وصف نبى الله يوسف من يدخل مصر بأنه آمن.. وسجل القرآن الكريم ذلك حينما قال: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) «يوسف: 99». لقد كانت مصر عبر العصور وستظل - إن شاء الله - واحة الأمن والأمان.. وبسبب أمنها كانت الزراعة نشاطها الاقتصادى الأول الذى سجلته على جدران معابدها.. وكانت مصر مقصدًا للقاصى والدانى ينتهل من علم أهلها.. ويأكل من خيراتها.. ويشرب من نيلها.. ولذلك شاع المثل القائل: (من يشرب من ماء النيل.. يعود له ثانية).. بل إن من مميزات مصر أن لغة شعبها لم تتغير منذ الفتح الإسلامى.. وقد شاهدنا شعوبًا كثيرة قد تغيرت لغتهم بفعل الاستعمار الذى احتل أراضيهم إلا مصر. أسمع أحد القراء الأعزاء يتساءل: ما علاقة أمن مصر بالصكوك؟.. وأرى أحد القراء يرد على التساؤل قائلًا: أليست الصكوك وسيلة تمويل؟.. ألم يشتهر القول بأن رأس المال جبان؟ أعزائى القراء.. من يحمى مصر فى الداخل؟.. آراك تستغرب السؤال.. وتقول الشرطة هى التى تحمينا فى الداخل.. فهل آن الأون ليتكاتف الشعب بجميع أعماره وطوائفه مع الشرطة لعودة الأمن والأمان وإنزال الشرطة منزلتها الصحيحة وإعادة هيبة جهاز الشرطة ليستطيع رجالها أن يمارسوا مهامهم فى حفظ الأمن والاستقرار.. لقد تغيرت عقيدة الشرطة.. وعاد لها شعارها الجميل العظيم الذى يقول "الشرطة فى خدمة الشعب".. وذهب إلى الأبد شعارها الذى كنا نقرأه باستغراب الذى كان يقول "الشرطة والشعب فى خدمة القانون".. وقضت ثورة 25 يناير 2011 على الشعار العملى والفعلى الذى عرفه القاصى والدانى والذى كان ينص على "الشرطة فى خدمة التوريث"!! فلا أعاد الله هذا العمل المشين.. آمين.. اسمعك عزيزى القارئ تقول: أطلت علينا.. فما رأيك فى أن نسترجع بعض ما تحدثنا عنه بشأن الصكوك؟ تناولنا فى المقالات التسعة السابقة عدة جوانب عن الصكوك.. فبدأنا بالصكوك.. لماذا؟.. وعلمنا أنها تصدر لتمويل المشروعات العامة والخاصة التى يتوافر فيها العناصر الآتية: 1- أن يكون النشاط مشروعًا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.. فلا يجوز تمويل مشروع لصناعة الخمور مثلًا.. أو لإقامة صالات لعب القمار «الميسر»، ويحدد المشروعية اللجنة الشرعية المنصوص عليها فى المادتين (20 و22) من القانون. 2- أن يكون للمشروع جدوى اقتصادية متوقعة بمعنى أن الاقتصاد الإسلامى يهدف إلى تحقيق ربح للمشاركين فى العملية الاقتصادية.. ولقد ذكر ذلك صراحة فى الكتاب والسُنة.. ففى الكتاب: (لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) «قريش: 1 - 2». ومن المعلوم أن الرحلتين المذكورتين فى السورة الكريمة هما رحلتا تجارة. وعن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة) وقال الفضل (مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة) أخرجه الدارقطنى فى السنن والبيهقي في الشعب 3- أن يكون للصكوك التى يصدرها المشروع نشرة اكتتاب عام أو خاص وفقًا للنموذج الذى تعده الهيئة العامة للرقابة المالية ويجب أن تعتمد الهيئة نشرة الاكتتاب قبل أن يدفع المستثمر أى مليم للاكتتاب فى الصكوك. 4- تصدر الصكوك عن طريق شركة ذات غرض خاص، وتخضع هذه الشركة لرقابة كل من الهيئة العامة للرقابة المالية والهيئة الشرعية وبورصة الأوراق المالية. 5- تراقب الهيئتان المذكورتان فى البند السابق أيضًا المشروع المستفيد من أموال الصكوك للتأكد من صحة الأرقام المذكورة فى قوائمها المالية. 