هل يعقل أن يثور أهالي بورسعيد الشرفاء على حكم أول درجة بإعدام من قاموا هم بأنفسهم بالقبض عليهم وسلموهم بأيديهم إلى الجهات الأمنية مصحوبا باعترافاتهم التفصيلية المسجلة بالصوت والصورة على عمليات القتل والترويع بتحريض من شخصيات محددة ومعروفة بانتمائها للنظام السابق؟ هل يمكن أن يثور أهالي بورسعيد الشرفاء كل هذه الثورة وهم يعلمون جيدا أن ال 21 المطلوب إعدامهم من بينهم ستة هاربين، و خمسة آخرين تهمتهم هي إلقاء الحجارة، هؤلاء وهؤلاء أمامهم فرصة للتقاضي في درجات أعلى من المحاكمة؟ هذا إذا رأى فضيلة المفتي أنهم بالفعل يستحقون الإعدام. هذه الثورة العارمة في بورسعيد غير معقولة ولا منطقية، بل تؤكد أننا أمام عملية مدبرة بامتياز استغلت حزن هؤلاء الشرفاء على ما وجدوه من انتقائية في التعامل مع ما قاموا به، وفضحوا بموجبه "مسخرة الطرف الثالث"، ليتفاجأوا بالحكم على أدوات التنفيذ، وتجاهل المحرضين، وحتى عندما أرسل النائب العام لهيئة المحكمة الموقرة بتحقيقات جديدة حول هؤلاء المحرضين وفق معلومات مؤكدة من لجنة تقصي الحقائق، لم تجد أي صدى. إلا أن أحدا ليس على استعداد على ما يبدو للغوص في المشهد البورسعيدي بعد عام كامل من التدبير تواصل خلاله العمل على الترسيخ لفكرة أن أهالي بورسعيد أجمعين مجموعة من المجرمين والعدائيين، حتى لو تسبب ذلك في أضرار بالغة في الأرزاق والممتلكات لأناس لا ذنب لهم، تحطمت معنوياتهم وتعرضوا لكل أنواع الإهانة في كل نواحي مصر وربوعها لمجرد أنهم ينتمون إلى بورسعيد، كل ذلك خدمة لنظرية أن المجزرة البشعة التي راح ضحيتها ثوار الألتراس لم يكن وراءها من حرض عليها وأنفق المال لإنجازها. عام كامل من الترويج لهذه الفكرة والترسيخ لها في الأذهان، ليبتعد أي حديث وكل تفكير عن أن مجزرة استاد بورسعيد كان الهدف منها تقويض حركة الألتراس التي كانت جزءا أصيلا ومهما من ثورة الشباب التي اندلعت قبل سنة من وقوع الجريمة وفي ذكرى ما عرف بموقعة الجمل التي استهدفت شباب الثورة. إن أي منصف وساع بتجرد للحقيقة لعلى يقين أن ما حدث للألتراس في ستاد بورسعيد قبل عام، جريمة مدبرة، لا تزال فصولها دائرة حتى الآن، بخروج هذا الكم الرهيب من الأسلحة، ومن وراء هذا السلاح ترسانة أموال، في توقيت تتوارى خلاله عن المشهد جماعات "الألتراس" التي شاركت في أسقاط النظام السابق، ليحتل المشهد كاملا عصابات الملثمين و"البلاك بلوك" التي تسعى لإسقاط النظام الحالي. [email protected]