مازلت أحلم بمن يأتي ليرأب الصدع الداخلي الذي تشققت جدرانه واندلعت منها نيران تأكل الأخضر واليابس. مازالت الفتنة تحاصر أبناء الوطن الواحد من كل حدب وصوب. مازال الجدل والحوار غير المجدي يمسك بتلابيبنا. السفينة لم يعد لها مسار واحد تتجه نحوه بل أصبحنا نبحر في مسارات خطرة تحاصرنا من كل جانب. سيناء تقف علي قدم واحدة مشدوهة من الأحداث التي تحدق بها فالحرب ضد إسرائيل كانت أقل ضراوة من الحرب ضد الإرهاب الذي سكن معتنقوه أرضها الفيروز وأسالوا دماء جنودها يوما بعد يوم غدرا دون مواجهة. ورغم نجاحات قواتنا المسلحة في القضاء علي البؤر الإجرامية إلا أن الأمر يصيبنا بالحزن من مقتل أو إصابة جنودنا وضباطنا والمدنيين الذين يصابون أو يقتلون دون ذنب أو جريرة سوي تصادف وجودهم في موقع الأحداث. وبدورها المحافظات تعاني من ألاعيب معتنقي الإرهاب سواء حتي وصل الأمر الي تفجير القنابل أو السيارات المفخخة وسقوط ضحايا من الشرطة والأهالي أيضا. أما عن الجدل سواء في الفضائيات أو الحوارات الشخصية بين الناس فإنك تشعر أن الناس أهملت أمورها الحياتية وتفرغت لهذا النوع من النقاش الذي يزيد من مساحة الكراهية بين أبناء الوطن وكل طرف يظن انه هو الصواب بعينه. وتأتي المسيرات والمظاهرات لتكمل المشهد الدرامي التراجيدي الدامي لتقف عائقا أمام استمرار الحياة فيشتبك الأهالي مع أصحاب المسيرات حتي وهي سلمية ظنا منهم انهم أعداء يحاربون الناس في رزقهم فوجب قتالهم والهجوم عليهم بكل ما يملكون من وسائل. الحياة تترنح أمام هذه المثالب اليومية والنتائج تعيد عجلة دورانها آلاف الأميال إلي الوراء فلا يشعر أحد بأي ايجابيات تنعكس علي حياته أو حتي ان هناك أملا في استعادة بداية جديدة للحياة بعد ثورتي يناير و03 يونيو.. الغضب والعنف والكراهية صارت عنوان المرحلة الحالية وكنت أتوقع ان نلتف جميعا وراء الجيش في محاربة الإرهاب حتي من جماعة الإخوان بأن تنفض يدها عما يحدث في سيناء وتقف صفا واحدا مع المجتمع في هذه الحرب حتي وإن كانت غير راضية عما حدث لها إلي أن يعرفوا الحقيقة عندما تنكشف الأوراق في المحاكمات لبعض قياداتها وأعضائها.. ليت من أبحث عنه يكون غاندي تلك الشخصية التي وقفت أمام الاحتلال الإنجليزي فدافع عن بلده وحريتها حتي نالت استقلالها دون أن يطلق طلقة رصاص واحدة. غاندي الذي أخمد نيران الفتنة في بلده الذي يجمع من العرقيات والأديان والمعتقدات ما يفوق أي وطن اخر. كان إذا نشب خلاف مثلا بين المسلمين والهندوس ذهب مسرعا لرأب الصدع معلنا انه مسلم وهندوسي ويجمع بين أبناء الوطن علي كلمة سواء وأن الجهد الذي يبذل في عراك داخلي أولي به الوطن للدفاع عن حريته واستقلاله وكان يكرر نفس السلوك إذا حدث أي خلاف بين طوائف المجتمع سواء من السيخ المتطرفين وغيرهم وبين أصحاب العقائد الأخري. كان يعرف جيدا ان تآلف أبناء الوطن الواحد ووحدة الصف هي الجبهة الداخلية التي يحارب بها الأعداء وبدونها لا يمكن مهما حمل من سلاح وعتاد ان ينتصر أبدا. وهكذا كان غاندي أسطورة الحرب والسلام بلا سلاح وبالكلمة الراشدة العاقلة التي تجمع مواطني الهند علي قلب رجل واحد وما كان أبدا أن ينصر طائفته علي الطوائف الأخري بل كان يؤكد أنه يدين بكل المعتقدات في الهند فوضع اللبنة الأولي لبناء الهند وتأكيد حقها في الاستقلال ونبذ العنف والتطرف بين أبنائه والبعد عن الجدل حول من علي حق ومن علي باطل.. وها أنا أنادي في الفضاء أن يظهر غاندي عندنا ليرأب الصدع الداخلي وينشر السلام بين أبناء الوطن حتي يعودوا صفا واحدا لبناء الوطن والخروج به من أزمته الاقتصادية والاجتماعية وحتي نستطيع أن نقتلع جذور الإرهاب من أرضنا الطيبة.