حين اختلفت قريش حول من يضع الحجر الأسود في مكانه بالكعبة واحتدم الخلاف إلي حافة الاقتتال - احتكم القوم للرسول »صلي الله عليه وسلم« وكان شابا لا يزال غير حامل للرسالة بعد، وبحكمة بالغة فرش الرسول الكريم رداءه الطاهر لتضع قريش فوقه الحجر ويمسك ممثل كل قبيلة بطرف من الرداء ليحملوه جميعا، ويتوزع شرف حمله بين الجميع. وكانت حكمة من لا ينطق عن الهوي سببا في حفظ دماء المتصارعين علي شرف مقدس، فمالي أري المتصارعين علي تكليف مرهق يلبسه بعضهم ثوب التقديس، ويغالي بعضهم الآخر في اقصائه من هم دونه طمعا في استئثار فكرة وأيديولوجية بهذا التكليف الأثير؟ اننا نقع ما بين دعاوي التخلص من الإسلاميين خارج الإطار السياسي، واستسهال اراقة الدماء في سبيل هذا الغرض، وما بين من يعتلون منصة رابعة وينفون اننا في وقت فتنة فالحق -كما يزعمون- واضح وبالتالي فلا فتنة.. ان هؤلاء المنادين بالاقصاء المستسهلين لإراقة الدماء تتحد مزاعمهم ودعاواهم الخبيثة مع المفكرين للفتنة التي نحياها، ومحصلة هؤلاء وأولئك مزيد من الدماء إن بحثا عن الاقصاء الكامل للتيار الإسلامي من الصورة، وإن زعما بالجهاد والشهادة لمن تراق دماؤهم دفاعا عن الشرعية التي اصطبغت وتلونت منذ قيام الثورة بكل الألوان والمسميات: شرعية الميدان - شرعية البرلمان - الشرعية الثورية - الشرعية الدستورية، ولم نجن من ورائها سوي مزيد من الدماء. هل نثوب إلي رشدنا ونستوعب درس الرسول الكريم »صلي الله عليه وسلم« في هذه الأيام المباركة ونستمع قليلا لصوت الحكمة بالتعاون بين الجميع في حمل أمانة هذا الوطن، قبل ان نفشل جميعا وتذهب ريحنا؟! يا خسارة الملايين امتلأت شاشة رمضان الدرامية والبرامجية هذا العام بكل ما سخف وهان -لا مالذ وطاب- من أعمال تليفزيونية، ويبدو ان أصحابها لم يكن في بالهم نجاح ثورة شعبية في اقصاء الإخوان عن الحكم فسخروا أفكارهم وأعمالهم وملابسهم وألسنتهم بالغث والرديء والفاحش من الألفاظ التي كنا نأنف ان تصادفها أسماعنا في أحقر وأزري بيئات الشارع المصري، وعشنا لتهاجمنا في بيوتنا وبمناسبة أفضل شهور الله وأكثرها اجلالا.. وخاب مسعاهم بتحويل تلك الأعمال مزرعة للذقون »العبيطة« والأفكار الأكثر عبطا والألفاظ الأدني أدبا والأعلي بجاحة حتي في الدراما الاذاعية المتحفظة، ولو علموا بما سيحدث في 03 يونيو فما أظنهم بمنفقي تلك الملايين علي هذه الأعمال المزرية، حتي من حاول منهم ان يقدم عملا محترما فقد اختلط لديه الجهل والسذاجة بسوء التعامل مع القضية وحاول ان يقدم حلا توافقيا للتعايش في ظل الإسلام السياسي، لكنه حل اتسم بالسذاجة في المعالجة وان يفرض رؤيته التي تريحه هو فقط وتقدم نموذجا محرجا لداعية كان متشددا! لو كان ما قدموا من أعمال موجها فقط للتمرد علي ما كان يحكم مصر من نظام سياسي بوجه إسلامي »مسيس« فأظنهم الآن نادمين علي الملايين التي صرفوها بعد نجاح 03 يونيو، وان كان هذا فكرهم الذي يظنون انهم يواجهون به دعاة الإسلام السياسي فأدعوهم إلي البحث عن أفكار أعمق بمعالجات فاهمة يحمل أصحابها ومنفذوها أبعادا فكرية أكثر استيعابا وإدراكا للأمور واحتراما للعقول، بدلا من خيال المآنة الذي قدموه! السلطان الصالح قال عبدالملك بن مروان لبنيه يعظهم ويعلمهم فلسفة الحكم الناجح: »كلكم يترشح لهذا الأمر، ولن يصلح له إلا من كان له سيف مسلول، ومال مبذول، ولسان معسول، وعدل تطمئن إليه القلوب، وأمن تستقر به في مضاجعها الجنوب«. لو كان لنا مثل هذا السلطان أو كنا نستحقه، ما كانت 52 يناير وما كانت 03 يونيو وماكان أي تاريخ لاحق نسخا لهما!