6- يتم إبلاغ جماعة مالكى الصكوك بتقارير الرقابة المالية والرقابة الشرعية أولًا بأول. 7- يجوز أن يكون للصكوك ضامن للاكتتاب حتى يتأكد المشروع المستفيد من أموال الصكوك بأن نسبة 100% من عدد الصكوك المطروحة للاكتتاب سوف يتم الاكتتاب فيها ويبنى خطته على ذلك. 8- يجوز أيضًا أن يكون للصكوك متعهد لسداد قيمة الصكوك فى تاريخ اطفاءها (تاريخ استرداد الصكوك) بخلاف المستفيد يشترى موجودات الصكوك ويدفع ثمنها لمالكى الصكوك فى تاريخ الاسترداد. 9- وعرفنا أيضًا بأنه يعمل فى شأن الصكوك بالقانون المرفق -قانون الصكوك- وتسرى أحكامه استثناءً من أى قانون آخر، (المادة الأولى من قانون الإصدار).. يعنى أنه إذ خضعت جميع الأوراق المالية للضرائب، أو الحجز، أو أى شىء آخر لن تضخع الصكوك لهذه القوانين. 10- وعرفنا أيضًا أنه (لا تخل أحكام قانون الصكوك بالضوابط والأحكام التى تنظم تملك الأجانب للأراضى والعقارات المبنية وفقًا للقوانين السارية، ويحظر إصدار صكوك مقابل الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة ملكية عامة (المادة الثانية من قانون الإصدار) وهذا يعنى: ( أ ) عدم السماح بسيطرة الأجانب على الثروة العقارية المصرية.. فتملك الأجانب للعقارات سيكون وفقًا لأحكام قوانين تملك الأجانب السارية (يعنى الحالية والمستقبلية). (ب) أنه لا يوجد أى تهديد للملكية العامة للدولة سواء من أصحاب رءوس الأموال المصريين أو الأجانب. عزيزى القارئ.. فى مقالنا الثامن، قسمنا الصكوك حسب الجهة المستفيدة من أموالها إلى ثلاثة أنواع.. واتفقنا على تسمية النوع الأول: الصكوك الحكومية.. والنوع الثانى صكوك الشركات، أما النوع الثالث فهو صكوك الوقف التى يرى الأزهر الشريف استبعاده من قانون الصكوك.. تأسيسًا على أن مال الوقف يخرج من ملكية الواقف إلى ملكية الله سبحانه وتعالى. أما اليوم.. فإننا سوف نتعرف على تقسيم آخر للصكوك.. هذا التقسيم أوردته المادة 9 من قانون الصكوك.. وهو يقسم الصكوك إلى أنواع حسب عقد التمويل الشرعى الذى يتأسس عليه الصك.. وتنقسم الصكوك إلى 6 أنواع بخلاف صكوك الوقف فما هى هذه الستة أنواع من الصكوك؟.. وهل كل نوع منها ينقسم بدوره إلى عدة أنواع؟ عزيزى القارئ.. تنص المادة 9 من قانون الصكوك على: تصدر الصكوك على أساس عقد شرعى أو أكثر من العقود التالية: أولًا: صكوك التمويل، وهى ثلاثة أنواع: 1- صكوك المرابحة: تصدر على أساس عقد مرابحة وتستخدم حصيلة إصدارها لتمويل شراء بضاعة المرابحة لبيعها للواعد بشرائها، بعد تملكها وقبضها، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية الأعيان بعد شرائها وقبل بيعها وتسليمها لمشتريها، وفى ثمنها بعد بيعها للواعد بشرائها، وعائد هذه الصكوك هو الفرق بين ثمن شراء بضاعة المرابحة وثمن بيعها للواعد بشرائها. 2- صكوك الاستصناع: تصدر على أساس عقد الاستصناع، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل تصنيع عين مبيعة استصناعًا لتسليمها إلى مشتريها استصناعًا، ويمثل حصة شائعة فى ملكية العين المصنعة، وفى ثمنها بعد تسليمها لمشتريها وعائد هذا الصك هو الفرق بين تكلفة تصنيع العين وثمن بيعها. 