اليوم تنتهي الدورة البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري، لكي يلتقط نواب الشعب أنفاسهم، بعد دور تشريعي كان مليئاً بالإنجازات، وأيضاً بالسلبيات. وأعتقد أن المراجعة السريعة لعمل المجلسين وخاصة الشعب تمثل ضرورة حتمية لتدارك مثل هذه السلبيات، التي كان لها أثر بارز في حالة الجدل الساخن، والحوار الذي خرج عن نصه بين النواب بعضهم البعض، أو بين الأحزاب، أو بين هؤلاء جميعاً والحكومة. لا أحد يستطيع أن ينكر الجهد الهائل والكبير الذي قام به مجلسا الشعب والشوري، وخروج العديد من التشريعات والقوانين، التي تمثل إضافة ودفعة كبري لعملية الإصلاح في بلادنا، سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، بالإضافة لدور المجلسين في الكشف عن العديد من أوجه القصور والانحراف، التي وقعت فيها الحكومة وهو أمر طبيعي، نتيجة الكم الهائل من المشاكل والتحديات التي واجهتها، بالإضافة لانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية، وتأثيراتها السلبية علي حجم الأداء ومعدلاته. واذا كان التجديد النصفي لمجلس الشوري، وصدور القرار الجمهوري بتعيين الاعضاء الجدد قد اكتمل، فإن الاستعدادات لانتخابات مجلس الشعب في نوفمبر القادم، تتطلب قدرا اكبر من الاهتمام، سواء من حزب الاغلبية او بقية الاحزاب والمستقلين. ذلك ان الانتخابات القادمة تتم وفق متغيرات ومستجدات علي الساحة السياسية، غيرت كثيرا من خريطة اللعبة وادواتها ووسائلها. فلاشك ان التوسع الهائل والكبير في استخدام تقنيات الاتصال الحديثة، يتيح قدرا كبيرا من المعلومات وتبادلها، ويفرض تحديات اكبر علي المتنافسين، في هواء مفتوح لم يعد الحكم فيه مقصوراً علي وعود الناخبين، ولكن علي برامج وأهداف واضحة، تأخذ في اعتبارها المصلحة العامة، وتضيف جديداً لبنيان الوطن. الامر اذن يحتاج الي اعادة صياغة وقناعة من الجميع بأن ماتعيشه مصر من محاولات متعددة للاصلاح السياسي، يجب ان تظل داخل بوتقة القيم والتقاليد والمعايير الاجتماعية والثقافية الراسخة في وجدان المجتمع، وتواصل اجياله. اكثر ما يقلقني هو لغة الحوار الهابط والمتدني، التي تكاد تغزو قاموس الممارسة السياسية والاعلامية في بلادنا، والتي اصبحت كلمة الفساد فيها تمثل ابجديات يحاول البعض فرضها، دون ادراك حقيقي لما تتركه من آثار، لا اعتقد انها تصب في مصلحة أحد، حتي هؤلاء الذين يروجون لها مستغلين هذا الكم اللا محدود من حرية التعبير، والذي تحول الي حالة من الانفلات، لانه يتم دون ضوابط او معايير، وايضا دون محاسبة، ودون تفعيل للقوانين. التناقض بين التشريعات لمصلحة من هذه الاثارة والبلبلة حول اراضي مدينتي؟! وكيف تتحقق المواءمة بين المصلحة العامة وروح القانون؟! اسئلة محيرة، يبدو انه من الضروري ان تصبح محل بحث ونقاش، من اجل الوصول الي حل عادل يحقق المصلحة العامة، ويحافظ في نفس الوقت علي حقوق كل الاطراف. الذي لاشك فيه، أن الحكم الصادر ببطلان التعاقد علي ارض مدينتي لن يمتد اثره إلي شركة طلعت مصطفي، أو عشرات الآلاف من المواطنين الذين حجزوا وحدات سكنية بها. إن الحكم جملة وتفصيلاً لن يلحق اي ضرر بهؤلاء الحاجزين أو يلحق ضرراً بالشركة، باستثناء ما يمكن ان نسميه »بالشوشرة والضجة الكذابة« والتي ظهرت مؤشراتها في تعاملات البورصة، وخاصة من قبل قاعدة لايستهان بها من المتعاملين، والتي لاتملك المعرفة الكاملة بطبيعة عمل الشركة وحركة الاسهم وأسعارها، ودون الخوض في مدي تأثر البورصة بالشائعات أو المعلومات الخاطئة والتي يرجع سببها الاول لآليات واجراءات التعامل بالبورصة، والقائمين علي ادارتها فإن الحكم يمكن ان يفتح المجال لتطبيقه علي مشروعات كثيرة