الحكومة الوحيدة في تاريخنا المعاصر التي جاءت بتفويض ملايين الشعب، وعليها أن تنهض لمسئولياتها بهمة وإرادة، وبدلا من استهلاك الوقت في تكتيكات صغيرة جعلتها في مهب عاصفة التقولات والاتهامات، ووصل الاجتراء عليها أن يختطف مايسمي "قائد الميليشيا الليبية"! خمسين مصرياً ويقدم لها إنذاراً بقتل المختطفين بعد مهلة عشرة أيام إذا لم تنفذ مطالبه! تصور؟! لقد أجترأ علي حكومتنا ومواطنيها ضوال السكك ونكرات التاريخ لتهاونها داخلياً مع فرع تنظيمهم الدولي الإرهابي. ورغم ذلك مازلنا ندعم الحكومة ونقوي عزمها، لأنه لابديل عن إكمال ماأرتضيناه وأعلناه في 3 يوليو الماضي، ولا ينبغي أن تستغرقنا الإجراءات عن تحقيق الأمنيات، ولا تستهلكنا الشائعات والتخرصات والتقولات عن فتح آفاق المستقبل. والبداية من فرض حاسم للأمن فهو مدخلنا الوحيد الذي ينبغي أن يتسع لاستعادة حركة السياحة والاستثمار، ولنرتفع بسقف طموحات ماتبقي من المرحلة "التأسيسية" فنشرع في وضع أسس ودعائم اقتصاد المعرفة، والبدء في بنية حداثية عاجلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لاستيعاب قنبلة البطالة وتوظيف العاطلين بإعادة تدريبهم وتأهيلهم، ولدي الجامعات والقوات المسلحة ووزارة القوي العاملة وهيئة المجتمعات العمرانية برامج للتدريب المهني والفني لخلق كوادر تكنولوجية مدربة تساعد في البنية التنموية للدولة وتسهل عملية وضع أكواد محلية دولية للحرف والمهن ترتقي بالعاملين والمهن الفنية وتطور من أوضاع سوق العمل المتردية. دعونا نعمل وننتج ونتفاءل بالمستقبل ونعد له استحقاقاته، ولاتشغلنا شائعات عن واجب الوقت وشرف المسئولية، ولا نصغي لتقولات وادعاءات عن مندوب للمصالح الأمريكية في الحكومة المصرية ؟.