3- صكوك السلم: تصدر على أساس عقد السلم، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل شراء سلعة السلم، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية سلعة السلم قبل قبضها، وفى السلعة بعد قبضها، وفى ثمنها بعد بيعها، وعائد هذه الصكوك هو الفرق بين ثمن شراء سلعة السلم وثمن بيعها. ثانيًا: صكوك الإجارة، وهى ثلاثة أنواع: 1- صكوك ملكية الأصول القابلة للتأجير: تصدر على أساس عقدى البيع والإجارة، وتستخدم حصيلة إصدارها لتمويل شراء عين قابلة للتأجير رقبة ومنفعة، ثم تأجيرها مدة محددة، هى مدة الصكوك بأجرة معلومة، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية هذه العين، رقبة ومنفعة، وفى أجرتها بعد تأجيرها، وهذه الأجرة هى عائد هذه الصكوك. عزيزى القارئ هل تعلم أن الشقة التى تسكن فيها تسمى (عين) وأن حقوق ملكيتها تنقسم إلى "رقبة" وهى جدران الشقة والأرض وباقى مكوناتها المادية و"منفعة" وتعنى السكن فيها ويجوز أن يملك الشخص الواحد حقى الرقبة والمنفعة ويجوز أن يبيع أحد الحقين منفصلا عن الآخر. 2- صكوك ملكية حق منافع الأصول القابلة للتأجير: تصدر على أساس عقد شراء منفعة عين أو استئجارها، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل شراء أو إنشاء المنفعة ثم تأجيرها بأجرة معلومة ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية منفعة هذا الأصل دون رقبته وفى أجرته بعد إعادة تأجيرها والفرق بين ثمن شراء المنفعة وبيعها هو عائد هذه الصكوك. 3- صكوك إجارة الخدمات: تصدر على أساس عقد إجارة الخدمات، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل شراء خدمات من مقدم هذه الخدمات لإعادة بيعها لمتلقى هذه الخدمات ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية الخدمة وهى التزام فى ذمة مقدم الخدمة قبل بيعها وفى ثمنها بعد بيعها، والفرق بين ثمن شراء الخدمة وثمن بيعها هو عائد هذه الصكوك. ثالثًا: صكوك الاستثمار، وهى ثلاثة أنواع: 1- صكوك المضاربة: تصدر على أساس عقد المضاربة، وتستخدم حصيلة إصدارها لدفع رأسمال المضاربة للمضارب لاستثماره بحصة معلومة من ربحه، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات المضاربة، وتشمل الأعيان والمنافع والديون والنقود والحقوق المالية الأخرى، وفى ثمنها بعد بيعها، ويستحق مالكو الصكوك حصة شائعة من عائد استثمار موجودات المضاربة ويتحملون مخاطر هذا الاستثمار بنسبة ما يملكه كل منهم من صكوك، وتحدد نشرة الاكتتاب هذه الصكوك والعقود الشرعية الملحقة بها شروط وأحكام عقد المضاربة وحصة مالكى الصكوك من الربح. 2- صكوك الوكالة بالاستثمار: تصدر على أساس عقد الوكالة بالاستثمار، وتستخدم حصيلة إصدارها فى دفع رأس مال الوكالة بالاستثمار إلى الوكيل لاستثماره بأجرة معلومة، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات الوكالة، وتشمل الأعيان والمنافع والديون والنقود والحقوق المالية الأخرى، وفى ثمنها بعد بيعها، ويستحق مالكو صكوك الوكالة عائد استثمار موجوداتها ويتحملون مخاطر هذا الاستثمار بنسبة ما يملكه كل منهم من صكوك، ويستحق الوكيل أجرًا معلومًا مضمونًا على مالكى الصكوك، وقد يستحق مع الأجر حافزًا هو كل أو بعض ما زاد من العائد عن حد معين، وتحدد نشرة اكتتاب هذه الصكوك والعقود الشرعية الملحقة بها شروط وأحكام عقد الوكالة فى الاستثمار وأجر الوكيل. 