عبدالحافظ الصاوى الموازنة العامة للدولة قيد المناقشة هذه الأيام بمجلس الشوري، ومن اللافت للنظر أن الجميع يطالب بزيادة النفقات العامة، وبخاصة في مجالات التعليم والصحة، علي اعتبار أن زيادة الإنفاق هي التي تؤدي إلي تحسن أداء هذه القطاعات الخدمية، وبالتالي حصول المواطن علي خدمات أفضل، والوصول إلي حياة كريمة. والواقع أن المتتبع لأداء الموازنة العامة في مصر علي مدار السنوات الماضية، يلاحظ تطور حجمها باستمرار كل عام، ولكن أداء القطاعات الخدمية تزداد الشكاوي منه بسبب سوء الأداء، وتردي الخدمات العامة في التعليم والصحة، وفي مجال الدعم، الذي تُسرق مواده النفطية أو الغذائية، فضلا عن رداءة السلع المدعمة. إذن العبرة ليست في زيادة النفقات، ولكن العبرة كما تؤكد مسلمات المالية العامة بالعائد علي هذا الإنفاق، فقد تكون الزيادة في النفقات العامة جنيهًا واحدًا، ويعتبر ذلك إهدارًا للمال العام، وقد تكون الزيادة مليارات الجنيهات، ويعد ذلك إنفاقًا رشيدًا لأنه ذهب إلي مكانه الصحيح، وحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وتمثل العائد منه في تحسن الخدمات، وسهل من الأمور الحياتية للمواطنين. فالأجور للعاملين بالحكومة والقطاع العام مثلا تزيد كل عام بمعدل لا يقل عن 01٪ ولكن في نفس الوقت يعاني المجتمع من معدلات تضخم تفوق هذه الزيادة، وبالتالي تصبح هذه الزيادة لا شئ في حياة العاملين. فالأجدر في هذا الأمر أن تعمل السياسات الاقتصادية علي انخفاض معدلات التضخم بحيث تكون أقل من معدلات الزيادة في الأجور، حتي تكون الزيادة حقيقية، وتؤدي إلي زيادة القوة الشرائية لأجور العاملين. وإذا كنا قد تناولنا أمر الأجور، والشئ بالشئ يذكر، فإن المناداة بالحد الأدني والاقصي للأجور، لابد وأن تؤخذ في الاعتبار لعدة أمور علي رأسها أن ذلك يُعد من أوجب الإصلاحات المطلوبة لإعادة النظر في هيكلة بند الأجور الذي يستحوذ علي ما يقرب من 30 ٪ من إجمالي النفقات العامة. وإذا كنا ننادي بالحد الأدني لأجور العاملين في القطاعين العام والخاص، فإن النصف الثاني من المعادلة أن يرتبط الحد الأدني للأجر بالإنتاجية، فمن غير المعقول أن يحصل العامل علي حد أدني مرتفع، وفي نفس الوقت تقل إنتاجيته بالمعايير الاقتصادية المجردة عن هذا الأجر. تراجع التعليم ومما يؤكد علي مسلمة أن العبرة ليست بزيادة الإنفاق العام، ولكن العبرة بالعائد منه، أن مخصصات التعليم في نهاية التسعينيات بالموازنة العامة للدولة لم تكن تتعدي 24 مليار جنيه سنويًا، ولكنها في موازنة عام 2012/2013 وصلت إلي نحو 67 مليار جنيه. أي أنها تضاعفت لإلي ما يقرب من ثلاث مرات. والسؤال هو ما حال التعليم في مصر بعد هذه الزيادات المتتالية عامًا بعد عام؟. الإجابة أن النتيجة السلبية التي ترصدها الدراسات لازالت قائمة، وهي أنه لا علاقة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وأن الخريجين يفتقدون إلي التدريب الجيد، فضلا عن تراجع المستوي التعليمي. أما عن عار الأمية والتسرب من التعليم، فحدث ولا حرج. فالزيادة في قطاع التعليم تلتهمها الأجور والمرتبات، ولا يكون للاستثمار في التعليم إلا النذر اليسير، فالطلاب في مختلف مراحل التعليم، لا يعرفون المعامل، ولم يجروا تجارب تصقل مواهبهم وقدراتهم التعليمية، والورش بالتعليم الفني خاوية علي عروشها، وما أسهل التعليم النظري، الذي نحشد له الآلاف لينضموا إلي جيش العاطلين، الذي يستقبل كل عام أعدادًا متزايدة من غير المؤهلين لسوق العمل. لقد أدي تراجع مستويات التعليم في مصر إلي تراجع منافسة اليد العاملة المصرية في الداخل والخارج، فلم تعد العملة المصرية هي المفضلة في الأسواق العربية، كما أن الأيدي العاملة الأجنبية قد وجدت لها مكانًا فسيحًا في سوق العمل المصرية، وبخاصة في مجالات النسيج، والسيراميك، وما نشهده من تواجد العمالة البنجلاديشية والباكستانية والهندية في الإسكندرية ومختلف المدن الجديدة خير دليل. وماذا بعد؟ لقد ذكرنا بندا الأجور والتعليم كمثال صارخ بالموازنة العامة للدولة، وزيادة مخصصات الإنفاق بها، ولكن هذا الأمر ينسحب علي جميع بنود الموازنة، سواء في مجال الصحة أو المواصلات، أو الاستثمارات العامة، ... إلخ. لابد من وقفة مع هذا الأمر ونحن نناقش أول موازنة للدولة بعد الثورة في إطار مجلس تشريعي، فقد حرم المجتمع علي مدار العامين الماضيين من المشاركة في مناقشة الموازنة، سواء من قبل مجالس تشريعية أو مشاركة مجتمعية، ومن هنا نجد أنه من الأجدي أن تنتقل الموازنة المصرية من موازنة البنود والإنفاق إلي موازنة البرامج والأهداف، لكي تنعكس هذه البرامج في زيادة العائد من الإنفاق العام.