يظل طعم أكتوبر 1973 في مخيلة كل المصريين الذين عاشوا هذا اليوم المجيد في تاريخنا الوطني المعاصر. تظل حالة مصر كمجتمع في الداخل وتحلق الأبصار والأسماع بكل ما يأتي من الجبهة، حالة فريدة، حالة أب ينتظر ولادة أغلي ابن، يجدد به شبابه ويعيد له ما ضاع منه في حرب سابقة غادرة. ومن أفضل وأبرز ما حدث داخليا في ذاك اليوم، أن محاضر أقسام الشرطة لم تسجل أي بلاغ عن جريمة وقعت بأي درجة من درجات الجريمة. تطن أذاننا بأروع الكلمات والألحان التي سجلت كل شاردة وواردة يوم 6 أكتوبر، من ينسي الرائعة الخالدة.. التي جسدت صوت الجنود الأشداء.. رايحين.. رايحين.. شايلين في إيدنا سلاح.. راجعين.. راجعين.. رافعين رايات النصر . لقد عاد الجنود أبناء المصريين.. أبناء الفلاحين والعمال.. أبناء كل الفئات.. رافعين رايات النصر.. هؤلاء الأبناء الذين أحيوا مصر من جديد.. هؤلاء الأبناء هم جيش مصر الذي ظل علي مر الزمان حامي حماها ورافع راياتها عالية خفاقة . هؤلاء الذين تربوا في مصنع الرجال.. الذين تغلبت وطنيتهم علي كل وأي مصلحة ذاتية.. فهم لا يعرفون المصالح الذاتية أو الشخصية، إنما يعرفون.. مصر، يعرفون أن خلود مصر وحياتها إنما يكون برفع رايات النصر.. بالنصر أو الشهادة.. هم لا يخافون الموت.. لذلك توهب لهم الحياة ويوهب لوطنهم النصر . أربعون عاما مضت كلمح بالبصر، هي ومضة في كتاب التاريخ، لكنها ومضة تخطف الأبصار وتبهر العقول، فما حدث في أكتوبر نوع من المعجزة، معجزة ترجمت إرادة هذا الشعب. عاد إلينا أكتوبر ورجال أكتوبر وهم لم يغادرونا أبدا فهم خلايا في دم مصر، خلايا نقية جددت دماء وتاريخ مصر.