لم تترك الأزمات الاقتصادية المتلاحقة دولة في العالم دون ان تضع عليها بصمتها المؤلمة .. لم تفرق هذه الأزمات بين أمريكا وجزر القمر او بين اليابان وبوركينا فاسو .. الجميع اصبحوا في المحنة سواء ولا هم لهم سوي البحث عن وسائل جديدة للتقشف وطرق مبتكرة لربط الأحزمة علي البطون. خرج المواطنون الي الشوارع في كل مكان يحتجون علي ارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة واشتعال معدلات التضخم الي مستويات مرعبة. لم يجد الناس امامهم، ولهم كل العذر، سوي الحكومات يحملونها مسئولية ما يعانونه من شظف العيش وصعوبات الحياة في نفس الوقت الذي عجزت فيه الحكومات عن التوصل الي حلول سحرية تلبي مطالب المواطنين المشروعة وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية من طعام وشراب ومسكن وعلاج وتعليم .. ووسط هذه الحالة المتردية من الأوضاع الاقتصادية العالمية اصدرت مؤسسة ميريل لينش الدولية المتخصصة في ادارة الثروات عبر العالم تقريراً غريباً قبل ايام طرح العديد من علامات التعجب والاستفهام حول اسباب وتداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة. اكد التقرير ارتفاع حجم الثروات الخاصة وان هناك اكثر من 10 ملايين شخص في العالم لايعرفون شيئاً عن التقشف او ربط الأحزمة هم الأثرياء الذين ارتفع عددهم بنسبة 17.1٪ وقفزت قيمة ثرواتهم الي 39 تريليون دولار خلال العام الماضي رغم ضعف الاقتصاد العالمي والديون المتراكمة علي معظم دول العالم.! واوضح التقرير ان غالبية اثرياء العالم يعيشون في الولاياتالمتحدة والمانيا واليابان حيث يمثلون نسبة 53.5٪ من اثرياء العالم بينهم 3 ملايين ملياردير ومليونير في امريكا وحدها. وبلغت قيمة ثروات الأسيويين الفردية 9.7 تريليون دولار متجاوزة ثروات الأوروبيين التي بلغت 9.5 تريليون دولار. اما اثرياء العرب فقد تزايد عددهم بنسبة 7.1 ٪ ليصل الي 400 الف مليونير وملياردير، وبلغت قيمة ثرواتهم 1.5 تريليون دولار. ومن اغرب ما تضمنه تقرير مؤسسة ميريل لينش ان غالبية اثرياء العالم يفضلون استثمار ثرواتهم خارج بلادهم دون اي احساس بمسئولية ما عن المشاركة في دعم اقتصاديات اوطانهم او مواجهة الأزمات التي تعاني منها شعوبهم. والسؤال البسيط الذي يردده "غير الأثرياء" بعد قراءة هذا التقرير هو.. كيف يمكن ان يتزايد فقر الشعوب والدول والحكومات بينما ترتفع ثروات الأفراد من المليونيرات والمليارديرات؟ لاشك ان خبراء الاقتصاد لديهم التفسيرات العلمية والاقتصادية لهذا الوضع الغريب، ولكن وجود اكثر من مليار جائع في هذا العالم يؤكد ان الوصول الي اجابة حقيقية لهذا السؤال ربما لا يحتاج الي متخصصين في الاقتصاد بقدر حاجته لخبراء في علم الجريمة !!