3- صكوك المشاركة فى الربح: تصدر على أساس عقد المشاركة، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل حصة مالكى الصكوك فى المشاركة مع الجهة المستفيدة، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات المشاركة وتشمل الأعيان والمنافع والديون والنقود والحقوق المالية الأخرى، ويستحق مالكو الصكوك حصة شائعة من عائد استثمار موجودات المشاركة ويتحملون مخاطر هذا الاستثمار بنسبة ما يملكه كل منهم من صكوك وتحدد نشرة اكتتاب هذه الصكوك والعقود الشرعية الملحقة بها شروط وأحكام عقد المشاركة وحصة مالكى الصكوك فى ربح المشاركة. رابعًا: صكوك المشاركة فى الإنتاج، وهى ثلاثة أنواع: 1- صكوك المزارعة: تصدر على أساس عقد المزارعة، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل زراعة أرض يقدمها مالكها بناء على هذا العقد، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات المزارعة غير الأرض، وفى الزرع بعد ظهوره وفى ثمنه بعد بيعه، ويستحق مالكو الصكوك، بصفتهم المزارعين بأموالهم، حصة معلومة من الزرع، ويستحق مالك الأرض الباقى. وتحدد نشرة اكتتاب الصكوك والعقود الشرعية الملحقة بها شروط وأحكام عقد المزارعة، وحصة كل من مالكى الصكوك ومالك الأرض من نتاج البيع. 2- صكوك المساقاة: تصدر على أساس عقد المساقاة، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل رعاية أشجار قابلة للإثمار وتعهدها بالسقى والتهذيب والتسميد ومعالجة الآفات حتى تثمر، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات المساقاة غير الأرض والشجر، وفى الثمر بعد ظهوره، ويستحق مالكو الصكوك حصة معلومة من الثمر، ومن ثمنه بعد بيعه، ويستحق مالك الشجر الباقى، وتحدد نشرة اكتتاب الصكوك والعقود الشرعية الملحقة بها شروط وأحكام عقد المساقاة، وحصة كل من مالكى الصكوك بوصفهم المساقين ومالك الشجر فى الثمر. 3- صكوك المغارسة: تصدر على أساس عقد المغارسة، وتستخدم حصيلة إصدارها فى تمويل غرس الأرض بأشجار الفاكهة أو غيرها من الأشجار ذات القيمة الاقتصادية، وتعهدها حتى تصل إلى مرحلة الإثمار، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات المغارسة من الأرض والغرس، ثم فى ثمنها بعد بيعها ويستحق مالكو الصكوك - بوصفهم المغارسين - حصة معلومة من الأرض المغروسة، ويستحق مالك الأرض الباقى، وتحدد نشرة اكتتاب الصكوك والعقود الشرعية الملحقة بها حصة كل من مالكى الصكوك ومالك الأرض فى الأرض المغروسة. ويرى الأزهر أن تقتصر حصة المغارس على الأشجار المغروسة وثمارها دون الأرض. خامسًا: صكوك الصناديق والمحافظ الاستثمارية: تصدر على أساس عقد شراء صندوق أو محفظة استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية تتمتع بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة عن الجهة المستفيدة، وتتكون من أعيان ومنافع وديون ونقود وحقوق مالية، لا تقل فيها الأعيان والمنافع عن الثلث عند إنشائها، ويمثل الصك حصة شائعة فى ملكية هذه المحفظة. ويرى الأزهر ألا تقل الأعيان والمنافع عن الثلثين فلا تزيد النقود عن الثلث فرارًا من الربا بنوعيه (النسيئة والفضل). سادسًا: أية صكوك أخرى تقرها الهيئة الشرعية ويصدر بها قرار من الهيئة. وكما ذكرنا فى مقالنا التاسع أن مجلس الشورى قد ناقش رأى الأزهر يوم 30/4/2013 ووافق المجلس على القانون بالاجماع. عزيزى القارىء أراك متشوقًا للإجابة على السؤال التالى: كيف تكتتب فى الصكوك؟.. سنجيب على ذلك فى مقالنا الذى سينشر الأحد القادم إن شاء الله..