من واقع التجارب العديدة لكثير من الدول الناميةخلال السبعين سنة الماضية، ثبتحأن المعونة الخارجية ليست شرطا ضروريا أو كافيا للاسراع بمعدل النمو الاقتصادي. فقد حصلت دول علي معونات أجنبية كبيرة ولم تحدث بها تنمية اقتصادية او اجتماعية تذكر. في حين نمت دول أخري بمعدلات مرتفعة بالرغم من عدم حصولها علي معونة اجنبية تذكر.. ويرجع السبب في ذلك الي عوامل عدة من بينها: أن المعونة لاتمثل إلا نسبة صغيرة من اجمالي الاموال المطلوبة للتنمية، وأن جزءاً كبيرا من هذه المعونة يستحوذ عليه الحكام الفاسدون ولايخصص لمصلحة البلد، كما أنها تدفع الشعب إلي الاتكال عليها، والتغاضي عن أن التنمية في أي مجتمع تعتمد علي جهود الشعب وقياداته والسياسات الحكيمة التي تتبعها، ومن اسباب ذلك ايضا أن معظم المعونات الاجنبية تكون مكبلة بشروط تقلل من جدواها علي الاقتصاد القومي. أما الدول التي نمت بدون الحصول علي معونات اجنبية فذلك لاتخاذها للسبل السليمة للتنمية، ومنها القيادة القدوة، والكد في العمل، والادخار الكبير ومن ثم الاستثمار المرتفع، واتباع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المواتية للتنمية. وفي مصر الآن توجد حملة واسعة ضد المعونة الامريكية وتتساءل اصوات عن مقدرة مصر علي تحمل قطع المعونة عنها وللرد علي هذا التساؤل نقول أن مصر تحصل حاليا علي معونة امريكية سنوية قدرها 55.1 مليار دولار، منها 052 مليار دولار معونة اقتصادية، و3.1 مليار دولار معونة عسكرية ولاتمنح امريكا مصر هذه المعونة من اجل سواد عيونها، ولكن للمصالح المشتركة بينهما. فمصر دولة كبيرة محورية في المنطقة وعنصر اساسي من عناصر استقرارها، وهذه مكاسب ليست بالهينة وتفوق كثيرا مقدار المعونة التي تقدم لمصر. وعلينا ان نتذكر أن المعونة التي كانت مقررة لمصر في اعقاب اتفاقات السلام 9791 تقدر بنحو 3 مليارات دولار أي ضعف المبلغ الحالي، ولكن خفضت تدريجيا، ومن المقدر -قبل الخلاف الأخير مع وجهات النظر الامريكية- أن تخفض اكثر من ذلك في اطار محاولة احلال العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة العامة الامريكية، وتحصل اسرائيل علي ذات القدر، واستمر كذلك إلي الآن. وعلاوة علي ذلك ، فإن اسرائيل تحصل علي المعونة في صورة نقدية، وهذا يعطيها الفرصة للتصرف فيها كيفما تشاء. واذا عدنا الي المعونة الاقتصادية لمصر وهي 052 مليون دولار فإنها لاتشكل الا واحداً في الالف من الناتج المحلي الاجمالي الذي يقدر بنحو 052 مليار دولار. وهي معونة مفيدة، يجب ان تشتري بها بضائع امريكية، وتنقل علي بواخر امريكية، واذا كان جزء منها مخصصا للخدمات والدراسات فيجب ان يشارك فيها امريكيون يحصلون علي نصيب الأسد. وفي اغلب الحالات تكون اثمان البضائع الامريكية اغلي من مثيلاتها غير الأمريكية. وكل هذا يشير الي أن هذه المعونة تساعد في توظيف أيدي عاملة امريكية، وفي تشغيل مصانع امريكية، وأن صافي ما تحصل عليه مصر قد لا يتعدي نصف هذا المبلغ. ومن ثم اذا قطعت هذه المعونة عن مصر فإن أثرها علي الاستثمار والانتاج والدخل يكاد لايكون محسوسا، وتستطيع مصر تعويضه بمجهود اكبر من العمل والتوفير من اجل زيادة الانتاجية والاستثمار وتنويع اطراف التبادل التجاري. أما المعونة العسكرية، فهي ايضا مبلغ زهيد، لما انفقت مصر وستنفقه علي المجهود الحربي. ولا اعتقد ان الولاياتالمتحدة سوف تمس هذا الجانب أو الانشطة المشتركة بينها وبين مصر والتي تعود بنفع كبير علي البلدين. الا ان الاحداث الجارية تشير بشدة الي ضرورة اهتمامنا بالانتاج الحربي،والبحوث والتطوير في المعدات والاسلحة الالكترونية والحديثة وغيرها، إذ إن هذا لايقل حيوية عن الاعتماد علي الذات في توفير الغذاء. ذلك أن من لا يمتلك مصادر سلاحه فهو مهدد في استقلاله. ولانقول هذا للتحريض علي سعي مصر والمصريين للاندفاع بالمطالبة بقطع المعونة. ذلك انها حق لمصر وليست منه، كما انها من مؤشرات حسن العلاقات بين البلدين. وكما نحتاج امريكا فإنها تحتاج الينا وبدرجة اكبر. غير اننا نرفض ان تكون المعونة الامريكية وسيلة للضغط علينا أو طريقا لانقاص كرامتنا واستقلالنا. واذا اندفعت الولاياتالمتحدةالأمريكية في هذا الاتجاه، فإننا لن نخسر كثيرا وستكون هي الخاسرة.