حين اختلفت قريش حول من يضع الحجر الأسود في مكانه بالكعبة واحتدم الخلاف إلي حافة الاقتتال - احتكم القوم للرسول »صلي الله عليه وسلم« وكان شابا لا يزال غير حامل للرسالة بعد، وبحكمة غير محدودة فرش الرسول الكريم رداءه الطاهر لتضع قريش فوقه الحجر ويمسك ممثل كل قبيلة بطرف من الرداء ليحملوه جميعا، ويتوزع شرف حمله بين الجميع. وكانت حكمة من لا ينطق عن الهوي سببا في حفظ دماء المتصارعين علي شرف مقدس، فمالي أري المتصارعين علي تكليف مرهق يلبسه بعضهم ثوب التقديس، ويغالي بعضهم الآخر في اقصاء من هم دونه طمعا في استئثار فكره وأيديولوجيته بهذا التكليف الأثير؟ اننا نقع ما بين دعاوي التخلص من الإسلاميين خارج الإطار السياسي، واستسهال اراقة الدماء مهما كانت في سبيل هذا الغرض، وما بين من يعتلون منصة رابعة وينفون اننا في وقت فتنة، فالحق -كما يزعمون- واضح وبالتالي فلا فتنة.. ان هؤلاء المنادين بالاقصاء المستسهلين لإراقة الدماء تتحد مزاعمهم ودعاواهم الخبيثة مع خبث المنكرين للفتنة التي نحياها، ومحصلة هؤلاء وأولئك مزيد من الدماء إن بحثا عن الاقصاء الكامل للتيار الإسلامي من الصورة، وإن زعما بالجهاد والشهادة لضحايا أبرياء تراق دماؤهم دفاعا عن الشرعية التي اصطبغت وتلونت منذ قيام الثورة بكل الألوان والمسميات: شرعية الميدان - شرعية البرلمان - الشرعية الثورية - الشرعية الدستورية - شرعية الاستقواء والاستعداء .. ولم نجن من ورائها سوي مزيد من الدماء. هل نثوب إلي رشدنا ونستوعب درس الرسول الكريم »صلي الله عليه وسلم« في هذه الأيام المباركة ونستمع قليلا لصوت الحكمة بالتعاون بين الجميع في حمل أمانة هذا الوطن، قبل ان نفشل جميعا وتذهب ريحنا؟!