مماثلة، منحت لها الأراضي بموجب القانون الخاص بهيئة المجتمعات العمرانية، الصادر بقرار جمهوري عام 9791. لا أبالغ عندما أقول ان شركة طلعت مصطفي كانت صاحبة الفضل الأول، في أن يكون للصحراء وكثبان الرمال ثمن، بعد أن امتدت بيد العمران والبناء إلي صحراء قاحلة، ظلت لآلاف السنين تهفو إلي مجرد نعيق الغربان، التي كانت تأبي أن تحلق فوقها. مدينتا الرحاب ومدينتي، ليستا مجرد مدن عمرانية كتلك التي شيدتها الدولة علي طريقة علب الكبريت، والبلوكات المسلحة التي تعود لعصور الاشتراكية، لكنهما تحولتا إلي مفخرة مصرية في بناء المدن الجديدة، ويكفينا فخرا ان دولا غنية ومتقدمة مثل السعودية، بدأت الاستعانة بشركة طلعت مصطفي، لبناء مدينتين متكاملتين علي غرار مدينة الرحاب. لا أبالغ عندما أقول ان وزير الإسكان الأسبق، الدكتور محمد ابراهيم سليمان، قد ضحك علي أصحاب الشركة باسلوب التجار الأذكياء عندما قرر منحهم أراضي مدينتي، مقابل 7٪ من وحداتها السكنية. ان سعر البيع في هذه المناطق وقت إتمام الصفقة هو جنيه واحد للمتر، بإعتبارها أراضي صحراوية، وتم البيع بهذا السعر في عشرات المشروعات المماثلة، التي اقيمت بالأراضي الصحراوية، أي أن قيمة الأرض لم تكن تتجاوز 23 مليون جنيه فقط، في حين تصل قيمة الوحدات السكنية، التي بدأ تسليمها للحكومة، ما يزيد علي 41 مليار جنيه. بالاضافة إلي أن اقامة المشروع في هذه المنطقة، كان يستهدف جذب التنمية إليها وهو ما حدث بالفعل، حيث تم بيع جميع الأراضي المجاورة لها خلال السنوات الماضية. كما أن المشروع اتاح مئات الآلاف من فرص العمل للشباب، وهو هدف أساسي سعت إليه الحكومة، وكذلك مشاركة المشروع في تخفيف الأعباء الحكومية، من ضرورة توفير مساكن جديدة للمواطنين. بالاضافة إلي قيمة الضرائب، التي تدفعها الشركة للدولة، والتي تصل إلي 02٪. ولا أبالغ أيضا عندما أقول، إن دفاع وزير الإسكان الحالي المهندس أحمد المغربي عن الصفقة، ليس حبا في شركة طلعت مصطفي، وإنما دفاع عن مصلحة دولة، تشكو من نقص مواردها لمواجهة أعباء الخدمات المتزايدة من مرافق وصرف صحي. الحكومة بصفقة مدينتي، قدمت دليلا علي انها تاجر ذكي، بعيدا عن البيروقراطية والقوانين والقرارات واللوائح، التي عفا عليها الزمن. نعم نحترم القانون وقدسيته، ونعلي أحكام القضاء فوق رؤوسنا، ولكن المواءمة عنصر مهم ومطلوب أمام القضاء الإداري. إن هناك لبساً لدي الكثيرين حول مدي قانونية الصفقة. وهنا أشير إلي أن هذا اللغط نتج عن وجود قانون خاص للمجتمعات العمرانية، صدر عام 97، وكذلك وجود قانون للمزايدات والمناقصات صدر عام 98، والقانون الخاص كما يعرف أهل القانون يقيد القانون العام. أي أن الصفقة تمت بموجب قانون المجتمعات العمرانية، حتي وإن بدا من الأمر أنها خالفت قانون آخر للمزايدات، والذي لم تتضمن مواده ما يفيد إلغاء القانون السابق عليه. ان إنشاء مدينتي، أوقبلها مدينة الرحاب، كان وراء الانتشار الكثيف لحركة العمران والبناء في تلك المناطق. وكان أيضاً وراء هذه الأسعار المرتفعة لثمن الأراضي في المزادات، »فقد احلوت الصحراء« ليس بقدرة قادر، ولكن أيضا بفكر وعقلية مدت يد العمران إلي غياهب الصحراء، التي عانت فيها الثعالب من شظف الحياة. وصدقوني، أخشي ما أخشاه ان يقوم المسئولون عن شركة طلعت مصطفي بالتمسك بالحكم، ودفع ثمن الأرض وقت تحرير العقد، وبنفس الأسعار التي تم البيع بها لشركات وجهات أخري كثيرة. أما حديث البعض عن أن الحكومة سوف تقوم بتصحيح العقد، فهو حديث تنقصه الدراية القانونية، لأن العقد صحيح وسليم من الناحية القانونية، لكن الحكم صدر ضد الدولة، التي يجب أن تسارع من أجل تصحيح التشريعات، وإزالة التناقضات بينها.