ينفي كثير ممن يروجون »للصكوك« كأحد ادوات التمويل انها تنطوي علي عملية خصخصة.. وابادر بالقول نعم ان الصكوك هي احد اساليب الخصخصة، ذلك ان هذه الاخيرة لا تقتصر علي بيع مشروعات القطاع العام، ولكنها تشتمل علي صيغ عدة من بينها: 1 ادارة مشروعات القطاع علي اسس مالية شأنها شأن مشروعات القطاع الخاص بدون المساس بالملكية العامة او الادارة عن طريق موظفي القطاع العام اي لا تستخدم شركات القطاع العام »كمؤسسات اجتماعية«. 2 توكيل إدارة شركات القطاع العام إلي القطاع الخاص من بقاء ملكية الدولة. 3 تشغيل الطاقات العاطلة بشركات القطاع العام بسبب عدم توافر التمويل من حساب القطاع الخاص. 4 امتناع الحكومة عن انشاء شركات جديدة مما يؤدي الي زيادة نسبة مشروعات القطاع الخاص وتناقض الحجم النسبي للقطاع العام. 5 اشراك القطاع الخاص في ملكية المشروعات العامة سواء القائمة أو الجديدة وتسمي حاليا بالمشاركة بين القطاع العام والخاص. وبالانجليزية public - private portnership واختصار ppp. 6 البيع الجزئي لشركة القطاع العام مع استمرار جزء من نشاطها. 7 التصفوية: وهي بيع شركة القطاع العام بأكملها للقطاع الخاص وهذه هي الصيغة التي يظن البعض انها وحدها هي »الخصخصة«. 8 والصيغة الاخيرة هي »التصفية« اي انهاء نشاط شركة القطاع العام نظرا لانها اصبحت غير مجدية ولا فائدة من استمرارها في النشاط. والصكوك بحسب تعريفها في القانون رقم 10 لسنة 2013 الصادر بتاريخ مايو 2013 هي اوراق مالية اسمية تصدر لمدة محددة عن طريق الاكتتاب العام او الخاص، وتمثل حصصا شائعة في ملكية موجوداتها وتصدر هذه الصكوك الحكومة أو الهيئات العامة أو وحدات الادارة المحلية أو غيرها من الاشخاص الاعتبارية العامة »م1« اي الحكومة والقطاع العام بمعناها الواسع.. ويجوز للحكومة والهيئات العامة والمحافظات اصدار صكوك مقابل حق الانتفاع بالاصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية خاصة »م 3« والصكوك انواع منها: أ صكوك التمويل مثل صكوك المرابحة او الاستصناع »اي تصنيع المواد الخام بالمشاركة مع القطاع الخاص ثم بيعها« أو السلم »اي شراء المحصول من المزارع قبل نضجه وبيعه بعد ذلك«. ب صكوك الاجارة: مثل اجارة الخدمات، وملكية حق منافع الاصول القابلة للتأجير. ج صكوك الاستثمار: مثل المضاربة والمشاركة في الربح والوكالة بالاستثمار. د صكوك المشاركة في الانتاج: مثل المزارعة والمساقاة. ه صكوك الصناديق والمحافظ الاستثمارية وغيرها. والفكرة الاساسية في الصكوك هي انها ليست السندات المعتادة حيث ان الاخيرة هي »دين« علي من يصدرها والصك ليس كذلك، كما يختلف السهم عن الصك في ان السهم يمثل جزءا من الملكية في الشركة طالما كانت مستمرة في نشاطها، اما الصك فهو جزء في الملكية المحددة في المدة وفي النشاط. والسؤال الآن هو هل تحقق الصكوك معدل ارباح اعلي من السندات او الاسهم؟ والاجابة هي انها قد تكون اعلي وقد تكون اقل، بل ان الصكوك قد تحمل خسائر، حيث ان حاملها شريك في الربح والخسارة »البند د من م 12 من القانون رقم 10«. وقد تخوف كثير من المصريين ولهم الحق في بيع قناة السويس عن طريق الصكوك، فهل تستطيع هيئة قناة السويس تمويل بعض نشاطها عن طريق الصكوك بدون التفريط في ملكية الشعب للقناة؟ والاجابة هي نعم. فإذا افترضنا ان الهيئة تريد تعميق القناة عن مستواها الحالي بمقدار عشرة امتار، وان هذا المشروع سوف يتكلف 20 مليار دولار، وبحسب دراسة الجدوي سيكون نصيب ممولي هذه العملية بعد حصول الهيئة علي حقها المشروع في ملكية القناة نفسها نسبة 5٪ فتستطيع الهيئة اصدار الصكوك بهذا العائد ولمدة ثماني سنوات بعائد 5٪ علي ان ترد قيمة الصكوك بعد هذه المدة، فهل بذلك تكون الهيئة قد فرطت في ملكية القناة؟ والاجابة هي لا حيث ان قيمة هذا التوسع لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا من مجمل اصول هيئة القناة، وتستطيع سداد قيمة الصكوك من الموارد الاخري، علي ان ينص علي ذلك صراحة في نشرة الاكتتاب في الصكوك. اذا نصت هذه النشرة علي ان الصك شريك في الربح والخسارة وان العائد يحدد نسب نتيجة النشاط فمن الممكن الا يحصل صاحب الصك علي عائد في سنة ما اذا حدث ركود عالمي ولم يحقق مشروع التعميق اي مكاسب، لا قدر الله.. واخيرا يتساءل البعض اذا كان الامر كذلك لماذا يؤكد اصحاب المشروع الصكوك علي انها ليست خصخصة؟ يرجع ذلك الي السمعة السيئة التي نتجت عن نظام ما قبل ثورة 25 يناير الباهرة، والتي ادت الي زيادة معدل البطالة والي ضياع موارد طائلة علي خزينة الدولة بسبب بيع الشركات بأقل من ثمنها، والي احتكار البعض لأنشطة تلحق الضرر بالمستهلكين وهذه خصخصة ضارة اما الخصخصة »النافعة« فهي التي تحافظ علي ايرادات الموازنة العامة للدولة ولا تؤدي الي الاحتكار بل تزيد من المنافسة المفيدة، وترفع معدل الناتج المحلي الاجمالي عن طريق زيادة تشغيل الطاقات، وتخلق فرص عمالة جديدة بسبب التوسعات وانشاء المشروعات الجديدة، ومثال ذلك عمليات الخصخصة التي تمت في انجلترا وادت الي نهضة الاقتصاد البريطاني. وفي الختام فإنني اؤيد اصدار الصكوك كأداة جديدة من ادوات التمويل، ولكن علينا ان نصارح انفسنا ولا نخدعها، اذ انها وسيلة من وسائل الخصخصة وان عائدها قد يكون اعلي من عائدات السندات او اقل منه وفي جميع الحالات لا تؤدي الي التفريط في الممتلكات العامة التاريخية اذا ما احسن استخدامها، فاستخدام السلاح لقتل الابرياء جريمة بشعة، ولكنها قد تدفعنا الي عدم استخدام هذا السلاح في الدفاع عن الوطن.