المتابع لأحوالنا في هذه الأيام يتوه ويشعر بمشاعر تتمزق بين شباب ضاقت به سبل الحاضر فما بالك بالمستقبل داخل الوطن؟! يسيطر هاجس "تأمين" مستقبل الابناء علي كل الآباء والأمهات ولكن بدرجات متفاوتة .. ففي الدول المتقدمة لا يصل هذا الهاجس الي حد الهلع لأن المعاشات مضمونة، ولكن توقيا لغوائل الدهر قد يلجأ الاهل الي شهادات تأمين علي الحياة أو ما يماثلها وفي الدول النامية يتمثل تأمين المستقبل في الحصول علي تعليم محترم وشهادة تؤكد التخصص في احد فروع العلم أو في اجادة حرفة أو صناعة الي حد المهارة ولا بأس من بعض مساعدات الأهل اذا تيسر لهم تحقيق "فائض" من دخلهم بعد الوفاء بجميع التزامات الحياة.. غير ان المتابع لاحوالنا في هذه الايام يتوه ويشعر بمشاعر تتمزق بين شباب ضاقت به سبل الحاضر فما بالك بالمستقبل داخل الوطن فلم يجد مفرا من المغامرة التي قد تصل الي الحياة نفسها بالبحث عن حياة معقولة تحت سماوات اخري لكنهم لا يصلون الي هذه السماوات حيث تبتلعهم مياه البحار دون شفقة أو رحمة.. علي جانب آخر نري اباء وأمها يكرسون كل قدراتهم وانشطتهم لتأمين مستقبل ابنائهم الذين هم "جنس آخر" لم أر مثله في حياتي وباختصار يسعي الاهل الي توفير السكن والسيارة و"العروسة" ولا يكتفون بذلك بل "يؤمنون" دخلا ثابتا ومريحا أو هائلا لهؤلاء الابناء الذين لا نعرف بالتالي الدور المنتظر منهم في الحياة وتحديدا في مستقبل الوطن.. وعندما اثير موضوع "صكوك الملكية" التي تنوي الدولة توزيعها علي المصريين ما فوق الحادية والعشرين من العمر والتي ستجعل من هؤلاء المواطنين اناسا "يطمئنون" إلي مستقبلهم وربما الي مستقبل ابنائهم واحفادهم.. وجدت نفسي مهتمة بالامر اولا بصفتي مواطنة وثانيا لانني أم وجدة وان كنت قد ضبطت نفسي متلبسة بالدهشة من ان تفكر الحكومة في تأمين مستقبل نحو 40 مليون مصري، اخصم منهم مليونا علي الاقل لا يحتاجون الي جهود الحكومة أما بقية التواقين الي تأمين الحاضر فقد "اسعدهم" ان تفكر الدولة في مستقبلهم.. المهم وبعد اتضاح الصورة تبين ان نصيب الفرد من "الثروة" يتراوح ما بين مائتين الي سبعمائة جنيه وعلي كل مستفيد ان يدرس بعمق كيفية استثمار هذا المبلغ "الكبير" لكي يغطي ثمن مسكن متواضع والذي اعتقد انه يصل الي ما يزيد علي ثلاثين ألف جنيه وان يؤثث هذا المسكن الصغير والمشكلة ان يشكل دخلا مناسبا في حالة عدم العثور علي عمل لا سيما والازمة الاقتصادية العالمية تنذر باضافة اعداد لا يعلم مداها الا الله الي صفوف البطالة.. مثل هذا التفكير يعني بالضرورة ان المسئولين ليس لديهم ادني فكرة عن الاسعار.. كل الاسعار.. وانهم لسبب لم ادركه بعد "يرون" ان بضع مئات من الجنيهات كفيلة ببث السكينة في النفوس وان الحكومة قد "عملت ما عليها" وقدمت الدليل الساطع علي انها "بابا وماما وأنور وجدي" والسؤال المؤلم والملح هو لماذا يشعر المصريون بأن "مستقبلهم" ليس آمنا وكذلك مستقبل ابنائهم؟ في جيلي.. كان الأمان معروفاً.. ان تعمل وتجد وتجتهد وان "تكافؤ الفرص" حقيقة ملموسة وليس سرابا والدليل علي اهتزاز الثقة في المستقبل "استقتال" الجميع في الحصول بكل الطرق وبأي طرق علي تأمين مستقبلهم بعيدا عن الدولة! واحيانا يكون "الثمن" الموت غرقا.. في مياه غريبة! ان انشغال كل أسرة "بتأمين" مستقبل ابنائها بعيدا عن الدولة يعني انها ستكون جزيرة منعزلة، لا شأن لها حتي بأقرب جيرانها وقد يفسر الشعور بعدم الأمان الذي بدأ مع سياسات الانفتاح والخصخصة دون ان تلازم هذه السياسات، سياسات اجتماعية في جميع المناحي بدءا من التعليم مرورا بالعلاج وانتهاء بتوفير عمل كريم، حالة "الأنانية" التي تستفحل في المجتمع.. فلا احد يلتفت لأحد.. وحتي الظواهر المرعبة والتي تهدد مستقبل الاجيال القادمة وخاصة ظاهرة اطفال الشوارع والعشوائيات بكل خباياها وكوارثها المحتملة، لا تلقي الاهتمام اللازم ليس من منطلق "الحنية" بل ن منطلق الامن القومي للوطن.. هذا الوطن الذي تفرق الي دوامات تفور كالبراكين وتبتلع كل ما يصادفها وعندما تقذف حممها تتبدي في صورة احتقانات طائفية أو بين الشرطة والشعب أو بين قبائل وعشائر، ننفرد "بالتفاخر بها"؟ ان طوفان العولمة الذي بدأ في الانحسار مع الازمة الاقتصادية الكبري في الولاياتالمتحدة وفي الغرب عموما ، حمل اصواتا عديدة علي المناداة بضرورة ارساء قواعد اقتصادية جديدة محل "الفردية" المدمرة والتي في ظلها بدأت بعض الدول في التفتت وتفشت المجاعات وساد قانون الغاب عندما تحتل دولة كبري دولا اخري "ذات سيادة" بدعاوي كاذبة لم تنجح في اخفاء الحقيقة والتي هي الاستيلاء علي ثروات الشعوب لتحقيق المزيد من الثراء الفاحش ثم تترك هذه الشعوب "تستقتل" لتأمين غدها وغد أولادها.. ولكن في غياب بوصلة جماعية.. ان غياب البوصلة الجماعية هو العنصر الرئيسي في الشعور بعدم الامان واللهاث وراء سراب الثراء.. وعندما يعود الينا الايمان باننا جميعا في زورق واحد ستتغير اشياء كثيرة.. الي الأفضل طبعا!!